المفكر البحريني علي فخرو متحدثاً في الملتقى الثقافي بالتجمع القومي
مؤكداً أن شرطها الأساسي هو «ألا تكون على حساب الحقوق والديمقراطية»…
علي فخرو: الخطوة الاتحادية بين دول الخليج يجب أن تُطرح كاستفتاء للشعوب
قدم المفكر البحريني علي محمد فخرو في ملتقى الاثنين الثقافي بجمعية التجمع القومي الديمقراطي قراءة متعمقة في موضوع الاتحاد الخليجي، متوقعاً أن نسبة تصل الى 90 في المئة من شعوب الخليج ستوافق على المشروع إذا ما طرح كاستفتاء، بيد أنه استدرك بالتأكيد أن الشرط الأساسي لهذه الخطوة الاتحادية هو ألا تكون على حساب الحقوق والديمقراطية.
واعتبر فخرو الوحدة الخليجية واحدة من القضايا المصرية، مؤكداً أنها مطلوبة، وأن الأمة لن تقف على رجلها دون وحدة أو نوع من الوحدة أو الوحدات، وإلا فإن الأمة العربية ستظل مهمشة الى أبد الآبدين، بيد أنه تساءل: «ما هو الشرط اذاً؟»، وأجاب أن هناك شرطاً أساسياً وهو أن هذه الوحدة لا يجب أن تكون على حساب حقوق الإنسان أو الحقوق الديمقراطية التي اكتسبتها اي مجموعة داخل مجلس التعاون، موضحاً بالقول: «فإذا قامت الوحدة، فليس صحيحا أن يقولوا البرلمان الكويتي ليس له محل، أو يعتبروا وجود الجمعيات السياسية في البحرين أمرا غير مقبول. الوحدة يجب ألا تمس أية مكتسبات… لا نقبل بالتراجع، لكن لا نصر على اما التقدم ديمقراطياً لما تحقق في الكويت أو في البحرين (جزئياً)، أو في عمان كحراكات من هنا وهناك، أو أن نقول ان ما حدث هنا يجب أن يحدث للجميع، فهذا كلام نظري ليس له مكان في الواقع».
إيران والعراق واليمن
وأردف قوله بتساؤل آخر: «ماذا عن المجتمع؟»، واتبعه بإجابة جوهرية وهي أن أي خطوة اتحادية يجب أن تطرح على الشعوب الخليجية كاستفتاء، وجزم بالقول: «أنا متأكد ان 90 في المئة تريد الوحدة… كل العناصر الآن للوحدة موجودة في دول مجلس التعاون… هناك لغة وثقافة واحدة، وانظمة سياسية قريبة وشعوب متصاهرة وقريبة من بعضها البعض… ليس لدينا مشكلة… لكن هناك حاجة ملحة لأن يكون هناك توازن داخل الخليج… وهي قضية حياة… فهناك (نصف الخليج) أرضاً وجغرافيا وشعباً واقتصاداً وهي الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وعلى الضفة الأخرى هناك دول الخليج العربي… فدول الخليج لن تخرج من قصة التجاذبات المستمرة منذ سنين اذا لم يكن هناك توازن بين الضفتين الايرانية والعربية… ليس كضفتين متصارعتين بل قادرتين على أن تحترما بعضهما البعض، وعندما نتحدث عن هذا، فلن تكون ندية ومتوازنة الا اذا دخلت في منظومة الاتحاد الخليجي كل من العراق واليمن… العراق اليوم وضعه معقد كثيراً والحديث عنه صعب، لكنني لا أرى أي مبرر في عدم شمول اليمن! ولا ننسى قضية ارتفاع العمالة الأجنبية في الخليج، ولا يعدل هذا التوازن الا العراق واليمن كقوى عاملة».
