قاسم حسين
من أسوأ الصفحات التي ستدوّن في تاريخ البحرين المعاصر، هدم عشرات المساجد موزّعة على ثلاث محافظات من مجموع خمس، العام 2011.
هذه الصفحة السوداء ما كنا نتمنى أن تكتب إطلاقاً في تاريخ هذا البلد، الذي عُرف بدخوله الإسلام طوعاً، بمجرد وصول رسالةٍ كريمةٍ من الرسول الكريم (ص)، يحملها مبعوثه الخاص العلاء الحضرمي إلى حاكمها المنذر بن ساوى. ولأنه شعبٌ جزائري مسالمٌ ومتفتحٌ، تقبّل الرسالة الجديدة، بينما قاومتها قبائل جزيرة العرب لأكثر من عقدين، ولم تدخلها إلا بعد حروب وغزوات.
أهل البحرين، سنّةً وشيعةً، ظلّوا يتفاخرون جيلاً بعد جيلٍ، وقرناً بعد قرنٍ، بهذه المنقبة التي لم يسبقهم إليها إلا أهل المدينة المنورة، رضوان الله عليهم، فهم الذين آووا ونصروا المهاجرين من بطش قريش. كانت المدينة الأولى، وكانت البحرين الثانية، وهذه ليست أمجاداً قومية وإنّما هي من حقائق التاريخ.
من هنا فإن ما جرى من هدم 38 مسجداً، خلال شهرٍ واحدٍ، لم يكن مقنعاً ولا مبرّراً، على الإطلاق. وكلّ ما قيل ورُوّج لتبرير ذلك الصنيع، سواءً من مؤتمرات صحافية أو مقالات مدفوعة الأجر، أو حتى بعض خطباء الجمعة الطائفيين، إنّما سيضمن تسجيل أسماء المبرّرين في سجل الجناة والآثمين، وستقرأها الأجيال القادمة فيما سيُكتب مستقبلاً من كتب ومدوّنات.
لم يكن هدم المساجد مألوفاً ولا معروفاً ولا مقبولاً في أعراف المنطقة الخليجية، ولا عموم المسلمين. لذلك كان صادماً لوجدان الشعب البحريني، وسيبقى كذلك إلى أمدٍ بعيدٍ. فمهما احتدمت الخلافات السياسية بيننا، إلا أن ذلك لا يبرّر لي أن أنتهك حرمات بيتك، وأتجاوز على حقوقك، وأقطع رزقك، وأجوّع أطفالك… والطامة الكبرى أن أتجاسر على هدم مساجدك. ما دخل المساجد في النزاعات السياسية؟ وكيف سيكون حال العالم الإسلامي لو اتبعنا هذه السياسة كلما حدثت مشاكل وخلافات سياسية على طريقة حكم هذا البلد أو ذاك، أو طالب الشعب بإصلاح حقيقي أو بالمشاركة في القرار؟
هدم المساجد سيبقى جرحاً مؤلماً للجميع، ما كنا نتمنى حدوثه إطلاقاً، لأنه يسئ إلى الجميع. ولن أنسى ما أخبرني أحدهم العام الماضي في مثل هذا الشهر، من أن مواطناً جاء من منطقة بعيدة، ليقدّم مبلغاً كبيراً من المال لمجموعةٍ تولّت إعادة إعمار أحد المساجد المهدّمة، وقدّم اعتذاره عن عمل لا يد لهم فيه. وهذه هي الروح التي يراهن عليها كل وطني ومسلم غيور لم تلوّثه العصبية الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه الطائفية بمدلهمات ثيابها.
في هذا العام، وتزامناً مع الذكرى الثانية، دعت بعض الجماعات الأهلية إلى إقامة الصلاة في مواقع المساجد المهدّمة، على امتداد أسبوع كامل، للفت النظر إلى ضرورة إعادة إعمار بيوت الله التي نالتها السياسة بأوضارها. وأقامت «الحملة الوطنية للدفاع عن المساجد المهدومة» معرضاً للصور في قاعة فلسطين بمقر جمعية «وعد» بأم الحصم. المعرض تضمن الصور التي توثّق عمليات الهدم، بينما يحتفظ موقع «اليوتيوب» بعشرات «الفيديوات» التي أصبحت جزءاً من التاريخ والذاكرة.
المفارقة أن هدم المساجد عملٌ نفّذته وزارة البلديات، ودافعت عنه وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، التي يفترض أنها حارسة المساجد وحافظة الحقوق، وتخاذلت عنها الأوقاف الجعفرية. ولم نكن بحاجةٍ إلى مجيء شريف بسيوني مع أربعة محامين دوليين ليقرّروا لنا أن هدم المساجد مخالف للقوانين الدولية، أو للمنظمات الحقوقية لتصنيفها انتهاكاً صارخاً للحريات الدينية، وإنّما كنّا بحاجة إلى بعض العدل وصحوة القلب والضمير.