هذا الخبر مر مرور الكرام من دون ان يتوقف عنده أحد.
نعني ما تم إعلانه منذ نحو اسبوع من ان الإدارة الأمريكية اصدرت موافقتها على القيام بقتل رجل الدين اليمني انور العولقي.
نعرف ان الادارة الامريكية تتهم العولقي بأن له علاقة بتنظيم القاعدة وبعمليات التنظيم. لكن ماذا يعني بالضبط ان تصدر الادارة الامريكية هذه الموافقة على قتله؟
يعني ان الادارة الامريكية تعتبر ان ما تراه وما تقوله هي، هو بمثابة حكم نهائي لا يقبل النقاش ولا المراجعة من أي احد في العالم. فنحن لا نعرف عن علاقات مزعومة للعولقي بالقاعدة وتورطه في عملياتها الا ما تقوله الادارة الامريكية. وبداهة، قد يكون ما تقوله صحيحا وقد لا يكون.
وحتى لو ان الإدارة الأمريكية متأكدة تماما من صحة ما تقوله، فالمنطق القانوني والسياسي والأخلاقي البسيط يقول ان المتهم لا يمكن ان يدان ويصدر حكم بإدانته بناء فقط على ادعاء الخصم.
لكن الإدارة الأمريكية تنصب نفسها خصما وحكما وقاضيا في نفس الوقت، واصدرت حكمها على العولقي بالفعل. واي حكم؟.. حكم الاعدام.
والإدارة الأمريكية اصدرت موافقتها على تنفيذ هذا الحكم على ارض بلد مستقل.
باختصار، كما نرى هذا الذي فعلته الادارة الامريكية استهانة فظة بكل قواعد القانون الدولي، وبأبسط حقوق الإنسان، وسيادة الدول.
وهذه الخطوة التي اقدمت عليها ادارة اوباما ليست بالغريبة ولا بالتطور الجديد. هي تندرج في اطار ما اسماه بعض الكتاب الأمريكيين بـ"عقيدة اوباما" الجديدة. في التعامل مع من تعتبرهم ارهابيين يهددون امريكا وأمنها. وهذه العقيدة تقوم على ان ادارة اوباما لا تريد هؤلاء معتقلين او يقدمون الى محاكمات عادلة.. تريدهم قتلى.
هذه العقيدة الجدية لإدارة اوباما بدأ تنفيذها وعلى نطاق واسع منذ الاسابيع الاولى لتوليه السلطة. وفي اطارها، تم اعتماد شن الهجمات القاتلة بالطائرات بدون طيار كإحدى الوسائل الاساسية لتنفيذها. ولم يقتصر شن هذه الهجمات على مناطق الاحتلال الأمريكي في العراق وافغانستان، وانما كانت باكستان ايضا ساحتها الاساسية، ثم امتدت الى اليمن بعد ذلك. وفي مايو 2009، قال مدير المخابرات المركزية الامريكية ان هذه الهجمات اصبحت هي وسيلتنا الاساسية لمحاربة مقاتلي القاعدة.
وبالطبع، في تنفيذ هذه الهجمات، التي هي تنفيذ لأحكام بالقتل والإعدام، لا يهم الادارة الامريكية كثيرا ان يسقط عشرات او مئات من الضحايا المدنيين.
وفي باكستان مثلا، اعلن المسئولون الباكستانيون انه في عام 2009، سقط 58 مدنيا باكستانيا قتلى في المتوسط شهريا في هذه الهجمات القاتلة بالطائرات بدون طيار. وقالوا ان عدد القتلى المدنيين خلال العام بلغ اكثر من 700 قتيل.
حقيقة الأمر ان عقيدة اوباما هذه في مواجهة من تعتبرهم امريكا ارهابيين، ما هي الا امتداد لعقيدة بوش، وبنفس القدر من الاستهانة بأي أعراف قانونية او انسانية.
وهذا احد الاسباب التي دفعت كتابا ومحللين امريكيين كثيرين الى اعتبار ان الوعود التي قطعها اوباما في بداية عهده بانتهاج طريق جديد غير طريق بوش، ثبت فيما بعد انها لم تكن سوى "فجر كاذب".
والمصيبة الكبرى ان هذا الذي تفعله الادارة الامريكية من استهانة بالقانون الدولي وحقوق الانسان وسيادة الدول لا يقابل بأي ادانة من العالم. العالم يتعامل مع ما تفعله ادارة اوباما كما لو كان امرا عاديا لا يستدعي الرفض والاستنكار. وهذا بالضبط هو ما يجعلها تمضي قدما في تنفيذ عقيدة اوباما الدموية هذه.