حسن المدحوب
أذكر جيداً يوم الأربعاء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ففي عصر ذلك اليوم كنا متواجدين كصحافيين في احتفال جرى بقاعة الشيخة حصة للمناسبات في الزلاق، لإعلان لجنة تقصي الحقائق التي رأسها السيد محمود شريف بسيوني، تقريرها الرسمي إزاء الأحداث التي طالت البحرين منذ بدء الأزمة في البلاد في 14 فبراير/ شباط من ذلك العام.
يومها وقف السيد بسيوني سارداً موجزاً لتقرير لجنته، وكان لافتاً تركيزه على بعض الانتهاكات التي قامت بها الأجهزة الرسمية في البلاد خلال أشهر الأزمة الأولى، وكان الوجوم أبرز ما ميّز تعابير الكثير من الحاضرين في الجلسة، وقد بدا أن الكثيرين لم يرقهم هذا السرد لحظتها.
خرجنا من القاعة يومها، ونحن كبحرينيين نأمل في أن يكون هذا التقرير بدايةً لعهد جديد للبحرين التي كانت قد خرجت منذ أشهر قليلة، من فترة السلامة الوطنية التي شهدت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، مازالت مشاهدها عصية على النسيان، الرؤوس المهشمة، والدماء المراقة، الضحايا الذين تساقطوا في المعتقلات، زوار الفجر، عمليات الفصل من الأعمال التي تمت على الهوية والمعتقد، محاكم التفتيش التي نصبت في التلفاز الرسمي للدولة، حملات الكراهية التي استفحلت، كلها مشاهد كانت ولازالت عصية على النسيان لدى البحرينيين.
بعدها، كنا كصحافيين مع موعد مع مؤتمر صحافي لوزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة تحدّث فيه من فندق السوفتيل في الزلاق عن موقف الحكومة من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وأذكر وقتها وصفه التقرير بأنه «موجع للحكومة»، مضيفاً «لكنه الدواء المر الذي يجب أن نتجرعه من أجل أن تسود الديمقراطية في البحرين»، وتأكيده «نحن عازمون على تحويل توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى إصلاحات ملموسة وبناءة».
الجميع، بمن فيهم السلطة والمعارضة رحّب بالتقرير، ولكن الجميع أيضاً لم يكن راضياً عنه بشكل تام، فكل طرف كان يتمنى أن ينحاز إليه التقرير بالمطلق، ولكن بسيوني وفريقه مسكا العصا من المنتصف، فكان التقرير توليفة من الانتصار والهزيمة لكلا الطرفين في آن واحد.
أهم ما حواه التقرير، توثيقه للشهادات التي حكت جانباً من الانتهاكات الفظيعة التي طالت البحرينيين وحقوق الإنسان في البلاد، في فترة عصيبة جداً على كل البحرينيين، وأجزم أن هذا التقرير يصلح أن يكون وثيقةً تاريخيةً تروي للأجيال ما حدث خلال الفترة التي وثقها.
بعد يومين، ينقضي عامان على الإعلان عن هذا التقرير، الحكومة تقول أنها أنجزت الكثير من توصياته، والمعارضة ترى أن القليل القليل هو ما أنجز منها، ولكننا كبحرينيين بعيداً عن هذا وذاك، نأمل أن نصحو على بحرين جديدة غير التي نراها اليوم، بحرين لا تمييز فيها ولا انتهاكات، بحرين المواطنة المتساوية التي يحترم فيها الإنسان مهما كان معتقده وطائفته ودينه.
ندرك تماماً، أن الأزمة السياسية في البحرين عميقةٌ في جذورها وتاريخها وأسبابها وتداعياتها، لكننا نؤمن يقيناً أن البحرينيين يستحقون أن ينالوا ديمقراطية حقيقية وأمناً للجميع وعدالة وحرية ومساواة بينهم جميعاً.