متى انطلقت المقاومة العراقية ومن اطلقها ورسم استراتيجيتها واطارها السياسي والقتالي وما هويتها؟ / توضيح وتصحيح لما ورد في كلمة الشيخ الضاري
في جلسة افتتاح الملتقى العربي الدولي، الذي انعقد في قصر الأونسكو في بيروت، تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة الواقع في 15/1/2010، ألقى الشيخ الدكتور حارث الضاري كلمة من بين كلمات ثلاث كانت مخصصة للمقاومة العراقية. ونحن من منطلق التقدير لموقفه من المقاومة العراقية، وموقعه فيها، نتوجه إليه ببعض الملاحظات ذات العلاقة بجانب من كلمته.
وهل ليس ما يلفت النظر في الملتقى غير كلمة الشيخ الضاري؟
قد يتساءل البعض، هل لم يكن لديَّ ملاحظات إلاَّ على كلمة الشيخ الدكتور حارث الضاري؟
وهل لم يكن في الملتقى ما يلفت النظر، إيجاباً كان أم سلباً، إلاَّ تلك الكلمة؟
وإجابة على ذلك، لا بُدَّ من التأكيد أنني أثمِّن انعقاد الملتقى وأعتبره من المظاهر العملية الجريئة التي قام بها منظموه. وإن القاعدة اعتباره وقفة جريئة وشجاعة، أما الاستثناء فهي ما ندلي حوله من ملاحظات ليس دافعها إلاَّ الحرص على أن ينطبق المثل عليه: (إنما الأعمال بالإكمال).
أقول هذا من دون أن أغفل الخطأ الفاحش الذي وقع فيه المنظمون عندما عملوا بشكل غير مباشر لمنع الدكتور خضير المرشدي، ممثل البعث والمقاومة في العراق من إلقاء كلمة المقاومة العراقية.
وإنني وإن حصرت ملاحظاتي بكلمة الشيخ الدكتور حارث الضاري، فلأن:
– أولاً ما جاء في تحديده لانطلاقة المقاومة العراقية لم يكن بمستوى الدقة العلمية في التوثيق لظاهرة كانت من أسرع المقاومات في التاريخ البشري انطلاقة.
-ولأنني ثانياً كنت من المهتمين بالتوثيق لهذه الظاهرة منذ انطلاقتها، وممن قاموا بتحليلها منذ الأشهر الأولى للاحتلال، ومن أجل ذلك نشرت كتاباً عنها قبل أن يجف عرق الاحتلال.
-ولأنني معني كباحث حريص على تدوين التاريخ بموضوعية وعلمية، ولأنه لفتني التبسيط في كلمة الشيخ الضاري، خاصة في فقرتيه (الأولى حول تحديد انطلاقة المقاومة، والثالثة في تحديد هويتها، وسيجد القارئ النص الحرفي للفقرتين في آخر هذا المقال)، ووجدت فيهما ما لا يتناسب مع الموضوعية والدقة، ومن أجل تدوين موضوعي لتاريخ المقاومة العراقية، قمت شخصياً بتحمل مسؤولية الرد والتوضيح.
لماذا الملاحظات على كلمة الشيخ الدكتور؟
أولاً، ومنعاً لأي التباس، ولمعرفتنا بما تكنه قيادة المقاومة العراقية لشخصه الكريم من محبة وتقدير، فإننا نرد ونوضح من موقع الأرضية المشتركة الواحدة التي نقف عليها معاً، وهي أرضية شرعية المقاومة بشكل عام، وأرضية أهمية دور المقاومة العراقية الأساسي في هذه اللحظة التاريخية، والحرص عليها وانتقاد وسائل تجهليها ومحاولة حصارها والتعتيم عليها، بل ومشاركتها من زاوية الإسهام في إعلامها.
أما ثانياً، ومنعاً لأي التباس أيضاً، فإننا نضع دور مقاومة الفلوجة وأبطالها العظماء في مقدمة الذين دفعوا جحافل الشهداء في الدفاع عن العراق، وهم الذين نعتز بشهادتهم، خاصة وأن الفلوجة، كل الفلوجة، بأطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها وماجداتها أسهموا في معركة الشرف تلك. ودفعوا، ولا يزالوا يدفعون كل غالٍ في سبيل إبقاء شعلة المقاومة متَّقدة حتى تحقيق النصر وإنجاز معركة الكرامة والتحرير. وهم لن يهدأوا حتى ترسو سفن العراق في مرافئ الاستقلال والتحرير الناجز والكامل.
انطلاقاً من هاتين المسلَّمتين، ليسمح لنا شيخنا الجليل، أن نناقش معه، وهو صاحب الصدر الواسع، مقدمة كلمته التي تناولت تاريخية انطلاقة المقاومة العرقية. ولهذا من موقعي المهتم برصد هذه الانطلاقة وتوثيقها منذ اللحظات الأولى، سأشارك في إعادة تصويب ما ورد في كلمة الشيخ الضاري، مستنداً إلى الوثائق بتسلسلها التاريخي، مما كان يتسرب، على قلته، من وسائل الإعلام:
أولاً: ولكي أوفَّر من حجمها سأذكِّر بأنني قمت بجمعها وتحليلها في كتاب صدر لي في أوائل تشرين الأول من العام 2003، أي بعد خمسة أشهر من احتلال بغداد، تحت عنوان (المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة)، وقد أصبحت الوثائق أكثر غنى ووفرة في كتابي الثاني الذي صدر في حزيران من العام 2004، أي بعد سنة وثلاثة أشهر من الاحتلال، تحت عنوان (المقاومة الوطنية العراقية: الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية). لكن وثائق الكتاب الثاني لم تضف تحليلاً نوعياً بل جاءت لتؤكد التحليل الذي استند إلى وثائق الكتاب الأول الأساسية.
