عبدالنبي العكري
هذا مثل لبناني وله أكثر من معنى فقد يعني شخصاً أو جهة ما تعتبر نفسها عظيمة وهي في الحقيقة تافهة وقد تعني شخصاً يشطح به الخيال كما العنزة التي تتصور نفسها تطير.
في البحرين هناك الكثير ممن تقمصوا أدوار البطولة والعبقرية والذكاء، بل ويحتكرونها لأنفسهم وينكرون على إخوانهم في الوطن كل ذلك.
وفي حمأة سوق المزايدات وسعي السلطة للاتباع، ظهر لنا الكثير من الساسة وزعامات أحزاب مفتعلة وجمعيات مفبركة بل وانتقلت العدوى إلى نكرات في الجاليات الأجنبية، فإذا هم منافحون عن حقوق الإنسان، ومتحدثون باسم 52 في المئة من سكان البحرين أي مئات الآلاف، ولن نستغرب أن يترشحوا للانتخابات القادمة.
ما هي معايير الوطنية والزعامة والعبقرية والذكاء والحكمة عند هؤلاء؟ هل فعلا هم مستعدون للدفاع عن الوطن بأرواحهم كما يرددون؟ هل هم حريصون على وحدة الشعب كما يدعون؟ هل لهم رصيد على امتداد عقود في العمل الوطني؟ هل لهم سجل في الدفاع عن حقوق الشعب وحقوق الإنسان، هل هم ضد الطائفية فعلا؟
إن نضال شعب البحرين من أجل الاستقلال معروف وأبطاله معروفون، ونضال شعب البحرين من أجل دولة الاستقلال العادلة والمواطنة الحقة في ظل الاستبداد المديد معروف.
كما تصدت هيئة الاتحاد الوطني من أجل الاستقلال الحقيقي والحكم العادل فقد فبرك الإنجليز والحكم حينها هيئة الوفاق الوطني من شخصيات شيعية وسنية موالية ومستنفعة.
التاريخ يعيد نفسه الآن فالمعارضة الوطنية توصم بالخيانة وتحاصر ويجري مواجهتها بتنظيمات مفبركة، جرى فبركتها على عجل وحشد لها الأنصار على عجل وتسلق قيادتها من ليس لهم رصيد وطني. لكن المفارقة هي أنهم صدقوا أنفسهم ولبسوا الدور الذي اخترع لهم، فإذا هم اليوم مستشرسين لإقناع صناعهم بأنهم قوة لا يمكن القفز عليها وأنهم ضرورة وطنية، ولا بأس من مزايداتهم على من فبركهم.
الشيء ذاته ينطبق على مدعي حقوق الإنسان، فقد وجدنا فجأة أناسا أتوا أمن المجهول يتصدرون منصة حقوق الإنسان وينافحون عن الدولة وقمعها بل ويصمون كل من يطالب بحقه أو من يخرج في تظاهرة سلمية بأنه مخرب بل وخائن للوطن.
في ظل مأزق السلطة في مواجهة استحقاق الحركة من أجل الإصلاح الجذري والشامل، وفي مواجهة العزلة الداخلية والخارجية سارعت الأجهزة إلى البحث عن مطواعين لتجندهم كسياسيين وحقوقيين وصحافيين وإعلاميين ومروجين، ولهذا تساقط في سلتها عديمو الكفاءة والموهبة، وفي حمأة المزايدات تصدروا المشهد. لكنهم وبمرور الوقت وصمود الحركة، والدعم المحلي والخارجي لها توالت خيباتهم وأداءهم الرديء، لكن المشكلة الأكبر هي انفجار الصراعات فيما بينهم على الغنائم، كما أدرك الاتباع الصغار أنهم «خرجوا من المولد بلا حمص»، فبدأوا بالانفضاض من حول الزعامات المفتعلة لكنهم وقد ذاقوا حلاوة المعطيات والمناصب والمزايا، وتورطوا في الإساءة إلى شعبهم ومناضليهم، يكابرون، وينافحون عن قضية خاسرة ويزايدون في حملة التشويه والكراهية ضد أبناء شعبهم ومناضليه. أما خوفهم الأكبر فهو أن يتم إبرام تسوية ما بين السلطة والمعارضة، ويجدون أنفسهم على الرصيف ولذا ينافحون ضد أية تسوية تخرج البلاد من مأزقها وتؤدي إلى الاستجابة للحد الأدنى من مطالب الشعب، وتفتح افاق التغيير.
وكما قالت الفراشة الباسمة «النظام الفاشل هو الذي يستبعد الموهوبين ويقرب الخايبين» يوما ما سيسجل التاريخ هذا الفصل الطالح من تاريخ البحرين لمن وقف ضد شعبه، وتاجر بولائه، وسقط أخلاقيا، وفي المقابل سيسجل التاريخ فصلاً رائعاً لنضال شعب لم ينكسر رغم عظم التضحيات.