د. غالب فريجات
عندما انتفضت الجماهير العربية وبشكل خاص في كل من تونس ومصر لم يكن وجعها من السلطة السياسية فحسب، بل من القهر الاجتماعي والعنف الامني والازمة الاقتصادية الخانقة، وغياب معاير القيم التي شرعنت للفساد، وجعلت منه مؤسسة لها من يدافع عنها، بمعنى اكثر كانت هذه الجماهير بحاجة لثورة شاملة انقلابية على كل ما هو قائم في المجتمع وبكل عناصره ومكوناته، فالسلطة السياسية واحدة من هذه المكونات، حتى لانقع في استبدال وجه بآخر، فلا نريد استبدال محمد حسني ب محمد مرسي او رئيس جمهورية بلحية بدلاً من رئيس حليق الذقن، وتستبدل قوانين سيئة بآخرى اكثر سوءاً، فالنهج الذي يجب ان يتولد من هذه الانتفاضات يجب ان يكون في صالح الجماهير، ويعمل على خدمتها وليس من اجل هذه الفئة او الاخرى، وخاصة ما يقوم به الاسلام السياسي في تونس ومصر، الذي يسعى لاسلمة الدولة والمجتمع على طريقتهم الخاصة، وكأنهم هم المسلمون وما عداهم من كوكب آخر.
النظام العربي الرسمي فشل في تحقيق الامن الوطني والقومي امام اعداء الامة، ولم يحقق السلم الامني الاجتماعي، كما فشل في تحقيق التنمية الاقتصادية، فاتسعت رقعة البطالة وخاصة بين صفوف الشباب الجامعي كأخطر انواع البطالة عندما تكون في صفوف المتعلمين، الذين شكلوا القاعدة الرئيسة للحراك والانتفاضة في الاقطار العربية التي عمها الربيع العربي، ومن هنا كانت الانتفاضة الجماهيرية شبابية ولا تقتصر على فئة سياسية دون اخرى، لابل ان معظم الجماهير لم تكن مؤطرة حزبياً، وفيما يبدو ان الاسلام السياسي كقوى منظمة قد اجادت الاستثمار وحصدت النتائج في الانتخابات سواء اكانت نيابية او رئاسية.
الاسلام السياسي اقصائي ويعمد على لوي عنق الحقيقة، فبالامس استمعت لداعية اسلامي يكذب وبكل وقاحة، عندما يدعي ان مصر لم تنل استقلالها الا بعد ان قفز الاخوان الى السلطة، وانكر دور جمال عبد الناصر في السياسة والاقتصاد والتحرر، وعموم بواعث النهضة التي احدثها على الارض المصرية وفي الوطن العربي، فمن لا يؤمن بالآخر لا يجوز وتحت اي مبرر ان يخطف الوطن، ليقوم على شرنقته في خندق المصلحة الضيقة، فهذا النهج وهذه الممارسة تعيد المسيرة الجماهيرية عشرات السنين الى الوراء.
الاسلام المتنور هو اسلام جميع المؤمنين، وقد جاء لصالح جميع ابناء المجتمع، ويسعى لخدمة جميع المواطنين، ولا يضع طبقات ولا يصنف البشر وفق اهواء التنظيم، وبما يخدم مصالح اعضاء التنظيم، وكأن المجتمع والدولة والوطن خُلقت لصالح طائفة واحدة من ابناء المجتمع، وماعداها خدم وعبيد فنكون قد انحرفنا بالانتفاضة التي ضحى في سبيل انجازها ابناء المجتمع لصالح من يتربص بالمجتمع، ليبيع تضحياته ويسعى من اجل تمكينه في السلطة.
الربيع العربي ليس من اجل سلطة سياسية لهذا الطرف او ذاك، فهو لصالح الوطن والمجتمع بعيداً عن الاستفراد في السلطة، وعن معاداة اصحاب الراي الآخر، فما يجري في تونس ومصر يؤكد على تغييب الراي الآخر في نظر الاسلام السياسي الذي استحوذ على السلطة، يحللون ويحرمون ما طاب لهم وما يخدم مصالحهم، ويدوسون على ثوابت الوطن والامة، فمن غير المعقول ان يقوم اصحاب هذا النهج بعلاقات حميمية مع الامبريالية الامريكية حد تسليمهم السلطة، ويتعاملون مع صندوق النقد الدولي، ويتناغمون مع الكيان الصهيوني بلغة حريرية، ثم يتحدثون عن العلمانيين انهم كذا وكذا بعد ان مارسوا كل الموبقات السياسية.
الاسلام ملك الامة وليس هناك ما يمكن ان يسمى بالاخوان المسلمين ولا بالابناء المسلمين ولا بالاباء المسلمين ولا بالامهات المسلمات، ولا بحزب الله، هناك مجتمع مسلم يجب ان يسوده العدالة وقيم المحبة والخير، وان من تدول له السلطة يصبح ملك المجتمع، وليس خادماً لهذه الفئة او تلك، وما عداها ابناء الجارية الذين لا وظيفة لهم الا خدمة هذا النفر الذي اختطف الدين من اجل ان يحقق اهدافه الدنيوية.
على كل حزب برفع الشعارات الدينية ان لا يدعي بانه المؤمن وما عداه الكافر والملحد، فكثيرون يقيمون شعائر الله ويؤدون ما هو مطلوب منهم بورع وتقوى اكثر ممن ينتسب لهذه الاحزاب الدينية، كما ان العمل السياسي شيئ والدين شيئ آخر، ولا يجوز استخدام الدين لتحقيق مآرب واهداف سياسية، فالناس سواسية ولا فضل لاحد على آخر الا بالتقوى وهذه لا يعلمها الا الله.النهج الذي يتبعه الاسلام السياسي في السلطة يشكل خطراً على الامة باقصائه الآخر، والعمل على اخونة الدولة، وحرمان المجتمع من البناء والمشاركة والاعمار، فالامة في امس الحاجة ان يلتئم شملها وتتوحد كلمتها ويقوى عودها ويشتد ازرها لمواجهة اعدائها الذين يتربصون بها، سواء من الدول الاقليمية او العالمية، وفي المقدمة من هؤلاء الكيان الصهيوني الجاثم على صدرها في فلسطين المحتلة، والامبريالية التي تعمل على تفتيتها وتخلفها.