ثانياً: إن ما تم نشره من وثائق في الأشهر الأولى للاحتلال تشكل ركيزة أساسية في تحديد الأسباب والعوامل التي فسَّرت وثبَّتت وقائع وحقيقة الانطلاقة الأولى للمقاومة العراقية، والتي إليها سأستند في التوضيح.
استهلال قبل التوضيح
وهنا لا بُدَّ من استهلال هذا التوضيح بأن أثبت نقضاً لما كانت تروِّج له وسائل الإعلام المعادية عندما كانت تضع تفسيرات لأعمال المقاومة العراقية التي فرضت نفسها على وسائل الإعلام. بحيث كانت تلك الوسائل تعيد أسباب تلك الأعمال إلى عوامل مطلبية ومعيشية، ولهذا جاء ردي عن ذلك في مقدمة الكتاب الأول كما يلي:
(بعد أن قلبت مظاهر المقاومة الشعبية في العراق موازين المزاج الشعبي، والثقافي والسياسي، أيضاً، راحت التحليلات، بالإضافة إلى المتابعات الخبرية تتساءل: هل المقاومة العراقية ردة فعل ضد فشل أساليب قوات الاحتلال في ضبط الفلتان الأمني، وانتشار السرقة والنهب، كما غياب الخدمات العامة من مياه وكهرباء وهاتف، ونتيجة اتخاذ قرارات عشوائية لإدارة الاحتلال المدنية بحل أجهزة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والقضائية، أي كل ما له علاقة بحياة الناس ولقمة عيشهم؟ أم أنها تأتي في سياق آلية مقاومة استراتيجية للمشروع الامبريالي الصهيوني؟
تكاثرت التحليلات وتضاربت، وكثرت التنبوءات حول تحديد زمن تنتهي فيه تلك الظاهرة، فربط البعض استمرارها بإنهاء مرحلة الفوضى، وإعادة الخدمات العامة، أو بتأمين لقمة العيش لملايين العائلات التي فقدت مورد رزقها.
وربطها البعض الآخر بأنها ردَّة فعل يائسة يقوم بها المستفيدون من النظام السياسي السابق، يمكن القضاء عليها، من خلال اعتقال رئيس جمهورية العراق، صدام حسين، مروراً بتصفية القيادة السابقة، انتهاءً بالقضاء على أي تأثير لحزب البعث العربي الاشتراكي في الحياة العامة العراقية.
وهنا نشير إلى أن الذين ربطوا انطلاقة المقاومة العراقية بالعوامل المادية، خاصة أولئك الحاقدين والمتورطين بمخططات الاستعمار الجديد، تناسوا أن من أهم دوافع الذين يقاتلون الاحتلال هو الدفاع عن كرامتهم الوطنية وقرارهم المستقل في اختيار النظام السياسي الذي يريدون، وحماية ثروتهم الوطنية ضد أساليب النهب الأميركي المنظم).
قد يكون الاقتباس من المقدمة طويلاً، ولكن هذا كان ضرورياً، من أجل أن لا يُفهم من كلام الشيخ الضاري، عندما أعاد انطلاقة المقاومة العراقية، في كلمته أمام الملتقى، إلى سبب اتخاذ جيش الاحتلال الأميركي لمدرسة الفلوجة مقراً له. لأن ذلك قد يعني أنه لو لم يقع الاحتلال في هذا الخطأ لما انطلقت المقاومة في الفلوجة، التي قال الشيخ الضاري أنها اتَّسعت بعد ذلك وعمَّت معظم أرجاء العراق.
نحن لا نحسب أن الشيخ كان يقصد ذلك، ولكننا نفسِّر ما قاله بأن ما حصل في الفلوجة كان من أهم مظاهر انطلاقة المقاومة التي كانت تعج في نفوس العراقيين الشرفاء من أجل الدفاع عن كرامتهم الوطنية من أقصى جنوب العراق إلى أقصى شماله. ومن أقصى شرقه إلى أقصى غربه.
بعد هذا الاستهلال، وإذ يشرفني أن أكون من المشاركين في ورشة الإعلام المساند للمقاومة العربية عامة، والمقاومة العراقية خاصة، أرى من واجبي كباحث مهتم، وقد لفتني إغفال الدقة في تحديد انطلاقة المقاومة العربية في العراق في كلمة الشيخ الدكتور حارث الضاري، ومن أجل مساعدة المهتمين بتأريخ المقاومة العراقية في المستقبل، أن أقوم بتوضيح عدد من الأسئلة التالية:
لماذا انطلقت المقاومة العراقية، ومتى؟
لماذا انطلقت المقاومة العراقية؟
أولاً: المقاومة العراقية كانت نتاجاً تاريخياً عربياً وعراقياً، ونتاجاً إيديولوجياً لفكر حزب البعث العربي الاشتراكي.
ولن آتي بجديد في الجواب عن هذا السؤال، بل أقتطف من مقدمة كتابي الأول، ما يلي:
(كنت واثقاً من أن المقاومة العراقية ليست ظاهرة تكوَّنت في ساعة الصدمة التي ولَّدها الاحتلال الأميركي – البريطاني لأرض العراق، بل سبقته بأوقات طويلة. فالمقاومة في العراق نتاج استراتيجي، وليس نتاجاً مرحلياً. وتستند استراتيجيتها إلى أنها تمثل أحد الأسس الفكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وترسَّخت في تربية البعثيين النضالية، على امتداد عشرات السنين أسهموا فيها بدور فاعل في تاريخ المقاومة الشعبية لكل مظاهر الاستعمار: في فلسطين، ولبنان، والأردن؛ وهذا هو الآن يمارسها بكفاءة لافتة في العراق.
وتستند الاستراتيجية النضالية للحزب إلى تُراث عربي تاريخي عريق، تراكم عبر العصور؛ كما تستند إلى تجربة عراقية خاصة، وكان من أهمها ثورة العشرين التي واجه فيها الشعب العراقي الاحتلال البريطاني.
