ورقة د.حسن العالي
الأمين العام لجمعية التجمع القومي الديمقراطي
في الحلقة النقاشية حول مواقف وأفكار القائد المناضل عبدالرحمن النعيمي (رحمه الله)
السبت 14 سبتمبر 2013 – مقر جمعية وعد (أم الحصم)
كشأن كل من كتب أو سوف يكتب حول نضالات وعطاءات المناضل والقائد الوطني عبد الرحمن النعيمي رحمه الله، فأنني لا بد أن أسجل في بداية حديثي هذا أن ما سوف أتناوله في هذه الورقة لا يعدو عن كونه نماذج أو أمثلة على هذه النضالات، وبمعنى أوضح هو ليس توثيق عن سيرة وتاريخ هذه النضالات، فهي أوسع بكثير من أن تتضمنها ورقة مثل هذه أو جهد متواضع بذلته هنا في مسعى لتسليط الضوء على بعض الجوانب الهامة في مسيرة هذه الهامة الوطنية الشامخة ونضالاته المجيدة.
تجادل هذه الورقة بأن التكوين الفكري والسياسي القومي للنعيمي لعب دورا محوريا في تشكيل مسيرته النضالية اللاحقة على المستوى الخليجي، و لاسيما على صعيد:
أولا: تبني نهج الكفاح المسلح على الصعيد الخليجي.
ثانيا: تبني نهج العمل الجبهوي الخليجي.
ثالثا: تبني المنظار القومي في بناء المواقف السياسية على الصعيدين الخليجي.
ولكي نبدأ بشرح هذه الجوانب بشي من التفصيل لا بد أولا أن نتعرف على ما سميناه التكوين الفكري والسياسي القومي للنعيمي:
يرتبط اسم وتاريخ المرحوم النعيمي في بداياته بالحركة القومية العربية عموماً، وحركة القوميين العرب خصوصاً.
كان الفكر القومي العربي موجوداً في أوساط العديد من المثقفين والمفكرين العرب منذ مطلع القرن العشرين، أي مع بداية التفكير في التحرر من الهيمنة القومية التركية على الدولة العثمانية، وتأثير هذه الهيمنة سلبياً على تراث الأمة العربية وحضارتها وتاريخها ولغتها.
شهدت تلك المرحلة نشوء جمعيات وهيئات تطالب وتعمل على إحياء التراث القومي، والفكر القومي العربي، لكن لم تكن هناك حركة حزبية أو تنظيمية لترجمة هذا الفكر إلى حركة شعبية وجماهيرية لها برنامجها النضالي الذي تعمل على أساسه من أجل تحرير الوطن العربي وتوحيده .
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى التي كان من أخطر نتائجها تقسيم الوطن العربي من خلال معاهدة سايكس بيكو 1916، وإطلاق وعد بلفور 1917 لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين تمهيداً لاغتصابها ، ومع تزايد الهيمنة الاستعمارية الغربية على الوطن العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وارتباط الحكومات العربية وخضوعها للقوى الاستعمارية، ازدادت الحاجة والرغبة في الأوساط القومية لإنشاء حركة قومية جماهيرية تتصدى لهذا الواقع الاستعماري الذي بات يهيمن على المنطقة العربية وربط تحرير فلسطين بتحرير أقطار الأمة العربية من الوجود الاستعماري، وتوحيد الأمة .
وقد انعكس هذا البعد على كل أطراف الحركة القومية العربية. فقد رأينا حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس عام 1947 يصوغ شعاراته تحت عنوان (وحدة حرية اشتراكية). وحركة القوميين العرب التي بدأ التحضير لها منذ عام 1951 وأعلن عن قيامها عام 1956 تطلق شعار (وحدة تحرر ثأر) . والحركة الناصرية ترفع شعار (حرية اشتراكية وحدة). وهكذا كان شعار الوحدة والحرية هما القاسم المشترك بين كل أطراف الحركة القومية العربية .
وقد لعب الدكتور جورج حبش دوراً رئيسياً في تأسيس حركة القوميين العرب، وكان معه أيضاً عدد من المناضلين الفلسطينيين أمثال هاني الهندي ووديع حداد. لذلك فقد حظيت القضية الفلسطينية بتركيز كبير في شعارات وأهداف حركة القوميين العرب وبرنامجها النضالي.
