مريم أبو إدريس
على رغم كل تحضرنا لكننا امة موبوءةٌ بالصراعات منذ فجر التاريخ، صراعات الارض، الماء، صراعات الحب والكراهية، صراعات الملل والطوائف، وبين كل صراعاتنا نسينا كيف نحيا، واصبحت كلمات السلام والحب تسكن قواميس مفرداتنا الزاخرة بهما، نسينا كيف نتقبل الآخر، وقبله كيف نتقبل انفسنا، نحن الذين كبرنا بين الانا والانا فقط.
لم يعد أبعاد الآخر حصر تاريخنا، لكنه جزءٌ من حاضرنا المؤلم، الذي اصبح بين عشية وضحاها واقعاً يفرض علينا التعايش معه، ان تصحو فجأة على لفظ المجتمع لجزء كبير منه، وتتساءل بذهول اين كان يُخَبَّأُ كل هذا الحقد، واين الاخوة التي كانت تجمع الناس معاً، نحن الذين شكلنا عبر عقود صورةً جميلة للتعايش بسلام مع الجميع، كيف اصبحنا على هامش الانجاز الانساني، ولِمَ اصبح بعضنا متصلباً ومتقوقعاً على نفسه حد ارهاب الآخرين من المختلفين معهم طائفةً المتشابهين خَلقاً وخُلقاً، ولم اصبح تعبد طائفة شركاً يستوجب الحرب ضدهم، فلتكن لك الجنة واترك لهم النار ما ضيرك ان كانوا مشركين!
بين اسواقنا واحيائنا كنائس مسيحية مختلفة، ووسط اسواقنا معابد لأديان اخرى، لهم ان يمارسوا حرية معتقدهم ودينهم بسلامٍ ودون اذى.
يستطيع اي وافد ممارسة معتقداته كيفما يشاء، وله على الدولة حفظ حقه وتيسير امور ممارساته والسماح له بانشاء معابده بل وتتكفل الدولة بتخصيص اراضٍ لممارسة الديانات الاخرى.
من الجانب الآخر يصعب على البعض تقبل معتقدات مكون واسع من المجتمع، ويكون هدم مساجد تابعة لطائفة معينة حفلة ماجنة يقيم المرضى المهووسون عقائدياً على انقاضها رقصات احقادهم وجنونهم.
من خدع هؤلاء البسطاء ليفتحوا النار على معتقدات الاخرين وطرائق تعبدهم، بينهم وبين الله عهودٌ ومواثيق وشهادة ان لا اله الا الله فكيف تكفرونهم؟ ولم تنصبون انفسكم قيمين على اديان الاخرين؟! من سمح لكم بذلك؟
لا يدرك هؤلاء حتى الآن ان الخلاف سياسي بحت، لا علاقة له بدين ولا مذهب، وان من المعيب الاستمرار باستنقاص الآخرين بسبب معتقداتهم، في دولة تفخر بتعدد الاديان وتعين ممثليها وسفراءها من ملل متعددة لتأكيد ذلك، لكنها تقف عاجزة عن وقف هذه الاعتداءات الصارخة على مكون واسع من الشعب، تضرر وأهينت معتقداته وهدمت مساجده وهوجم اثناء ممارسة شعائره وتجرأ ذوو النفوس الخاوية ان ينعتوه بابناء المتعة والمجوس واذناب ايران!
لم يتلفظ بذلك اشخاص مجهولون فقط يختفون خلف شاشات الكيبورد وان كانت الدولة باجهزتها قادرة على التعرف عليهم ولكن قالها ورددها وزرعها بصغار العقول رجال دين من المفترض أن يكونوا قدوة لاحترام الأديان الذي يحث عليه ديننا الحنيف، لم يكن رجال الدين هؤلاء سفراء لدينٍ سمح، لكنهم شوهوا ومزقوا ووصموا دين الله بارهابهم الفكري والانساني بما ليس فيه، لم يعتدوا فقط على الملل والطوائف الاخرى لكنهم سبوا طائفة بأكملها تشاطرهم ذات الدين، ومن فوق منبر رسول الله طعن بعرضهم وشرفهم ورموا بما لم يرمَ به المشركون فهل من جهة مسئولة اوقفت ذاك الهرج اللامسئول؟ واين كل اولئك المتقافزين باسم القانون ألا يتسع القانون للمختلفين طائفةً؟