وردَّاً على المتسائلين، أو المشككين، حول أسباب ظهور المقاومة العراقية تحت صيغة أنها منظمة أو هي نتيجة ردود فعل فردية، جئنا من خلال دراستنا هذه لنكشف أن المقاومة العراقية تقوم على أساس فكر استراتيجي وليس ردة فعل تكتيكية، كما أن الإعداد لها سبق العدوان الأميركي بسنوات طويلة.
مستنداً إلى العمق الاستراتيجي للفكر المقاوم عند حزب البعث العربي الاشتراكي، تخلَّصت من مرحلية الخبر الصحفي ويوميته. ووظَّفته للبرهان على صحة تلك الاستراتيجية، وبذلك ضمنت للدراسة عن المقاومة العراقية ثباتاً استراتيجياً في الرؤية والتحليل، وحتى الخبر أسهم في إضفاء مصداقية وثبات على نتائج الدراسة، وبذلك ابتعدت الدراسة عن أن تكون مجرد وظيفة خبرية.
بعد أن ابتدأت عمليات العدوان العسكري على العراق، ومن منظار المتابعة الخبرية والخطابية، وترقباً لتحقيق أمنيات طالما غلَّبها المتابعون لمجريات حرب المواقع العسكرية، حدث ما حسبه كل المراقبين أنه من المفاجآت التي لم يكونوا يتوقعونها، وتمثَّلت المفاجأة بدخول جنود الاحتلال الأميركي إلى بغداد، في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه صموداً أكثر وقتالاً أكثر يلحق بجيوش الغزاة الخسائر الفادحة. وكان البديل من كل تلك التوقعات أن الاحتلال حصل في وقت سريع، قابله اختفاء سريع لكل مظاهر القوات العسكرية العراقية النظامية. وهذا ما أثار علامات التعجب والاستهجان، وعلامات الخيبة، عند الصادقين في محبة أمتهم العربية.
لكن بعد تواتر الأخبار عن عمليات المقاومة العراقية، هدأ روع الجماهير العربية، وتبدَّلت علامات السخط إلى مظاهر من الإعجاب والتشجيع لتلك الظاهرة.
وما كان ملفتاً للنظر هو تحول مظاهر الخيبة والتنديد، إلى مظاهر الإعجاب والتشجيع، لكن من دون أن يقوم أحد بتفسير لذلك الانتقال المفاجئ. أما نحن فكنا نملك تفسيراً لمثل تلك المتغيرات التي أحاطت بظاهرة المقاومة العراقية. ومن أجل توضيح تلك المساحات من الرؤية الغائبة عن أنظار الكثيرين ووعيهم، جاءت هذه الدراسة كمحاولة هدفها ملء تلك المساحات. وتمثَّلت مهمة البحث بتسليط الأضواء على ما كان خافياً، أو ما هو غائب بالفعل عن مدى الرؤية عند معظم المراقبين، الذين سخطوا ثم أُعجبوا.
إن المساحة الغائبة عن رؤية الصراع الأميركي – العراقي، هي من مهماتنا التي سنعمل على الكشف عنها. ويقوم أسلوب الكشف، مستفيداً من الخبر الصحفي والخطاب التعبوي، على مراجعة فكرية استراتيجية يستند إليها النظام السياسي الذي كان قائماً في العراق قبل الاحتلال. وهنا نرى أن مظاهر التصادم العسكري ووقائعه، الذي دار على الساحة العراقية، بشكل حرب المواقع النظامية، غيَّبت كل أشكال الصراع الأخرى التي تدعو إليها استراتيجية حزب البعث العربي الاشتراكي.
وجدنا أن تلك الأشكال هي ذات مضامين فكرية استراتيجية نظرية، ومظاهر نضالية عملية تمظهرت في تاريخ الحزب منذ الإعلان عن تأسيسه في العام 1947م).
ثانياً: كانت المقاومة العراقية تنفيذاً لمشروع عملي أعدَّه النظام الوطني في العراق بقيادة صدام حسين:
من خلال بحثنا في الوثائق والمعلومات التي بدأت تتسرب في مراحل الانطلاقة الأولى، خاصة من خلال بيانات قيادة قطر العراق، ورسائل الرئيس صدام حسين، إضافة إلى قيادة المقاومة والتحرير، والتي ابتدأت تنتشر منذ تاريخ 22/4/2004، أي بعد احتلال بغداد باثنتي عشر يوماً، وهي الوثائق التي أخذت توضح ما بدا للجميع غامضاً. وكرَّت السبحة فيما بعد بشكل أكثر وتنتشر أخبارها. إلى أن أصبحت الصورة للمتابع الجدي واضحة تماماً، خاصة بعد أن أعلنت قيادة الحزب في العراق (المنهاج السياسي الاستراتيجي) في التاسع من أيلول من العام 2003. وفي حينها كنت من الذين توضحت الصورة أمامهم وأصبحت جلية، السبب الذي دفعني إلى إصدار كتابي الأول (المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة) في أوائل شهر تشرين الأول من العام 2003، وقد اعتبره البعض مغامرة مستندين إلى أن الصورة في العراق لم تصبح واضحة بما يكفي لإصدار حكم موضوعي. وحيث إنني كنت مطمئناً إلى صحة الوثائق المعلنة أولاً وإلى الوقائع على الأرض ثانياً وإلى ما أخذت تسربه وسائل الإعلام الأجنبية وتشير به إلى شعور القيادة الأميركية بمأزق مواجهة مقاومة عراقية ثالثاً، قرَّرت أن عملي ليس مغامرة على الإطلاق بل هو عمل علمي مدقَّق وموثَّق، وهي تشكل حصانة له من النظر إلى الواقع بعيون بعثية إيديولوجية. وليس أدلَّ على موضوعية النتائج التي توصلت إليها من واقع الاحتلال وواقع المقاومة العراقية الآن، وفي هذه اللحظة بالذات.