توطين قومي وقوى عاملة
وزاد في توضيحه بالقول ان الوحدة فرصة تاريخية ستعني وجود تريليون ونصف التريليون او ربما 2 تريليون دولار من الدخل السنوي المستحصل من انتاج البترول والغاز الطبيعي، وهذه موازنة قادرة على ان تبني تنمية حقيقية في المنطقة بأيدي ابناء المنطقة أو ابناء الأمة العربية الذين سيأتون للعمل كتوطين، وليس التوطين السياسي المقصود هنا، ولكن توطين قومي وقوى عاملة، ونحن في الخليج اذا استطعنا ان نبني اتحاداً كونفدرالياً، فإننا نستطيع ان نساهم بشكل كبير في نهوض الأمة العربية، ولسنا في حاجة لذكر المال العربي الذي يساهم في تنمية الاقتصاد الاميركي والأوروبي، فيما جمهورية مصر العربية تستجدي الصندوق الدولي للحصول على قرض 5 مليارات، في حال أن المملكة العربة السعودية، بلغ دخلها العام الماضي تريليون دولار، وفائضه بلغ 100 مليون دولار، ومصر لا تحتاج اكثر من 30 مليون دولار لاستعادة عافيتها، لهذا أقول ان الوحدة الخليجية هي لبناء التنمية والاقتصاد وبناء الأمة العربية ولإنهاء قضية عروبة الخليج كقضية كبرى، واذا تحدثنا عن وحدة، نتحدث كمجلس تعاون يضاف اليه اليمن والعراق بعد أن يتحرر من المشاكل التي يعيشها الآن».
أساس إنشاء مجلس التعاون
وتطرق فخرو الى أن الحديث عن وحدة الخليج وقال «لو طرحت في فترة الخمسينيات، لقلنا انها انظمة رجعية غير مرغوب فيها ونرفضها، لكن على الوحدويين إن ارادوا الرفض أن يطرحوا اسباباً غير هذا السبب، بل يجب أن نقول لأنفسنا ان أي وحدة بين أي قطرين يجب أن نرحب بها لأن الوحدة يجب أن تكون امراً مقدساً في حياتنا، وحين نذهب الى مجلس التعاون الخليجي الذي قام في العام 1981، سنجد أنه قام لأسباب لا تتعلق بفكرنا نحن، ولم يكن مبنياً على ايديولوجية وحدوية… نعم، النظام الاساسي ينص على تعاون وتنسيق الى آخره انتهاءً بوحدة دول مجلس التعاون… اذاً، هناك هدف لهذا التعاون، لكنه قام لأسباب أمنية بحتة تجاه مخاوف كقضية تصدير الثورة الإيرانية لهذه المنطقة، لكن ما الذي شمل مسيرة مجلس التعاون على مدى 33 عاماً؟ وما هي الخواص التي تميزت بها هذه المسيرة؟»، هنا، خاطب فخرو الحضور بالقول: «دعونا نأخذ بعض الأشياء… كان هناك تركيز كبير على الأمن والاقتصاد، وكأنه ليس هناك الا الأمن والاقتصاد… اما الأمن، وعلى مدى 33 سنة ولنأخذ درع الجزيرة الواحد وقدرته على الحركة، ففي أوائل التسعينيات كان عدد افراده 5 آلاف ثم ارتفع خلال عشر سنوات الى 10 آلاف، فمن الواضح أنه لم تكن هناك رغبة لانشاء منظومة كمنظومة حلف الناتو، بل يتحدثون عن تطوير درع الجزيرة في المستقبل. وانا شخصياً اشك في انهم سيفعلون ذلك… اولاً الخارج لا يريد جيشاً واحداً كما أن الكل يريد الجيش للداخل وليس للأعداء… هذه المسيرة البطيئة تضاف اليها اتفاقيات امنية مع اميركا وفرنسا وبريطانيا والمانيا ولا تستطيع ان تبني امناً مشتركاً بوجود هذه الاتفاقيات واهدافها مختلفة».