ومن الواضح أن ذلك كان له انعكاسات قوية على شعارات الحركة وعلى مسارها النضالي اللاحق، حيث يتضح من خلال الشعار الذي رفعته أنها تريد تحرير فلسطين وبقية أقطار الوطن العربي من خلال الوحدة ولكي تأخذ بالثار وذلك عن طريق الكفاح المسلح، خاصة أذا تذكرنا أن هذه الحركة قامت على أنقاض مؤسستين سبقتهما مارستا بالفعل الكفاح المسلح، وهما:
الأولى: كتائب الفداء العربي التي تأسست من مجموعات من الشباب من سوريا ولبنان وفلسطين في العشرينات من أعمارهم. وكان الدكتور حبش والأستاذ هاني الهندي (فلسطيني) من أبرز مؤسسي هذه الكتائب . وكانت أهداف الكتائب هي العمل على تدمير المؤسسات، وقتل الزعماء المسئولين عن ضياع فلسطين. وقد نفذت الكتائب بعضاً من هذه العمليات، لكنها كشفت كمنظمة سرية فحلت قبل بداية عام 1950.
الثانية: لقد أدى حل كتائب الفداء ووجود حبش في الجامعة الأمريكية، بما تضمه من نخب ثقافية وسياسية ومكانته المميزة بينهم دور في استقطاب عدد كبير من المؤيدين مكنه ورفاقه من النجاح في انتخابات جمعية العروة الوثقى وسيطرتهم عليها. وهي جمعية ثقافية عروبية تضم عدداً كبيراً من طلاب الجامعة العرب. وكان يشرف عليها الدكتور قسطنطين زريق، وهو شخصية قومية بارزة . وعمل من خلال ندواته ومحاضراته عن القومية العربية والأمة العربية وكيفية نهوضها على تحويل هذه الجمعية إلى بؤرة للفكر السياسي القومي. مما لعب دوراً هاماً في فكر الدكتور جورج حبش والنعيمي بعد ذلك على حد سواء.
وبعد هزيمة 67 وتعري ضعف الأنظمة والجيوش العربية في مواجهة العدو الصهيوني، كان لا بد من إجراء مراجعة شاملة تِشمل الفكر والتنظيم والأدوات النضالية جميعا.
هذه العوامل مجتمعة دفعت بحركة القوميين العرب إلى البدء في الإعداد لعمل ثوري فلسطيني جذوره حركة القوميين العرب، ومن هنا انطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حاملة الفكر القومي والثوري واليساري.
وقد ترتب على ذلك الانفصال التنظيمي لفروع حركة القوميين العرب بما في ذلك تنظيماتها في الخليج العربي. لذلك شهدنا بعد ذلك انطلاق العديد من الحركات الثورية اليسارية في دول الخليج العربي التي كان النعيمي أما مؤسسا لها أو مشاركا في التأسيس.
لقد لجأنا للتوقف أمام خلفية الفكر والعمل السياسي النضالي الذين آمن بهما ومارسهما النعيمي أثناء دراسته في بيروت وبعدها، حيث عاصر نهوض حركة القوميين العرب ونشاطها المتقد في بيروت ثم بعد ذلك تحولها التنظيمي والفكري نحو الماركسية اللينينية وتبينها الكفاح المسلح.
لذلك، عندما حصل الانفصال التنظيمي كان من الطبيعي والمنطقي أن تكون حركة النعيمي التاريخية نحو المستقبل منطلقة من رحم الحركة الأم وما انتهت إليه من مخاضات فكرية وتنظيمية. بل أنها شكلت دليل العمل التنظيمي والفكري لدى النعيمي وهو من شارك في صياغة هذه التحولات من منطلق الإيمان بسلامتها.
وعلى خلفية ذلك، تكونت لديه ثلاث منطلقات فكرية وسياسية رئيسية فيما يخص مستقبل العمل السياسي الثوري في منطقة الجزيرة والخليج العربي:
أولا: تبني نهج العمل الجبهوي الخليجي حيث كان من الطبيعي من النعيمي المؤمن بأن الوحدة هي طريق تحرير الوطن العربي أن يتبنى وحدة الفصائل الثورية الخليجية كطريق تحرير الخليج العربي.