وهنا سأقدم عدداً من الاستدلالات الموثَّقة التي تؤكد أن البعث، بقيادة صدام حسين، قد أعدَّ للمقاومة الشعبية كاستراتيجية في مواجهة أي احتلال محتمل، خاصة بعد أن تأكدت نوايا الإدارة الأميركية بالقيام بمثل هذا الاحتلال:
1- حول محاولة بعض القوى دخول ميدان المنافسة بتضخيم أحجامها على حساب حجم حزب البعث في المقاومة: جاء في مقدمة الكتاب الثاني، ما يلي: (توقفنا في بحثنا حول إشكالية افتعلتها بعض الأوساط، والتي يجمعها مسألة تجهيل هوية المقاومة العراقية، بعضها لأسباب ذات علاقة بالمشروع الأميركي، ومنها ذات علاقة بأغراض إيديولوجية. ومنعاً للدخول في متاهات الفئوية، وبناءً على رغبة شديدة قرأناها في بيانات قيادة قطر العراق لحزب البعث، بدعوة كل الفصائل المقاومة إلى الابتعاد عن التلهي بمنافسات إعلامية فئوية، ولكي نكون موضوعيين في تحديد هوية المقاومة العراقية، قمنا بقراءة لكل الوثائق الأكثر تداولاً في الإعلام الوطني، فوجدنا أن أية فئة تحاول أن تعطي لنفسها دوراً في المقاومة المسلحة، فوق سقف ما أعدته قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق –بتوجيه وتخطيط صدام حسين الأمين العام للحزب ورئيس جمهورية العراق- عارٍ عن الصحة والمصداقية والموضوعية).
2- تأكيد قيادة قطر العراق حقيقة إعداد الحزب للمقاومة قبل الاحتلال بسنوات كثيرة:
وجاء في الفصل الرابع من الكتاب المذكور: (أكَّدت قيادة قطر العراق أن الإعداد للمقاومة الشعبية قد ابتدأ بعد العام 1991م، وهي تشمل الرجال والسلاح، وجاء في بيانها، (المؤرَّخ في 24 تموز من العام 2003)، أن » المقاومة قامت ومنذ طي الصفحة العسكرية التقليدية في المنازلة الحالية على ما هيأت له قيادة الحزب والثورة وفقاً لما ارتأت ودبرت منذ مدة طويلة بتأمين السلاح والعتاد والتدريب على أوسع مدى شعبي وفقاً لمنظومات اقتضتها طبيعة المراحل المشخصة في المنازلة الكبرى منذ أم المعارك الخالدة«([1])).
3- تأكيد أميركيين لإعداد حزب البعث المسبق للمقاومة:
وفي الفصل الرابع المذكور ننقل النص التالي: (وقد جاء ما يؤكد هذه الحقيقة على لسان أميركيين: لقد كشف أميركي كان يشارك في أعمال التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، في أواسط التسعينيات، عن وثيقة يُستَدلُّ منها أن نظام حزب البعث في العراق كان يعد لحرب العصابات في الحالة التي يتعرَّض فيه العراق لاحتلال([2]). وهذا يدل على جملة من الأمور، منها: إن الإدارة الأميركية لم تول أي اهتمام لمثل ذلك الاحتمال، ويدل على أن تخبطها في معرفة طبيعة المقاومة وتكوينها ومن يقف وراءها وما هو مدى استمرارها ليست إلاَّ تجاهلاً لحقيقة تعرفها، وتصطنع التجاهل لغاية التخفيف من المخاوف فيما لو تبيَّن أنها كانت تعرف النتائج وأقدمت على مغامرتها([3])).
4- كان تجهيل دور حزب البعث في المقاومة مأرباً لقوات الاحتلال:
ومن الفصل الرابع ننقل النص التالي:
وفي ردٍّ إجمالي حول تجهيل هوية المقاومة الوطنية العراقية، صوَّرت وسائل الإعلام التابعة لقوات الاحتلال أن الذين يقاومون هم من القاعدة أو من فلول النظام السابق، باعتبار أن المواطن العراقي العادي -كما تقول تلك الوسائل- لا يمكن أن يقاوم. وإن أفضل جواب عليها هو ما قاله صحافي بريطاني، ساخراً: »كان علينا أن نصدق هذا. لأنه إن كان العراقيون ينضمون للمقاومة، إذن كيف سنقول إنهم لم يحبوا محرريهم؟«([4]).
– ومن مصادر عراقية ما يؤكد هذا الأمر: (ومن الفصل الرابع ننقل النص التالي):
أ- إن المتتبع لعمليات المقاومة العراقية يدرك أن الذين يقفون وراءها وينفذونها هم أشخاص مدربون جيداً، ومرتبطون مع بعضهم البعض بنوع من العلاقات الخفية، الأمر الذي يؤكد أن المقاومة منظمة، ولها قيادة ميدانية مركزية، وأن رجالها هم من خيرة رجال القوات المسلحة، وأنها تحمل سقفاً سياسياً متطوراً مما يؤكد -من خلال بياناتها- أن قيادتها السياسية هي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي([5]).
ب- يؤكد بعض قادة المقاومة بأنها تمثِّل الشعب العراقي وتعبر عن ضميره، وأن الأعداء وحدهم هم الذين يسعون إلى خلق مسميات قد يكون بعضها وهمياً. وربما يكون الهدف طمس هوية العاملين فيها والمخططين لها، لأغراض عدوانية، أو لخلفيات إيديولوجية تعصبية. »المقاومة عراقية 100% تضم تيارات مختلفة ومهناً متعددة، فحزب الحركة الإسلامية هنا، والبعث هنا، والناصريون هنا، والجيش والحرس والأمن والأطباء والمهندسون والمدرسون، وحتى الفنانون والرياضيون والطلاب والفلاحون معنا في المقاومة، ناهيك عن شريحة واسعة من أبناء الشعب العراقي سنة وشيعة أكراداً وعرباً«([6]).