بطء المسيرة الاقتصادية
وبالنسبة للجانب الاقتصادي، فإن فخرو رأى في مسيرة دول الخليج الاقتصادية بطئاً على أبعد الحدود، فقد طرحوا فكرة الوحدة الجمركية في العام 1981، وبعد مرور 33 عاماً، وبحسب ما أعلن عنه أحد المسئولين، فإن الوحدة الجمركية لم تكتمل وانها ستكتمل في العام 2015، ثم طرحت فكرة السوق الخليجية المشتركة، وهذه لا يمكن أصلاً أن تنشأ الا بعد توحيد التعرفة الجمركية، حتى لو تحدثت عن سوق مشتركة، لابد من انتظار توحيد الجمارك وفيها مشاكل… وتعلمون انه منذ العام 2007 تحدثوا عن العملة الموحدة، ورأساً وفي حينها، اعترضت دولتان على ذلك المشروع، ونشأ صراع عن مكان البنك المركزي هل سيكون مقره في الإمارات ام في السعودية؟ ويعود الحديث اليوم عن توحيد العملة ونجد أنه لا عمان ولا الإمارات ولا الكويت يريدون ذلك… يعني أننا لسنا على الطريق، ثم كان هناك حديث عن التنسيق في انتاج البترول وفق ما هو مدون في النظام الاساسي، وعلى أن الوضع اليوم افضل عما كان عليه قبل 15 عاماً، ومع ذلك، اشك في ان تكون هناك معرفة بحجم الانتاج وحاجات السوق (والقرار هنا للأميركي فهو الآمر نحو زيادة الإنتاج أو تخفيضه)، وهنا أقول ان الركنين الأساسيين اللذين قام عليهما مجلس التعاون هما الأمن والاقتصاد وقد سارا ببطء شديد، اذاً السؤال: حين نكون في حاجة الى 33 سنة لتوحيد الجمارك مضافا اليها سنتين للتطبيق، فماذا عن مشروع معقد وبالغ التشابك كقيام وحدة؟».
الجانب السياسي المهمل
أما الجانب السياسي فقد اهمل اهمالاً تاماً… كيف؟ يجيب المحاضر فخرو على هذا التساؤل بالقول ان هذه الدول لم تقتنع للتنازل عن سيادتها السياسية، فمادام المجلس يمشي مع سيادتها فهذا لا بأس به، أما في حال وجود ذرة من هذا التنازل فذلك لن يكون مقبولاً! في اوروبا، بدأ التنازل عن السياسات الوطنية وتحولوا للحديث عن السياسات الخارجية، وهذا لم يتحقق على مستوى دول الخليج حتى تجاه الكيان الصهيوني، فهناك دول لها مكاتب، وأخرى موقفها بعيد عن التنازل، واخرى نزلت للتعاون، ثم الشيء السياسي الآخر، وهو الأمانة العامة، فقد كنت اعتقد بعد 33 عاماً، ستكون مثل (بروكسل) بأن تكون هناك مؤسسات فيدرالية مشتركة كالاتحاد الاوروبي، ولديها اسنان قادرة على ان تفرض وتحاكم وتتساءل، لكن لم تتمكن دول التعاون من بناء أمانة عامة قوية على الإطلاق.
واستعرض نماذج من تجاربه الشخصية موضحاً: «قلت ذات مرة، اذا انتم في النظام الأساسي تذهبون للوحدة، اليس غريباً انه ولا دولة فيها وزير مسئول عن شئون مجلس التعاون؟ وزير ووزارة… والوزير يكون في الرياض، يحضر الغالبية الساحقة من الاجتماعات… ينسق مع الوزارات الأخرى… يتابع مع الوزارات لتنفيذ ما طلب منها، بل هل هناك جدية في مجلس التعاون ام أنه فقط للقيام بالأشياء السهلة والبسيطة ثم نتحرك شيئاً فشيئاً في المستقبل؟ كل ذلك مرتبط بالاتحاد الذي يتكلمون عنه… رفعت شيئا آخر… استغرب ان هناك اجتماعات لرؤساء الدول… القمم… طيب يتخذون قرارات… الشيء الطبيعي ان الجهة التنفيذية أن يكون مجلس رؤساء الوزراء، فهؤلاء يجب ان ينفذوا القرارات وليس الاعتماد على وزارات الخارجية التي لا تستطيع ان تحرك وتضغط على وزارات اخرى، فما الذي يمنع من أن تكون هناك اداة تنفيذية من رؤساء وزارات كإرادة حقيقية لمسيرة مجلس التعاون… مطلوب وزارة ووزير مقيم… رؤساء وزراء يحركون ويجتمعون وهذا لم يحدث… الشيء الآخر أن المجتمع المدني والشعوب لم تعط أي نوع من الوزن داخل مجلس التعاون… الشيء الوحيد اليتيم هو اللجنة الاستشارية الخليجية، وهم معينون من جانب الحكومات وتعلمون أي نوع من البشر هم، حتى أن أحدهم قال اننا رفعنا الكثير من القضايا المهمة و(ولكنهم) لا يستمعون الينا».
