صاب الجندي المصري البطل المرحوم محمد عبدالعاطي 35 دبابة ومجنزرة إسرائيلية إصابات محققة وبليغة في حرب أكتوبر 1973 عطلها عن المشاركة في الحرب وأوقف تقدمها على جبهة القتال مما أثار دهشة القادة العسكريين في الكيان الصهيوني وبشهاداتهم أمام لجنة أجرانات العسكرية، وعرف بين أقرانه بـ«صائد الدبابات«. وكما تعودنا في التراث العربي أن نسمع عن (صائد الظباء أو صائد الغزلان)، لكن صائد الدبابات فهذا مصطلح جديد وغريب علينا خاصة لنا بدول الخليج حيث لم نخض حروبا بهذا المستوى.. فمن هو صائد الدبابات هذا؟ وما هي حكايته؟ وهل حصل من التكريم ما يستحقه؟ أم مثله مثل غيره من المبدعين والمفكرين في عالمنا العربي الذي لا زال لا يقيم الإنسان ولا يكرمه؟ وإذا ما جرى تقييم لهذا المواطن أوذاك فإنما يتم وفق آلية النظام فتغيب الحيادية في التقييم في حالات كثيرة منها حالة عبدالعاطي..
ويبقى الإنسان العادي البسيط هو الخاسر كونه رهن تقييم من لا يعرف التقييم ولايفقه أصول ومقومات التقييم.. هذه المقدمة أوردناها كمقدمة لندخل في صلب الموضوع والحديث عن هذا البطل العظيم من أبناء مصر النجباء. محمد عبدالعاطي مواطن مصري بسيط ولد سنة 1950 بقرية «فيشة فتش« بمركز مينا القمح الكائنة في محافظة الشرقية.. أكمل تعليمه الثانوي وسرعان ما التحق بالجيش وهو في ريعان الشباب وذلك في 15 نوفمبر من عام 1969،. وتشير التحليلات السياسية والتقارير العسكرية عن تلك الفترة أن مصر بدأت تُعد العدة لاستعادة سيناء وغيرها من الأراضي التي احتلت عام 1967،. فبدأت التعبئة وتجنيد الشباب وحشد وتدريب اكبر عدد ممكن من الشعب المصري ليشارك في المعركة القادمة لطالما بقت الأرض المصرية محتلة من قبل إسرائيل. وكانت بداية التحاق محمد عبدالعاطي بالجيش هو سلاح الصاعقة ثم المدفعية وتخصص في إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات والمحمولة على الكتف وهي صواريخ يصل مداها إلى قرابة ثلاثة كيلومترات وتتطلب دقة التصويب وقدرة تحمل خاصة ووضوح في الرؤية لتحديد هدف (الدبابة وموقعها) دون أن ترتعد أكتافه وفصائله إذ يتطلب ذلك ثباتا على الأرض حتى تتحقق إصابة وتدمير الهدف. ومما جعل البطل عبدالعاطي يحرز الإصابة الدقيقة ضد دبابة وضد مجنزرة وراء أخرى ويحصدهم كالهشيم المحترق هو اختياره لإطلاق الصاروخ على منطقة معينة في الدبابة ليست الجنزير ولا المدفعية الخاصة بها ولا جسم الدبابة بل برج الدبابة لكونها أضعف المناطق.. وقد أصاب كل الدبابات التي أطلق عليها ولم يخيب أبدا فكان بذلك مثالا للجندي الصلب المتلهف لقتال العدو والدفاع عن عرضه وأرضه واستحق عن جدارة لقب (صائد الدبابات). وتمضي الحكاية حول البطل عبدالعاطي في القول ان الاستعدادات للمواجهة بين كل من مصر وإسرائيل قد بدأت مع نهاية سبتمبر 1973 ولم يكن العدو الإسرائيلي يعرف بساعة الصفر كما عرفها في عدوانه عام 1967 حين سربت له معلومات واستبق بضربات جوية وقائية ومؤثرة ألحق الهزيمة بالجيوش العربية.. وجعلت إسرائيل تعتقد بأنها في كل مرة تستطيع أن