ج- على الرغم من كل شيء، تؤكد الوقائع أن البعثيين هم الذين أعدّوا لها وبدأوها، واستمرت وتصاعدت بجهود (مجاميع البعث، وعناصر الجيش والحرس الجمهوري وفدائيي صدام وجيش القدس وعناصر الأجهزة الأمنية)، وكل هذه المجموعات تملك رؤية مشتركة وموقفاً سياسياً واضحاً يعبر عنه حزب البعث. وإذا كانت تلك هي الحقيقة، فمن الإنصاف أن نقول إن البعثيين لم يذهبوا إلى الاستئثار بها، أو الادعاء بعدم وجود تيارات أخرى فيها. فهناك القوميون والوطنيون والإسلاميون والمتطوعون العرب الذين يشاركون بفعالية في صفوفها، وإن الذي يقودها ويديرها هو حزب البعث، ويعرف ذلك الأعداء([7]) والأصدقاء([8]).
د- انطلقت المقاومة، في الأساس، من تيارين سياسييّن: تيار حزب البعث وتيار الدولة… ومع أولى الإشارات، عن معارك وضربات ضد قوات الاحتلال، حدث تغيرّ …في تركيبة المقاومة، إذ التحقت بها جماعات قومية مستقلة ويساريون وناصريون والآلاف من الشباب المستقلين، الذين لم يُعرف عنهم أي نشاط سياسي من قبل([9]).
متى انطلقت المقاومة العراقية؟
انطلقت المقاومة العراقية الشعبية، وهي الصفحة الثانية للعمل النظامي العسكري، في 10/نيسان/2003، وقد استندنا في تحديد انطلاقتها إلى بيانات (قيادة المقاومة والتحرير)، ورسائل الرئيس صدام حسين:
1- بيانات قيادة المقاومة والتحرير:
كان أول بيان تناولته وسائل الإعلام قد صدر عن قيادة المقاومة والتحرير، وفيه:
-»قيادة المقاومة والتحرير« العراقية تعلن مواصلة القتال، وتبشِّر في أول بيان لها بوجود الرئيس صدام حسين حياً، وأعلنت أنه سيوجه رسالة لأبناء العراق والأمة.
وهذه بعض مضامين ما جاء في بياناتها: (هذا مع العلم أنه يمكن القارئ أن يتابع نصوص هذه البيانات وغيرها في كتابنا الأول المنشور في أوائل تشرين الأول 2003).
لندن (القدس العربي): 22/4/2003: جاء في البيان: منذ يوم 10/4/2003 ورجال ونساء المقاومة والتحرير يخوضون عمليات قتالية ما بين الهجوم الخاطف والعمليات الاستشهادية، ولصعوبة إصدار بيانات في وقتها بسبب إعادة ترتيب بعض الأولويات الجهادية، فقد مرت الأيام ونحن نخوض حرباً لتحرير العراق العظيم من قوات هولاكو العصر المجرم بوش والمجرم بلير والصهاينة الخاسئين. (وعدد البيان بعض العمليات التي نفَّذها المقاومون في تلك الفترة).
ودعا البيان العراقيين إلى التصدي (كل من موقعه لهذا العدوان الهمجي الذي قتل وسرق وسلب ونهب الناس والآثار والخيرات وان المجاهدين الذين يخوضون عمليات قتالية صعبة وبإمكانيات ذاتية بحاجة لموقف واحد منكم جميعاً ضد هذا الغزو الهمجي). كما كشف عمل أجهزة مخابرات عربية وإيرانية ضد المقاومة والمقاومين.
وفي بيان آخر، بتاريخ 25/4/2003م: (نقلاً عن جريدة القدس العربي)، كشفت فيه عن عمليات أخرى، وتضمن البيان تحذيراً من مغبة تسليم أي معلومات عن الوطنيين المناضلين، مهما كان اتجاههم السياسي، للقوات الغازية المجرمة. ودعا للوحدة الوطنية تحت شعار مقاومة الغزاة القتلة).
وزفَّ البيان بشرى وجود الرئيس صدام حسين حياً، وأنه سيوجه خلال 72 ساعة رسالة لأبناء العراق والأمة.
ووزعت قيادة المقاومة والتحرير بياناً في أواخر شهر أيار/مايو 2003م: قالت فيه إن «فيتنام جديدة، بل ما هو أقسى من فيتنام بدأ في العراق». وتوعَّد البيان بأن تستمر عمليات المقاومة حتى تحرير العراق الواحد كله وإقامة دولة القانون والعدل والديمقراطية لعراق مسلم وعربي. وفي وقت سابق توعَّد بيان آخر صادر عن المقاومة العراقية نقلته ميدل ايست أونلاين إن »القيادة العامة للمقاومة العراقية ستمنع قوات الاحتلال من الاستفادة من النفط العراقي ولو كلف ذلك إحراق القوات الغازية بهذا النفط«.
ونقل البيان دعوة من أسماه نائب القائد العام للقوات المسلحة والمقاومة والتحرير حث فيه العراقيين على» تكوين جماعات لشن حرب عصابات ترهق العدو وتكلفه خسائر بشرية ومادية كبيرة«. ودعا إلى تسليم قيادة المجموعات إلى أعلى رتبة عسكرية في منطقة تواجدهم، وضرورة مراعاة الحذر والأمن العسكري أثناء تنفيذ العمليات.
وفي 18/6/2003م رحبت "القيادة العامة للقوات المسلحة والمقاومة والتحرير بظهور منظمات مقاومة جديدة، في إشارة إلى سرايا الخليل وسرايا المقاومة العراقية.