ثانيا: تبني نهج الكفاح المسلح لتحرير الخليج العربي على غرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ثالثا: تبني المنظار القومي في بناء المواقف السياسية على الصعيدين الخليجي والوطني.
وهذه القضايا الثلاث هي ما نحاول التوقف أمامه فيما تبقى من هذه الورقة:
أولا: تبني نهج العمل الجبهوي الخليجي:
النعيمي رحمة الله عليه كباقي أبناء جيله في الخمسينيات، كان من الناحية العائلية خليجيا بامتياز توزعت عائلته على أكثر من بلد خليجي. أما سياسيا، فقد وعى وهو يرى التشطير البريطاني للإمارات الخليجية. وكانت علاقات الخليجيين تؤكد ذلك من حيث تناثر العائلات والعشائر على الرقعة الخليجية، ويتم التزاوج والتملك والسفر والتبادل التجاري دون اعتبار لتلك الحدود، ولم تكن جنسية بلد ما تعني كثيراً.
وفي ظل مناخ صعود القومية العربية الذي أطلقته الحركات القومية، نشأ أكثر من تنظيم سياسي أو دعوة سياسية لوحده الخليج وتحرره. ووجد أبو أمل في حركة القوميين العرب، ما يجسد آماله الخليجية والقومية في آن واحد.
وقد تجسد ذلك حتى مع بدايات عمله السياسي في حركة القوميين العرب في بيروت، حيث كان في الخلايا التي كان مسئولاً عنها مواطنون من الخليج والجزيرة العربية واليمن. من هنا فقد بنى علاقات مع مناضلين أضحى لهم دور بارز في النضال مثل أحمد الخطيب والنفيسي في الكويت وسلطان عمر ومحمد الثور في اليمن، وفي الإمارات، وخميس الحشار في عمان على سبيل المثال لا الحصر.
وبعد أن احتدم الخلاف الإيديولوجي في حركة القوميين العرب بعد هزيمة 1967، كان من الصعب على النعيمي أن يتحول من مناضل على المستوى القومي إلى مناضل على المستوى المحلي، حيث أن ذلك كان يمثل بالنسبة له قفزة هائلة للوراء لم يكن مستعدا لقبولها. لذلك، فقد اختار العمل السياسي على المستوى الخليجي، حيث كان أحد القياديين المؤسسين للحركة الثورية في عمان والخليج العربي إثر مؤتمر دبي في فبراير/ شباط 1968. وقد شكلت الحركة الثورية الإطار السياسي للمناضلين الخليجيين الذين كانوا يتبنون الخط الماركسي اللينيني حينها.
وعلى الرغم من انه كان مطلوباً من حكومة البحرين آنذاك، وبالتأكيد إمارات الخليج الأخرى، فقد أصر على البقاء في ساحة الصراع في دبي، لبناء الحركة الثورية. في الوقت ذاته لم يكن يرى في هذا التنظيم الطليعي النهاية، بل البداية لإقامة تحالف وطني واسع.
لذلك، أسهم النعيمي من خلال الحركة الثورية في الحوار مع تنظيمات أخرى مثل جبهة تحرير عمان في تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي في 1971، وتأمين الدعم لها.
وبعد قرار المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، في يونيو/ حزيران 1974 في مدينة الحوطة باليمن الجنوبي، وتشكيل الجبهة الشعبية في البحرين، فإن النعيمي لم ينعزل عن العمل الخليجي المشترك، بل بادر لتعزيز العلاقات مع الجبهة الشعبية لتحرير عمان (الجبهة الديمقراطية العمانية لاحقاً) ومع الفصائل المناضلة في الخليج واليمن. وقام بزيارات عدة لليمن الجنوبي لتعزيزها مع العمانيين واليمنيين، وقد أثمرت جهوده وجهود الآخرين في تأسيس تجمع القوى الوطنية في الخليج والجزيرة، الذي ضم المنظمات السياسية اليسارية في الخليج واليمن.
