يعقوب سيادي
لو كان الحديث عن أثر أو تراث تاريخي حديث وشخصي لفرد، بعمر الخمسين أو المئة سنة، لكان أهون على الناس الخوض في حقيقة تاريخه ونسبه، بالإثبات أو النفي على حد سواء، وبما يجعل الخلاف في كتابة التاريخ بالتعديل والإضافة سهلاً تداركه، أما حين الخلاف حول أثر ممتد في عمق التاريخ إلى مئات أو آلاف السنين، فحتى لو انعدم العلم بحقيقة ربطه بشخصية صاحبه، فيبقى الوجدان الشعبي المتوارث عبر الأجيال المتلاحقة، إلى حاضر مرحلة أيامنا، دليلاً على أثره وتراثه ونسبه.
وللحق نقول، عندما يُحدِّث الأجدادُ أحفادَهم، نقلاً عن أجدادِهم، أنهم كانوا قد ذكروا مسجد صعصعة مكاناً للبر بالنذورات، عرفاناً وشكراً للخالق لما قسم لهم من خير بلغوه، فقد تواتر الذكر لستة أجيال، وهو ما يكفي لإثبات الصفة الدينية والتراثية، التي توجب على السلطات حفظه، فما بال مسجد صعصعة يزعجها، وهو الصحابي الذي عاصر عهد النبوة، وبعده الخلفاء الأربعة، هل ذاك بسبب موالاته لعلي بن أبي طالب، ضد الأمويين، وبهذا صنفته بأنه من أهل الشيعة؟ أم لأن أهلنا الشيعة ينسبونه لتراثهم الديني؟ وماذا في ذلك؟ فأهلنا الشيعة أصلٌ في البلاد كما السنة أصلٌ كذلك، بغض النظر عن الارتحال من البحرين، وإليها من حيث حطوا رحالهم، ولكلا الطائفتين تراثها التاريخي والديني، المتوجب على سلطات الدولة حفظه وحمايته.
إذاً هناك سبب لابد أن يظهر للمتتبع، ليرى مرآى العين، هدم المساجد في الوسيلة والدوافع والتوقيت، وحين الربط ما بين ذلك والأحداث الأخرى، التي تم تسليط ضررها للنيل من أهل الطائفة، من أقوال وأفعال، اتسمت موضوعاتها بالجريمة والجناية، إلا أن السلطات لم تُحرّك ساكناً لمحاسبة المتطاولين، وقد فرطوا من العقاب، لسبب أنهم جاءوا بما في نفس السلطات وبما ترغب، أو أن فاعليها محسوبون عليها، فهل مسعى السلطات هو طمس تاريخ أهل البحرين، كونه يؤخِّر ويصغِّر ويضادد مكانة التاريخ بعده، أم هو التمييز الطائفي بالحرمان، وبالتعدّي على المعتقدات الدينية والتراثية للطائفة؟ أم هو عقاب سياسي لأهل الطائفة؟ كونها الحاضنة للمعارضة الشعبية، المطالبة بإنهاء حالة الاستئثار بالسلطات والثروة، لصالح نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، يحتكم إلى دولة المؤسسات والقانون، بمصدرية الشعب للسلطات، والمساواة في الحقوق والواجبات؟
وإذا لم يكن هذا الفعل أو ذاك ما تأتي به السلطات، فبم تفسر السلطات تطبيقها القوانين عبر الكيل بمكيالين، وفي حالات أخرى بالتصرفات الفردية خارج القانون، وبالحماية من العقاب؟
أما النائب أسامة التميمي، الذي مارس مهامه الطبيعية كنائبٍ عن الشعب، يحاسِب ويسائِل الحكومة، عن كل حيدٍ عن خدمة المواطنين، وعن حفظ حقوقهم وكرامتهم، فقد جاءت السلطات تجاهه بردة فعل سريعة وغير مدروسة، لأنها غير ذات غاية سوى المسّ بشخصه، وبما يغلق الباب أمام غيره، التفكير في الخروج من تحت عباءتها، وخصوصاً بما يؤلمها ويؤلم مواليها من النواب، الذين سارعوا بمثل اللاغية في الشارع بأرذل الألفاظ، كما المثل الشعبي القائل «لسانها يلوط آذانها»، فسارعوا بفعلٍ مخزٍ، فبدلاً من التحقيق في دعوى النائب، بالنظر في تجاوزات مسئولي سجن جو، ضد السجناء بما يمس حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، أنبروا جميعاً للدفاع عن الحكومة، ليس بالعلم واليقين بما جرى في السجن، بل بالظن الآثم أن ما جرى هو محاولة تشويه لسمعة البحرين في حقوق الإنسان، عبر فبركة الأخبار وفبركة معاناة السجناء، باستخدام ذات المفردات لشركات العلاقات العامة، التي تم توظيفها لتلميع صورتها بما يخالف الحقيقة، ونتيجة لتسابقهم إلى البراءة من النائب، خوفاً من تلبسهم مصداقيته، ونتيجةً لجهلهم بمهامهم ولوائحهم البرلمانية والدستورية، وفي محاولة لإظهار الإجماع، وقَّعَ 27 منهم على طلب إسقاط عضوية النائب، في حين أن الحاجة تكفي بطلب عشرة فقط، وبما يخالف الدستور ولائحة المجلس الداخلية. وليس مهماً لديهم تلك المخالفة، بقدر أهمية كسبهم رضا الحكومة، لأن ما أتاه النائب التميمي بالإنحياز إلى الشعب، من الكبائر المحرمة في المجلس، ولذا ونتيجة للرعب الذي اجتاحهم، سارعوا إلى فعلتهم التي أوقعوا أنفسهم في مخالفتها للدستور، فبالإضافة إلى استخدام النصوص الدستورية والقانونية في غير مواضيع معالجاتها، فكيف للجنة الشئون التشريعية والقانونية، أن تنظر وتحقق وتعد تقريرها المحايد، حول الواقعة وتقدمه للمجلس، وهي بغالبية أعضائها من الموقّعين على طلب إسقاط العضوية، والنتيجة أن أعضاء هذه اللجنة الموقعين على الطلب، وكذلك الآخرون من الـ 27 نائباً، لا يمتلكون الحيادية الدستورية للنظر والتحقيق في الواقعة، وليس أمامهم إلا إعفاء أعضاء اللجنة الموقعين، وانتخاب لجنة جديدة من الـ 13 المتبقين.
وفي كل الحالات، إذا ما صوّت المجلس بأغلبية الثلثين على إسقاط عضوية النائب، فلتثق السلطة، وليثق النواب الحاليون والمستقبليون، بأن هذا المجلس قد أسس «لخراب مالطة»، عبر القرار بما يخالف الدستور لتتراكم السوءات والخروقات الدستورية، بإضافة هذا القرار إلى المخالفة الدستورية لعقد جلسة المجلس الوطني، غير الدستورية بناء على طلب رئيس مجلس النواب، أثناء عطلة المجلس في الفترة ما بين دوري الانعقاد الثالث والرابع من الفصل التشريعي الثالث الحالي، بما يراكم مسببات المحاسبة الدولية للبحرين، سواء قصر الزمن أو طال.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4267 – الأربعاء 14 مايو 2014م الموافق 15 رجب 1435هـ