2- رسائل الرئيس صدام حسين، المكتوبة والصوتية:
(يمكن القارئ مراجعة نصوص رسائل الرئيس صدام حسين في كتابنا الأول). ولكننا هنا سننتخب من بعض رسائله ما يؤكد انخراط الحزب منذ اللحظة الأولى في ميدان المقاومة، بقيادة الرئيس بنفسه. ومن أهم ما جاء في بعض رسائله:
أ- وجَّه الرئيس رسالته الأولى، بتاريخ 28/4/2003، وهي التي بشَّر بها بيان قيادة المقاومة والتحرير الأول، وفيها خاطب العراقيين قائلاً: انتفضوا ضد المحتل، ولا تثقوا بمن يتحدث عن السنة والشيعة فالقضية الوحيدة التي يعيشها الوطن عراقكم العظيم الآن هي الاحتلال. وليس هناك أولويات غير طرد المحتل الكافر المجرم القاتل الجبان، الذي لم تمتد يد أي شريف لمصافحته، بل يد الخونة والعملاء.
انسوا كل شيء، وقاوموا الاحتلال، فالخطيئة تبدأ عندما تكون هناك أولويات غير المحتل وطرده، وتذكروا أنهم يطمحون لإدخال المتصارعين من أجل أن يبقي عراقكم ضعيفاً ينهبوه كيفما شاؤوا.
ويكفي فخراً حزبكم حزب البعث العربي الاشتراكي، أنه لم يمد يديه للعدو الصهيوني، ولم يتنازل لمعتد جبان أمريكي أو بريطاني. ومن وقف ضد العراق وتآمر عليه لن ينعم على يد أميركا بالسلام.
ب- رسالة الرئيس صدام حسين في 7/5/2003.
وفيها طلب من الشعب العراقي دعم المقاومة، قائلاً: »لقد بدأ جهاد إخوانكم ليلحقوا كل يوم خسائر متلاحقة بالعدو المجرم الأمريكي والبريطاني، فكونوا معهم، لأن الله معهم«.
ودعا إلى مقاومة الاحتلال، بكتلة وطنية واحدة، مذهبها وقوميتها طرد المحتل: »وحدهم من يقاومون الاحتلال هم من يفكرون بعراق واحد، أما من يمد يده للغزاة فهو لا يفكر بعراق واحد. اتحدوا وتراحموا وتعاونوا… وتذكروا أنكم، عرباً وأكراداً وتركماناً وباقي المواطنين، إخوة في الدين والوطن. وإنكم سنة وشيعة مسلمون وإخوة في الوطن«.
ودعا إلى مقاومة عملاء المحتل: »حافظوا جميعاً على الوطن واسعوا جميعا للمقاومة، وإياكم ثم إياكم ثم إياكم أن تمكنوهم من نفطكم وثرواتكم، قاوموا، قاوموا، قاوموا، وقاطعوا المحتل وأعوانه، هذا واجب ديني ووطني«. ووصف من سمَّت نفسها معارضة، قائلاً: »تصوروا أن من يطلقون على أنفسهم معارضة عراقية جاءوا يقدمون الدعم لمحتل ليسرقهم ويحتل بلدهم …، ويعترف بالعدو الصهيوني. كلهم سواء كانوا قد لبسوا العمامة أو القبعة الأمريكية لا فرق بينهم طالما سببوا لشعبهم هذا الألم والاحتلال«.
وعلى الرغم من الجراح التي تركتها معظم الأنظمة الرسمية العربية، وبعض الأنظمة الإسلامية، في الجسد العراقي، دعا العراقيين إلى القتال إلى جانب شعوب تلك الدول ضد كل الغزاة: »وإن رأيتم العدو يريد النيل من سورية أو الأردن أو السعودية أو إيران، فساعدوا في مقاومته، فهم ورغم الأنظمة إخوتكم في الدين أو العروبة. وساعدوا الكويت وبقية دول الخليج العربي ومصر والأردن وتركيا ليتخلصوا من العدو الأمريكي«.
ج- وفي رسالة الرئيس صدام حسين، بتاريخ 9/5/2003م، كشف عن أنه كان يودِّع كوكبة من أبطال المقاومة، وأعلن أنه لن يرضى بأقل من الشهادة في سبيل تحرير العراق، قائلاً: »لقد عاهدت الله أن أموت شهيداً ولا أسلم للعدو الأمريكي والبريطاني الجبان والقاتل. ودعا الشعب العربي، إلى مساندة المقاومة العراقية كل حسب مقدرته واستطاعته ودرجة إيمانه. وناشد كل عربي، في أي موقع كان، إلى القيام بواجبه القومي، قائلاً: »أنت مطالب أخي العربي مثقفاً كنت أو أديباً أو صحافياً أو مصوراً أو رساماً بفضح المحتل الجبان وجرائمه. ولا تسمحوا لمن يؤيد المحتل أو يبرره أن يكون بينكم. وارفضوا يا من الرياضة مجالكم المحتل وقاطعوه وقاطعوا فرقه وكل من يؤيده«.
د- وفي رسالته بتاريخ 12/6/2003، كشف عن هوية المقاتلين، وحددهم بـ(أبناء الشعب من رجال الجيش والحرس الجمهوري وكتائب الفاروق ومجموعة التحرير وأعضاء حزب البعث ومجاميع الحسين) هم الذين يخوضون قتالاً حقيقياً في سفر المنازلة الكبرى لطرد القوات الغازية الكافرة من العراق.
ووعد بأنه (لن ندع المحتل ينعم بخيراتنا ونفطنا). وأنذر دول العالم بسحب رعاياهم من العراق. وأنذر (بوش وبلير والحكومات التي أرسلت قوات) بالندم على ما فعلوا.
هـ- وفي رسالته، بتاريخ 14 حزيران 2003م، خاطب العراقيين قائلاً: لقد قلت لكم قبل المنازلة الأخيرة وأثناءها باسمي وباسم القيادة بأننا لن نخذلكم بعون الله. ولن نجعل الله يغضب علينا أو لا يرضى عنا تمام الرضا لو انصعنا ورضخنا للتهديدات الأميركية الصهيونية وقبلنا بأن يفرضوا على العراق ما يشاءون ويحتلوه من غير قتال فيذلون إرادته المؤمنة وحق شعبه في أن يعيش حراً،… مقابل أن نحتفظ بكراسي في الحكم تحت سيطرتهم.
