وأخيرا "انتقل الملف الأمني" بأيدي العراقيين في محافظة الأنبار، كبرى المدن العراقية، واحتفل المسؤولون الأمريكيون والعراقيون على طريقتهم المعتادة، ترحيبا، وتصفيقا، واعترافا، من أرفع مسؤول محلي بوصف الأمريكيين بـ"الأصدقاء"، وآخر يزاود عليه في "تأكيد الولاء لجيش التحرير الأمريكي"، وآخر يقول "إن شراكة العراقيين والأمريكيين في الحكم الثنائي تعد مثالية وظاهرة العصر الحضاري الحادي والعشرين"!!! وغير وغير وغير من الكلمات وعبارات التبجيل.
كل هذا أمر مفروغ منه بالنسبة للشعب الجائع والفاقد لنعمة الأمن والأمان، والذي يلوذ خلف قضبان الحديد أو جدران المنازل وهو يتعرق من شدة شمس حزيران وتموز وآب، وصيف العراق القاسي الذي يطول لأشهر عدة بعكس كل دول العالم الأخرى.
إنما المهم هنا هل يتوقع المرء أن يعيش أبناء العراق في المدن التي سلمت فيها المسؤولية الأمنية إلى "القوات العراقية" ولم يعد مشهد الاحتلال الأمريكي موجودا؟. هذا هو بيت القصيد.
فربما الجميع يلتقي عند هذه النقطة التساؤلية، منطلقين من أمنية تراود مشاعرهم دائماً، منذ احتلت بغداد في التاسع عشر من آذار ٢٠٠٣ بانسحاب لجيش الغزو الأمريكي، الذي خرب كل شيء في بلادهم وحولها إلى مرتع للعابثين والمرتزقة في مقدرات الناس والوطن وممارسة القتل والتصفية والتهجير والنهب والسرقات.
إن الحقيقة المرة التي لا يتفاجأ بها كل من يدرك بواطن السياسة الأمريكية والغربية حيال منطقتنا في حين ينذهل من يجهل طرق التعامل الأمريكي ودهاليز التفكير الغربي الخبيث هذه الإشكالية حتى أننا بتنا نواجه مجادلة البعض من أبناء العراق وهم يعيشون في الداخل بأن الأمريكيين سيرحلون ولن نرى بعد نزعهم لثوب الملف الأمني من جلدهم وإلباسه للعراقيين أية دبابة أو "همر" أو دورية راجلة وغيرها، أو مشهد اعتقال إرهابي، ويتذرعون بأن نقل الملف الأمني حصل في إطار "اتفاق أمني شامل" وهام له بنود من الصعوبة اختراقها وكأن الذي يحصل حقائق ضمن تفسيراتهم المتواضعة، وربما التي تسيطر عليها العاطفة في أحيان أخرى.
تصور أن هكذا أناسا في العراق يتذرعون بالحجج وبرغم وهميتها في سبيل أن يقنعوا أنفسهم والآخرين معهم بأن عهد الاحتلال قد ولى وذهب بلا رجعة؟.
في الأمس القريب نقل الملف الأمني في محافظة الأنبار التي كانت وحتى وقت قريب معقل المقاومة وأصبحت المحافظة الحادية عشرة تتسلم الملف الأمني وهي المعروفة بسعة مساحتها التي تصل إلى ٣٤% من مساحة العراق، وحصل الذي حصل من تعانق وارتياح وتبادل كلمات الود بين المسؤولين في الأنبار وتأكيد عهدهم الكبير لـ"حكومة بغداد" ولـ"جيش التحرير" (الصديق) الأمريكي كما قال البعض، وحين توجهنا بالسؤال إلى هؤلاء المسؤولين هل سيخرج الأمريكيون من الأنبار بعد اليوم قيل لنا وبلغة خجلة لا.. لا تعرفون أن الوضع ما يزال هشاً، وأن قواتنا الأمنية ما تزال ضعيفة في استلام الملف الأمني!
وقلنا بعد الذي جرى من مراسم نقل الملف أمام العالم هل أن نقاط التفتيش المقامة عند الطرقات ومداخل المدن في الأنبار سينسحب منها جنود الاحتلال فقيل لنا بلغة مثل سابقتها، تعرفون جنابكم أن نقاط التفتيش مهمة لأمن المواطن العراقي، وخلق الراحة له فأنه بالوقت الحاضر، لا سيبقى الجنود الأجانب فيها.
وتنازلنا عن سقف طموحنا إلى أدنى منه، ووجهنا سؤالا ثالثاً إلى "مسؤول رفيع" في الأنبار هل ستتوقف عمليات الدهم والاعتقالات بعد الذي حصل من عمل، أنتم كمسؤولين وصفتموه بـ"الانجاز الكبير والخلاق"؟، فقال لنا ذلك المسؤول لا وهو يضع يده اليسرى على اليمنى، ومرة يضعها على خده بطريقة تجسد الضعف والانكسار في تفسيرات علم النفس، لأن الوضع يتطلب بقاء قوات (الأصدقاء) موجودة لمطاردة الإرهابيين، لأنه كما تعلم أن هنالك خلايا نائمة للإرهاب.!!!
وسألنا سؤالا رابعاً بصيغة الاستفهام العجيب، وقلنا بعد نقل الملف الأمني ما الذي سيتغير إذن؟، فأجابنا "مسؤول رفيع" أن حركة الجيش الأمريكي ستتلاشى في الشارع، وبدل أن نرى باليوم ١٠٠ دبابة، ربما نرى مرة واحدة رتلاً من الدبابات في اليوم كله.
وعليه لا بد من التوضيح بأن الأخوة المسؤولين صدقوا ولكنهم لم يعرفوا كيف ينطقوا بالجواب، نعم أن الدبابات اختفت وربما لم نعد نرى مشهدها في أي شارع عراقي ليس بالأنبار وببقية المدن العشر التي استلمت "الملف الأمني"، لكن حلت بدلاً عنها آليات جديدة من نوع برمائيات ومسميات غريبة علينا وحتى "الهمر" لم يعد لها وجود ضمن مرحلة تجهيز جيش الاحتلال ب=