ثانيا: تبني نهج الكفاح المسلح لتحرير الخليج العربي:
دون شك فأن من بين الأسباب الجوهرية لاختيار الكفاح المسلح هو هزيمة حزيران 1967، والتي تعود إلى أسباب عديدة وجدت حركة القوميين العرب، وكذا الحركات القومية عموما، أن من بين أهمها هو ضعف الأنظمة العربية وغياب دور الجماهير الشعبية في التحرير، وأن الرد على الهزيمة يستوجب تبني نهج حرب التحرير الشعبية المسلحة بعد أن سقط الرهان على قيام الأنظمة بتحرير فلسطين.
ومن ثم بدء البحث عن النموذج العالمي المتقدم لحرب التحرير الشعبية لكي يتم تبنيه من قبل حركة القوميين العرب.
حول هذه المرحلة الممتدة ما بين 1967 و 1974 وهو تاريخ إعلان تسمية الجبهة الشعبية في البحرين والتخلي عن هدف "التحرير" في تسمية الجبهة، يقول النعميمي نفسه:
عندما أجرت الثورة تحولاتها، وجدت ضالتها في الطريق الصيني، مأخوذة في الوقت ذاته بالمناضل الاممي الكبير جيفارا الذي غادر مقاعد الحكم في كوبا الى أدغال أفريقيا (الكونغو) ثم الى أمريكا اللاتينية (بوليفيا) ليكون شهيد الواجب الأممي في النضال ضد الامبريالية العالمية وزعيمتها الامبريالية الأمريكية. وحيث كان للسوفيت حساباتهم، وكان الصراع الصيني السوفيتي على أوجه في مناطق الصراع، فقد تدفق الكتاب الأحمر مع السلاح الصيني إلى الثورة، وأعجب المناضلون العمانيون في ظفار بالتجربة الماوية في تطويق الأرياف من المدن، بالإضافة إلى صور الرئيس الصيني، بينما لم تجد الدراسات الجادة لوضعية المنطقة طريقها إلى قيادة الثورة أو إلى المناضلين.
ويضف النعيمي: لم تكن هناك دراسات حول وضعية المنطقة والصراع العالمي عليها. ولم تكن هناك دراسات حول الوضع الطبقي والقبلي والمذهبي، بل وتاريخ المنطقة برمتها والعوامل التي تدفع باتجاه الصراع مع العدو والعوامل التي قد تدفع بشكل سلبي.. ناهيك عن أحادية التحليل.
ويقول: كانت الماركسية اللينينية ـ افكار الرفيق ماوتسي تونغ هي الدواء، هي الافيون، وبالمناسبة فكل ايديولجيا هي افيون. وكان الكتاب الاحمر منتشر لدى المقاتلين، وهو كتيب صغير يسهل حمله في الجيب وبه الكثير من الحكم الصينية، وبه خلاصة التجربة الصينية.
ويجب أن ننبه أننا هنا لسنا بصدد تقييم تجربة الكفاح المسلح للجبهات الثورية في الخليج العربي، ولا التطرق إلى التعقيدات والتحديات التي واجهتها، وإنما أردنا فقط تناول جانب من التحولات الإستراتيجية في فكر النعيمي التي أعقبت تبني الماركسية اللينينية كنهج لحركة القوميين العرب، وهي موضوعة تبني الكفاح المسلح.
ولكن لا بأس أن نتوقف أمام هذه الفقرة التي قالها النعيمي:
ومع اهمية التجربة الصينية والفيتنامية وضرورة دراستها من قبل قيادات وكوادر الثورة، الا أن حاجة المناضلين والكوادر أيضاً الى كتب تتحدث عن واقعنا الراهن، يكتبها قادة الجبهة قبل غيرهم، مستفيدين من تجارب الآخرين، ومن تجارب الاشقاء المناضلين العرب، ومن تاريخنا المليء بالصراعات وبالصعود الكبير الذي احدثته الثورة المحمدية التي لا يمكن القفز عليها ولا يملك العرب تاريخاً خارج سياقها، بكل ما حملته من تعاليم عظيمة ونماذج إنسانية راقية لا تزال تسحب نفسها بقوة على واقعنا العربي.