وتابع: ضحينا بالحكم ولم نحنث بعهد الله ولم نطعن الشعب والأمة وكل الخيرين في الظهر, لا بالاستسلام ولا بالتخاذل.
وزفَّ البشرى (في رسالته، بتاريخ 14 حزيران 2003م) قائلاً: أبشركم أيها الأخوة والأبناء الماجدات والنشامى, بأن خلايا المقاومة والجهاد تشكلت على نطاق واسع فعلاً من المجاهدين والمجاهدات، وباشرت أعمالها المشرفة في منازلة العدو والعدوان. ولا بد أنكم تسمعون عنها وإن كان ما تسمعونه عنها، وبخاصة ما تلحقه من خسائر في صفوف الغزاة الكافرين، هو يسير نسبة لحقيقته الفعلية إذ لا يمر يوم من الأيام في الأسابيع الأخيرة إلا ويسيل دم الكافرين على أرضنا الطاهرة بفعل جهاد المجاهدين, وإن ما سيأتي في الأيام القادمة سيكون بإذن الله وبعونه وقدرته عسيراً على الغزاة الكفرة.
3- بيانات قيادة قطر العراق
ومن أهمها نشير إلى البيان الصادر بتاريخ 11/7/2003 لندن : قال الحزب في بيان تلقت القدس العربي نسخة منه: تتعاظم المقاومة الباسلة التي يقودها ويديرها حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي المحتل، وتفرز عمليات نوعية ذات تطبيقات عسكرية قتالية محترفة بالتعرض لمقار وأرتال وأفراد قوات الاحتلال، أو تداخلات فنية وإجهاضية لمنع إدارة الاحتلال من تنفيذ وتعزيز مخططاتها وإجراءاتها الاحتلالية في السياقات الأمنية والإدارية والاقتصادية وغيرها…
وكما حذرنا متوعدين عبر بياناتنا الصادرة عن جهاز الإعلام السياسي والنشر، فان الوقائع والأحداث تؤشر على قدرة تنفيذ مناضلي ومجاهدي المقاومة البواسل للعمليات المولجة بها، وتصاعد وتعميم المقاومة على امتداد العراق الأغر.
وهذا من البعث، تجديداً بالوعد وتأكيداً، بالعزم النضالي، على استمرار وتعاظم المقاومة حتى طرد المحتل وتحرير العراق، وهو في الوقت نفسه خلقاً وحافزاً لبيئة المقاومة المسلحة الوطنية العراقية العريضة.
كما نشير إلى (المنهاج السياسي والاستراتيجي للمقاومة الوطنية العراقية) وهو الوثيقة السياسية التي حددت الخط الاستراتيجي للمقاومة العراقية، والذي صدر بتاريخ 9/9/2003، ونشرته جريدة المجد الأردنية: السنة العاشرة، العدد 432 تاريخ 15/9/2003.
ويكفي أن نشير إلى أنه لا يزال يشكل الوثيقة الأساسية التي لم ينزل عمل المقاومة ونضالها إلى ما دون السقف الذي رسمته لنفسها. كما لن تسمح لأحد أن يتصرف دون سقفه.
خاتمة
لم تكن المقاومة العراقية عفوية على الإطلاق، بل دلَّت الوقائع على أنه كان مُعدَّاً لها بسنوات، والدليل على ذلك:
-انخراط الرئيس صدام حسين فيها شخصياً. وقد أشار إلى ذلك برسالته الثالثة في 9 أيار من العام 2009. هذا عدا عن بيان قيادة قطر العراق، الذي نُشر في 24/7/2003، الذي كشف عن هذا الأمر.
-انتشار المقاومة في كل أرجاء العراق، الذي كشفته بيانات قيادة المقاومة والتحرير في بيانها الأول في 22/4/2003، وكذلك بياناتها اللاحقة، كان مظهراً من مظاهر التنسيق بين الرأس القيادي والمجموعات والفصائل التي تم إعدادها قبل العدوان على العراق واحتلاله. (ومن أجل ذلك نرجو من القارئ متابعة مضامين هذه البيانات المنشورة في كتابينا الأول والثاني).
-بعض التقارير الأجنبية ومن أهمها تقرير سكوت ريتر، الضابط الأميركي الذي كان عضواً في لجنة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق.
-بعض شهادات من عراقيين محايدين.
ولأن المقاومة لم تكن عفوية، بل كانت منظمة تنظيماً دقيقاً، أقله في مجموعاتها الأساسية، يدل تنظيمها على أنه من غير الممكن على أية قوة أو حزب أو تنظيم أن يقوم به من دون معرفة النظام الوطني الذي كان يقوده حزب البعث بأمانة الرئيس صدام حسين.
وكان من أهم الدلائل التي ساعدتنا على تحديد موضوعي للهوية الأساسية للمقاومة، هو صدور البيانات الأولى عن مصادر بعثية (قيادة المقاومة والتحرير، رسائل الرئيس صدام حسين، بيانات قيادة قطر العراق التي كان من أهمها بيان 24/7/2003، والمنهج السياسي الاستراتيجي في 9/9/2003).
إن إثبات هذه الحقائق بالوثائق والوقائع بنسبة هوية المقاومة إلى حزب البعث لا تعني أن الحزب وأمينه العام كانا بعيدين عن خطة تأسيس جبهة للمقاومة تضم إليها كل الفصائل والقوى والأحزاب، وإنما كان بناء تلك الجبهة أحد الأسس الاستراتيجية التي يعملان على إنجازها. (لتوضيح هذا الجانب بشكل تفصيلي منذ انطلاقة المقاومة، نرجو من القارئ الكريم مراجعنا كتابينا المذكورين، وفيهما سيجد كل الوثائق والوقائع التي استندنا إليها للوصول إلى أحكامنا).