تلحق الهزيمة بالجيوش العربية إلا ان عملية عبور الجيش المصري و تذويب الساتر الترابي وتدمير خط بارليف كانت معجزة عسكرية تشهد للجيش المصري في هذا المهمة الصعبة حيث قلبت موازين القوى لصالح مصر والعرب ووجهت لأسطورة الجيش الذي لا يقهر الضربة القاضية. كما تشير المعلومات المنشورة في هذا الخصوص على شبكات الانترنت أن محمد عبد العاطي التقى بالمقدم عبدالجابر أحمد علي (قائد كتيبة) وطلب منه أخذ إجازة الذهاب لملاقاة الأهل والعودة بهمة في غضون يومين. وهكذا ذهب إلى أهله وعاد في 30 سبتمبر إلى منطقة فايد العسكرية وشاهد مدى جاهزية أفراد الجيش للانطلاقة. وكانت ساعة الصفر هو يوم السادس من أكتوبر حيث بدأت وحدات من الجيش المصري بالتقدم نحو ثكنات العدو ومواقعه.. وبعد الضربة الجوية الساحقة بدأت النيران تشتعل في أرض المعركة وتمكن الجنود من عبور الضفة الشرقية للقناة.. ويسجل التاريخ هنا ان عبدالعاطي هو أول جندي في مجموعته تسلق الساتر الترابي والمعروف بـ(خط بارليف)، وهذا دليل جرأته وتفوقه ومدى الحماس الذي يكتنف حواسه وشعوره بأنه يؤدي واجب الفداء والوفاء لأرض مصر الغالية. كما تشير الوثائق الصادرة عن حرب أكتوبر بان زميلا آخر لمحمد عبدالعاطي يدعى ( بيومي) حصد عددا اقل منه وتناوبا في وقف سير الدبابات العسكرية في أكثر من موقع بل وانسحابها حيث يستنجد بهما لإنقاذ الموقف.. ويكون الأمر بالنسبة إليهما اشبه بممارسة هواية الصيد.. وكان الخيار موفقا دائما. فما هي النتيجة؟.. وأين أصبح هذا البطل بعد أن حطت الحرب أوزارها؟ انتهت الحرب ولم تستثمر الانتصارات التي حققها الجيش المصري على العدو الإسرائيلي.. ولم تستثمر القيادة المصرية أعداد الأسرى الإسرائيليين دون مساومة سواء بشأن اتفاقية وقف اطلاق النار وما تلاها من نتائج وعقدت مصر أول معاهدة صلح بين العرب وإسرائيل عام 1979،. وتقول الرواية ان عبدالعاطي ظل على سجيته إنسانا بسيطا يحب وطنه وأمته ويدعو الأطفال والشباب في منطقته للتهيؤ يوما ما للدفاع عن أرض مصر، فالعدو غادر ولا يؤتمن. وتمضي الايام ولا يجد محمد عبدالعاطي من يعالجه ويعتني به من قبل المسئولين الكبار في مصر حيث هناك روايتان الأولى تقول أنه أصيب بمرض البلهارسيا ورواية أخرى تقول بأنه أصيب بمرض الكبد الوبائي وتوفي رحمه الله في 9 ديسمبر سنة 2001،. ولم يكتب عنه إلا القليل فيما يقال ان إسرائيل احتفلت بوفاته عام .2002 وكيف لا وهو البطل الذي أذاق الجيش الإسرائيلي كأسا من العلقم وحصد بصواريخه 23 دبابة و3 مدرعات على أقل تقدير وبمن فيها من جنود حيث تروي الرواية بأنه كان على احدى المجنزرات (المدرعات) 30 جنديا إسرائيليا.. الله أكبر فيما تشير معلومات أخرى بانه اصطاد 35 بين دبابة ومجزرة.. والله أكبر على هذا الإنجاز! والأسئلة التي نطرحها: أليس الصيد ثمينا؟ وأليس الاداء بطوليا؟ انه صيد الدبابات في معركة الحمى والنيران.. وليس صيد البراري والغابات؟ ألا يستحق المرحوم الفقيد (محمد عبدالعاطي) من الشرفاء والأدباء ورجال السياسة وغيرهم الذكرى والتكريم؟