ثالثا: تبني المنظار القومي في بناء المواقف السياسية على الصعيدين الوطني والخليجي:
ما نريد أن نركز عليه في هذه الفقرة الأخيرة أن التكوين الفكري والسياسي القومي للنعيمي رحمة الله عليه لم ينعكس فحسب في الإيمان بالعمل الجبهوي الخليجي وتبني الكفاح المسلح فحسب، بل وفي بناء المواقف السياسية التكتيكية والإستراتيجية، فنلاحظ غالبا من ينطلق بناء الموقف أزاء القضايا الخليجية أو الوطنية من منظار قومي شمولي، مع القدرة على الربط بين جدلية القومي والإقليمي من جهة والقومي والوطني من جهة ثانية وبين الثلاثة معا من جهة ثالثة.
ونعود لورقة منشورة في العدد 75 مارس 1982 من نشرة الجبهة حول مجلس التعاون الخليجي مقدمة إلى لجنة التنسيق بين القوى الوطنية في الجزيرة والخليج وذلك على أثر النقاشات التي دارت في الاجتماع الدوري للقوى الوطنية في النصف الثاني من شهر مايو 1981م، حيث تم تكليف الجبهة الشعبية بإعداد هذه الورقة.
تعكس هذه الورقة كيف كان النعيمي وبعد مرور نحو 15 عاما على تبني نهج الماركسية اللينينية كان لا يزال متمسكا بالرؤية القومية الشاملة في رسم مستقبل العمل الوطني في الإقليم الخليجي.
وقد تضمنت الورقة عدد من المحاور. ففي محور الوحدة الإقليمية لشبه الجزيرة العربية، يقول النعيمي:
التوحيد القومي لا بد أن يمر بالتوحيد الإقليمي وقضية الوحدة الإقليمية مهمة مطروحة على جدول أعمال كافة الطبقات الاجتماعية، ولكل طبقة تصوراتها الوحدوية طبقاً لمصالحها وبالتالي لثوريتها.
ويضيف: سيرورة التطور في المنطقة تقضي إلى الوحدة… وهي وسيلة لتقوية الحكام، ولكنها أيضاً وسيلة لتقوية المحكومين، والسؤال هو: أي وحدة يمكن أن توحد المحكومين بشكل جيد ليتمكنوا من التغلب على الحاكمين الرجعيين والعملاء. الهجوم خير وسيلة للدفاع. الرجعية تهرب إلى الامام لتفادي مصيرها المحتوم. علينا أن نسبقها، نعريها امام الجماهير ببرنامج وحدوي يعبر عن مصالح الجماهير الشعبية ويستجيب للتطور وطموحات شعبنا الوحدوية.
وهنا يسجل النعيمي موقفا متقدم في التفريق بين وحدة الأنظمة ووحدة الجماهير والطبقات الاجتماعية، وأن خير وسيلة لمواجهة وحدة الأنظمة المتخاذلة هو وحدة الجماهير وقواها السياسية.
وفي محور الرجعيات الحاكمة: تعارضاتها، حدود برامجها، يقول:
حدود برنامج الرجعية التوحيدي يقف عند حدود الكيانات السياسية (إبقاء العفن والطبقات الطفيلية وخلق عفن أكبر) وما يعنيه من استمرار تبديد الثروة والطاقات المادية والبشرية، ويحكمه حبل السرة المتصل بالإمبريالية العالمية وخاصة الإمبريالية الأميركية، مشخصا بذلك جوهر وحدود وحدة الأنظمة. بل أنها وحدة قائمة على تفاقم استغلال ثروات بلدانها، مدعومة بقوى الامبريالية.
وفي محور الهجمة الإمبريالية على المنطقة وأبعادها، يتسائل النعيمي:
هل تشكل الدول الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة خطراً على أنظمة الخليج؟
ويجيب كلا. فالعلاقات الاقتصادية (النفطية والتجارية والمالية) متينة للغاية. وترتكز على قاعدة التبعية والاندماج الكامل مع السوق الرأسمالية العالمية. والخلاف ينحصر في طريقة الدفاع عن مصالح الغرب الإمبريالي في الجزيرة والخليج، مشيرا بذلك للجوء النظمة الحاكمة للتبعية والاندماج مع الاقتصاد العالمي بدلا من الاندماج والتكامل مع الاقتصاد العربي.
