هاني الفردان
ليست هناك بلاد تختلط فيها الأوراق وتتعقد المشاكل وترتبك فيها المواقف الرسمية والدبلوماسية، مثل ما نحن عليه اليوم في البحرين.
فعلى رغم وضوح الرؤية لدى الشارع البحريني عن حقيقة ما يجري على أرض بلده من أزمة سياسية، فإن رجال السلطة ووزراءها ومسئوليها والموالين لها، عادة ما يخلطون الأوراق، فتارة تجد خلطهم مقصوداً لهدف سياسي مفهوم، وتجد «خلطتهم» مرتبكة ونتيجة صدمة، ورد فعل غير مدروس أو متزن.
مقابلة معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مع صحيفة «الكويتية» يوم الخميس (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، كان فيها خلط كثير للأوراق السياسية منها غير المقصود وغير المفهوم من رجل الدبلوماسية الأول في البحرين.
يقول وزير الخارجية: «شيعة البحرين لديهم كل الحقوق، وهم يحصلون على حقوقهم كاملة في المجتمع البحريني، ووصلوا لأعلى السلطات، فهم في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وخلال عام 2011 كانت سلطتان في البحرين يرأسهما أبناؤنا الشيعة، فكان مجلس الشورى يرأسه علي صالح الصالح، وهو بحريني، وكان إبراهيم حميدان، رحمه الله، يرأس السلطة القضائية، والحكومة برئاسة صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان حريصة على ذلك»، وهذا الكلام مقتبس بالحرف.
السلطة التشريعية بغرفتيها (الشورى والنواب) هي المجلس الوطني. الذي كان ما بين 2002 و2012 تحت رئاسة إما فيصل الموسوي أو مؤخراً علي الصالح. وعندما عُدِّل الدستور أصبح رئيس مجلس النواب رئيساً للمجلس الوطني، وقد ترأس خليفة الظهراني جلسة المجلس الوطني الطارئة في 28 يونيو/ حزيران 2013، ليمرر فقط التوصيات التي كانت تريدها السلطة لمواجهة الأزمة السياسية في البحرين بمزيد من الإجراءات الأمنية، ومباركة «تشريعية».
أما إشارة وزير الخارجية الى أن حميدان كان رئيساً للسلطة القضائية فهو تصريح خاطئ جملة وتفصيلاً. وللتصحيح، لأنه (رحمه الله) كان رئيساً للمحكمة الدستورية، أما السلطة القضائية، وبحسب دستور مملكة البحرين المادة (33) الفقرة (ح)، فهي تقول: «يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويعين القضاة بأوامر ملكية بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء».
فلا أعلم كيف وقع وزير الخارجية، في «مطب» تعيين إبراهيم حميدان «رئيساً» للسلطة القضائية، فالكل يعلم بأن حميدان كان رئيساً للمحكمة الدستورية، المعنية بنص الدستور في المادة (106) بـ «مراقبة دستورية القوانين واللوائح» فقط، فيما يوجد مجلس أعلى للقضاء معني بإدارة شئون القضاء في البحرين، وهو السلطة العليا للقضاء البحريني برئاسة الملك، أو من ينيبه عنه، كما يحدث حالياً عندما أصدر الملك أمره بإنابة رئيس محكمة التمييز سالم الكواري لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء (السلطة القضائية).
في 29 أغسطس/ آب 2010 صدر الأمر الملكي رقم (33) لعام 2010 بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء، والذي لم يضم في تشكيلته إبراهيم حميدان، كما نص الأمر في مادته الثانية على أن «يتولى رئيس محكمة التمييز رئاسة المجلس الأعلى للقضاء في حالة عدم رئاستنا له». ورئيس محكمة التمييز كان في ذلك الوقت الشيخ خليفة بن راشد بن عبدالله آل خليفة. فكيف أصبح حميدان رئيساً للسلطة القضائية؟! وبالتالي فإن حديث وزير الخارجية عن أن حميدان كان رئيساً للسلطة القضائية، حديث غير صحيح، وشابه فهم وإخفاق «دستوري».
أما بخصوص وجود علي صالح الصالح رئيساً للسلطة التشريعية، فالكل يعلم بأن الصالح لم يستطع طوال سنوات سلطته أن يجلس على كرسي رئاسة المجلس الوطني ولو لمرة واحدة، فأي سلطة يتحدث عنها الوزير.
في الجانب الآخر، عاد وزير الخارجية للحديث عن أن الأزمة في البحرين، ليست طائفية، ولا سياسية، بل إرهابية، وأكد خلال اللقاء مع «الكويتية» أن «لا أحد يستطيع أن يقول إن هناك وضعاً طائفياً في البحرين، كالموجود في دول أخرى بالمنطقة»… ماعدا طبعاً أن نحو 3000 من أبناء هذه الطائفة في السجون لأسباب لها علاقة بالوضع السياسي، والآلاف الآخرون منهم محرومون من الوحدات السكنية والخدمات والوظائف والمناصب والبعثات ومن شراء عقارات أو السكن في مناطق عديدة، وحتى أنهم ممنوعون حالياً من استئجار محل في مجمع تجاري يتم افتتاحه حالياً بالمحرق.
وبما أن الوزير عاد من جديد لهذا الحديث، فلزاماً علينا أن نعيد له ونذكره بحديثه السابق الذي سجله التاريخ يوم الأربعاء (30 مارس/ آذار 2011) وفي مقابلة نشرتها صحيفة «الحياة» معه، عندما قال قبل عامين ونصف العام: «نريد أن نؤكد للعالم أن ليست لدينا مشكلة بين حكم ومعارضة، هناك مسألة طائفية واضحة في البحرين، هناك انقسام في المجتمع». في ذلك الوقت لم يكن الوزير يتحدث عن «إرهاب»، ولا عن صراع سياسي بين حكم ومعارضة، بل عن صراع مذهبي بين شيعة وسنة!
الوزير وقع في التناقض بين ما قاله قبل عامين ونصف العام لـ «الحياة» من وجود «انقسام في المجتمع» (سني/ شيعي) وما قاله في «الكويتية» من أن «البحرين مجتمع واحد ولله الحمد».
في الكثير من الأحيان يكون خلط الأوراق منهجية سياسية خارجية مقصودة لأهداف معينة، بينما خلط الأوراق السياسية داخلياً، عادة ما يكون نتيجة إرباك يلحقه إخفاق سياسي.