وأخيراً، ولأننا لا نريد تفصيل جلد الطريدة قبل اكتمال صيدها، ولأننا نريد أن نسهم في التأسيس لكتابة تاريخ المقاومة العراقية بشكل موضوعي بعيد عن العصبية والهوى، جئنا بهذه التوضيحات في معرض ردنا على ما جاء في كلمة الشيخ الدكتور حارث الضاري، والذي نؤكد فيه ما قلناه في البداية من أننا نقف معه على أرضية واحدة في كل ما له علاقة بالحرص على أهم المقاومات في التأريخ من حيث النتائج البالغة الإيجابية على العراق والأمة العربية والعالم بأكمله.
وأخيراً نؤكد أن المقاومة العراقية، بقيادة حزب البعث، قد منعت إطاحة إدارة جورج بوش برؤوس كثيرة، في الوطن العربي والإقليم المجاور له، وفي شتى أصقاع الأرض أيضاً.
***
بعض ما جاء في نص كلمة الشيخ الدكتور حارث الضاري
أولا: بداية المقاومة وتطورها
بدأت المقاومة العراقية بمواجهة عربات وأرتال جنود الاحتلال في الأسبوع الأول من احتلال بغداد، وبالتحديد في كثير من المدن والقرى والأرياف العراقية، وبشكل فردي في الغالب لم يعلن عنه ولم تتناوله وسائل الإعلام في حينها، وكان أول ظهور بارز وكبير في أواخر نيسان من عام 2003؛ حينما استولت قوات الاحتلال على إحدى المدارس في مدينة الفلوجة، وتجاوزت على المواطنين القاطنين بجوارها؛ فخرجت مظاهرة كبيرة من أهالي الفلوجة تندد بالاحتلال، فتصدت لها قوات الاحتلال بكل وحشية وإجرام، وقتلت 17 شخصا وجرحت ما يزيد على سبعين.. بينهم عدد كبير من طلبة المدرسة نفسها؛ بعد اشتباك بين الطرفين، فألهبت هذه الحادثة مشاعر الغضب ضد الاحتلال الأجنبي للعراق، وحفزت الكثيرين لمقاومته، وكانت حادثة مهمة لظهور نشاط المقاومة وتصاعده، حيث بدأ الإعلام منذ ذلك اليوم يتابع نشاطها، الذي ازداد مع الأيام بزيادة المنضمين إليها، وبدأت تتشكل المجموعات الجهادية ومن ثم الفصائل الأولى منها التي كانت لها ادوار بارزة في الإيقاع بقوات الاحتلال الغاشمة، مما دفعها إلى الإيغال في البطش والإيذاء، بكل ما تملك من وسائل الفتك والدمار الحديثة البرية منها والجوية.
على الرغم من ذلك كله لم تستطع القوات الغازية من أن تخفف من وقع المقاومة عليها حيث أخذت تزداد ضرباتها وتتسع دائرة عملياتها يوما بعد آخر حتى نهاية العام الأول للاحتلال الذي شهد قيام قوات الاحتلال في أوائل الشهر الرابع (نيسان) من عام 2004 بعدوان ظالم على مدينة الفلوجة حشدت فيه نحو فرقة من قواتها البرية مدعومة بالدبابات والمدفعية والطائرات لاجتياح المدينة ولكنها على مدى ما يقرب من أسبوع لم تستطع تحقيق ذلك، بل قطعت طرق إمداداتها خارج الفلوجة من أهالي المناطق المحيطة بالفلوجة ومقاومتها، واشترك في هذا الجهد الجهادي الجميع: الكبار والصغار الرجال والنساء.. فجعلوا آليات العدو المختلفة أجزاء ممزقة على طرق المواصلات المؤدية إلى الفلوجة، مما اضطر قيادة قوات الاحتلال إلى التفاوض مع أهالي المدينة ومقاومتها. وقد انتهت المفاوضات إلى وقف إطلاق النار، ثم الانسحاب فيما بعد. وقد خسرت قوات الاحتلال في هذا العدوان ما يزيد على (1000) من ضباطها وجنودها بين قتيل وجريح وعشرات الآليات العسكرية والشاحنات ونحو عشرين طائرة عسكرية ما بين مروحية ومقاتلة.
وكان هذا العدوان الفاشل، نقطة تحول في مسار الحرب، بالنسبة لقوات الاحتلال وللمقاومة على حد سواء، أما قوات الاحتلال، فقد غيرت بعض خططها وتكتيكاتها العسكرية وأعادت النظر في مجمل إستراتيجيتها في العراق والمنطقة، التي تنوي توسيعها حتى تتجاوز العراق بعد استكمال احتلاله إلى بعض الدول المجاورة كما صرحت بذلك مصادر الاحتلال نفسها؛ وأما المقاومة فارتفعت معنوياتها إلى أعلى معدلاتها وازداد التأييد والدعم الشعبي لها، واتسعت مساحة عملياتها أكثر من ذي قبل، فشملت محافظات بغداد والأنبار وديالى والنجف وبابل وصلاح الدين والموصل وكركوك ومناطق أخرى في العراق.
وقد استمرت العمليات النوعية للمقاومة وازدادت ضرباتها الموجعة مع الأيام حتى انهارت معنويات قوات الاحتلال، واخذ قادته يستنجدون بحلفائهم وأصدقائهم في الخارج وفي المنطقة للخروج من ورطتهم في العراق، ولا أدل على ذلك من قول أحد قادة الاحتلال: ((كنا في عام 2006 على وشك الهزيمة أو الانسحاب)). وقول رئيسهم السابق مؤجج الحروب العدوانية بوش الابن في بداية عام 2007: ((كنا في سنة 2006 نروج لمزاعم النصر خشية أن تستولي روح الهزيمة على أبناء شعبنا)).
ثالثا: هوية المقاومة
هوية المقاومة العراقية: هي عراقية المنشأ والأهداف، وهي لكل العراقيين فهي ليست لفئة من العراقيين دون فئة، أو لطائفة دون أخرى كما يردد بعض ممن في قلوبهم مرض أو يتوهم ممن لا يعلم عن حالها الكثير؛ لأنها تعمل من