إعادة طرح الموضوع
ومن الجوانب المهمة التي ركز عليها فخرو التساؤل بشأن وجود الإرادة السياسية الحقيقية، ومدى وجود رغبة جامحة وحماس قوي في مجلس التعاون لإنجاح المجلس كمجلس قبل الحديث عن انجازه ككتلة او نوع من الوحدة؟ ويشير الى أن الحديث عاد من جديد بعد أن برزت قصة الاتحاد مع الأردن والمغرب، ووقتها، كان الحماس منقطع النظير وكان واضحاً أن ذلك الحماس مرتبط بفوران الربيع العربي في بعض الدول العربية، وحين شعر البعض بأن الربيع بدأ يهدأ وان الموجة بعيدة، فإذا بذلك الحماس يموت ويتحول الى مساعدات. ثم بدأت بعض الحركات في داخل دول مجلس التعاون، كما حدث في البحرين والكويت وعمان، وكذلك في الامارات والمنطقة الشرقية من السعودية، وفجأة، يعود موضوع الوحدة الخليجية وكأنه يقول انه بدلاً من أن تكون اي دولة عرضة لتغيير الوضع السياسي فيها، يجب أن يعرف الجميع أن ست دول لن تسمح بأي تغيير الا الذي تريده هي في اي دول من دول مجلس التعاون؟
دول «الممانعة» الخليجية
هل هذا الطرح هو ضد الربيع العربي؟ يقول فخرو: «هل الربيع العربي هنا موجة كبيرة ولا نعرف اين تذهب ولذلك جاءت الوحدة لتقف سداً منيعاً؟ أم أن هذه الوحدة لأن ايران لها نفوذ في العراق وفي مناطق اخرى… ثم قضية الشيعة والسنة وهنا تنضوي الوحدة (ضد ايران)، وكأنه اتحاد في اساسه (سنة العرب) ضد (شيعة إيران)… تساؤلات لابد أن تطرح لنعرف الأهداف وراء ذلك، لأن فكرة الاتحاد تُطرح، لكن لا نجد أنهم يطرحون معها ايديولوجية ولاحظوا… لا يوجد ايديولوجية مرتبطة بالمشروع كالشعوب والحقوق والقضايا التنموية، الشيء الوحيد الذي يُطرح هو أننا يجب أن نتحد. وهي كلها عقبات مطلقة في الهواء، لكن من أهم تلك العقبات تاريخ المجلس، فهو تجربة لا جدية فيها، فلم نشعر طوال 33 عاماً بوجوده، ومن بين المعوقات هناك (دول الممانعة) داخل المجلس… ثلاث أو أربع دول لا يرغبون إما بالرفض المطلق وإما بعدم وضوح موقفهم من الوحدة، وتبقى دولتان تؤمنان بالوحدة ليس لارتباطها بفكر وحدوي لكن لأمور سياسية».
وفي شأن العقبة الثالثة، فهناك اناس يضعون شروطاً – ليس من الحكومات – بل من مؤسسات المجتمع المدني التي تطالب بأن يكون من ضمن شروط الوحدة أن يكون هناك (حراك ديمقراطي على الأرض)، واقول ان ذلك الأمر ليس واقعياً، فهل يمكن أن يكون هناك حراك ديمقراطي في السعودية أو الإمارات؟، وقد طرحت في احد مقالاتي أنه عبر 40 سنة، هل وضعت المؤسسات المدنية ضمن برامجها وانتخاباتها وتجاربها وكتاباتها شيئاً يتعلق بالوحدة الخليجية؟ لا يوجد… قبل سنتين… حضرت اجتماع مؤتمر التنمية في الجزيرة العربية بحضور اكثر من 200 شخص تحدثوا عن مجلس التعاون الى عام 2025، فراجعت كل الأوراق وكل ما تحدثوا عنه من الاقتصاد والمجتمع والديمقراطية ولم تذكر كلمة واحدة عن قضية الوحدة، والقسم الأعظم منهم قوميون عرب أو بعثيون أو ليبراليون وكانوا متحمسين يناضلون من أجل الديمقراطية والاقتصاد الانتاجي على مدى 15 عاماً الماضية، فالاوراق التي طرحت لم تذكر الوحدة ولم تكن هاجس المجتمعات، أما العقبة الأخرى، فهي العمالة الأجنبية، فنحن نجد نسبهم عالية في بعض البلدان وهم لا يريدون هذه الوحدة».
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3777 – الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