ومع ذلك، فالنعيمي يحدد بوضوح أولويات النضال، فيقول: وفي كل الأحوال تبقى الإمبريالية الأمريكية هي الخطر الأكبر، ومهما كان موقفنا من هذا النظام أو ذاك أو موقفنا من هذا الشكل الوحدوي أوالتنسيقي فلا بد من تركيز الانظار على خطر الإمبريالية وأهمية الاستقلال الحقيقي والسيادة التامة للمنطقة برمتها.
في محور التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، يركز النعيمي على الربط بين تنامي الثروات المالية لدول الخليج مع تصاعد دورها العربي المضاد للأنظمة الوطنية ومصالح الأمة.
فيقول " يمكننا مشاهدة تأثير النفط والمال الكبير مثلاً في اليمن الشمالي حيث تدفقت الرشاوي السعودية. وتزايدت الضغوطات على اليمن الديمقراطية.
كما يحذر من تنامي مخاطر العمالة الأجنبية التي تشكل برأيه حالة خطرة على التركيبة الاجتماعية والحركة السياسية الراهنة، و تغييراً مستمراً في تركيبة المجتمع الداخلية تهدد هويته القومية. لذلك يؤكد بأن العمالة العربية يمكنها أن تدفع حركة التطور إلى الأمام.
وفي محور تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ينبه النعيمي مبكرا إلى خطرا بات يتأكد يوما بعد آخر وهو أن تأسيس هذا المجلس يسعى إلى إلى تكريس التجزئة السياسية بالتأكيد على استقلال دول المنطقة، بدلاً من وحدتها واذابتها، وإقامة دولة مركزية موحدة.
ويؤكد أن النظام الأمني الجماعي يعني عدم السماح بتغيير أي من الأنظمة الست على أيدي القوى الثورية، كما سيعمد المجلس إلى سحب البساط من تحت أقدام الحركة الشعبية بتقديم المساعدات المالية الكبيرة للأنظمة ذات الأوضاع المضطربة (عُمان، البحرين). وهو بالفعل ما نشهده في أيامنا هذه.
إن هذا التحرك الاقتصادي السياسي العسكري الأمني ينقل المنطقة إلى آفاق أوسع ستجد الحركة الوطنية الحالية نفسها في مأزق إذا واصلت البرامج والشعارات القديمة، ولذا لا بد من طرح شعارات وبرامج تعكس فهمنا واستيعابنا للمعطيات الجديدة وافرازاتها على الأصعدة السياسية والاجتماعية.
وانطلاقا من هذا الفهم، يقدم النعميمي رؤيته لهذه الشعارات والبرامج في المحور الأخير من الورقة الحركة الوطنية وآفاق العمل المستقبلي:
يقول حول البرنامج السياسي: نرى ضرورة التزام الحركة الوطنية بالوحدة السياسية لجماهير وأرض المنطقة كهدف استراتيجي لنضال جماهيرنا في شبه الجزيرة العربية.
ويجب أن نقف بتمعن أمام هذه المقولة للنعيمي: إن الرجعية تخاف من الوحدة بدرجة أكبر من الثوريين. وأمامنا نموذج بارز للعيان وهو اتحاد الإمارات حيث على الرغم من نقاط ضعفه فأن بعض خكام الإمارات ترفض التنازل عن مصالحه للمصلحة العامة تلك المصلحة التي تقتضي الاستجابة لنداءات الجماهير في ضرورة الوحدة الاندماجية.
كما يجب أن نتعمن في قوله أيضا: الوحدة والديمقراطية مسألتين أساسيتين لا يجب أن نفصلهما عن بعضهما البعض.
ونختتم بقوله رحمة الله عليه بمقولة تتأكد صحتها اليوم أكثر من أي وقت مضى: الوحدة والتحرر من الإمبريالية الأميركية وسيادة واستقلال المنطقة برمتها، وليس استقلال دول المنطقة، لأن الشعار الأخير لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، وهو دفاع عن الأنظمة الحاكمة بالدرجة الأساسية. أما سيادة واستقلال المنطقة برمتها فهو الشعار الأكثر صحة، والذي يمكن من خلاله تعبئة جماهير وقوى عريضة، فهذا الشعار يرتبط بالوحدة ويرتبط بالنضال ضد الإمبريالية في مختلف بلدان المجلس وعلى صعيد المنطقة برمتها.