دبي – شينخوا
بعد عام من الاضطرابات والقلاقل فى 2011، أصبح هناك شرق اوسط جديد فى طريقه ليأخذ شكله . ولكن النتجية النهائية قد لا تظهر عام 2012 ، ولا العام الذى يليه، وإنما سيعرض هذا العقد المنطقة الى تحول هائل .
حقق اقتصاد الخليج، الذى يعتمد الى حد كبير على احتياطيات النفط والغاز ، وايضا على حملة التنوع، نموا كبيرا فى اجمالي الناتج المحلي هذا العام، ولكن التحديات مازالت قائمة وسط مخاطر تدهور المشهد العالمي ، والاضطرابات فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
ومازالت الاضطرابات مستمرة بعد سقوط 4 رؤساء دول عربية فى تونس ، ومصر، وليبيا ، واليمن، نتيجة الإحتجاجات الجماهيرية . وتشهد سوريا اعمال شغب، فيما تهز المظاهرات مصر والبحرين مع سقوط ضحايا. بل وشهدت السعودية، اكبر اقتصاد فى العالم العربي، مظاهرات متفرقة اوائل هذا العام.
ويقول مسعود احمد، مدير صندوق النقد الدولي للشرق الاوسط واسيا الوسطى، " لقد تلقت التجارة بين الدول العربية ضربة بسبب أعمال الشغب، كما اثر ذلك بالطبع على دول الخليج ، ولو ان ذلك بدرجة اقل مقارنة بدول شمال افريقيا."
ومع انخفاض الطلب على الطاقة من اوربا المثقلة بالديون والولايات المتحدة، " قد تنخفض عائدات منطقة الخليج العام القادم"، وفقا لما قال احمد.
وقد تقود ايضا التوترات بين ايران والقوى الغربية، التى تتهم ايران ببناء اسلحة نووية سرا تحت غطاء برنامجها للطاقة النووية ، دول الخليج الى وضع صعب عام 2012.
وضع راهن ثنائي القطبين
يظهر الانقسام فى العالم العربي بشكل اكثر وضوحا عن ذى قبل . فبينما يتوقع أن تحقق الدول العربية المصدرة للنفط والغاز مثل الجزائر ، والسعودية ، ودولة الامارات العربية المتحدة ، والكويت نموا حقيقيا فى اجمالي الناتج المحلي يتجاوز 3 فى المائة، تتعرض الدول العربية المستوردة للنفط مثل سوريا ومصر اكثر الى الركود، وفقا لما ذكر صندوق النقد الدولي.
شكلت دول الخليج العربية الست الغنية بالنفط، السعودية والكويت والبحرين وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة وعمان، مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1981. ووفقا للصندوق، فان دول الخليج ستحقق اعلى معدلات نمو حقيقية فى اجمالي الناتج المحلي عام 2012، ولن يسبقها سوى العراق الذى يتوقع أن يحقق نموا حقيقيا فى اجمالي الناتج المحلي بنسبة 12.6 فى المائة.
وقد استفادت دولة الامارات العربية المتحدة، وخاصة مركزها التجاري دبي، من هذه الاضطرابات، وهي ظاهرة حدثت بالفعل فى الثمانينيات خلال حرب ايران والعراق ، وخلال حرب العراق الثانية عام 2003.
ساعد الاستقرار السياسي فى دولة الامارات ، وارتباط دبي بالعالم، بفضل مطارها الدولي وميناءها البحرى للتجارة الحرة ، وهما الاكبر فى المنطقة، فى ان تكون دائما ملاذا آمنا للشركات العالمية التى تعمل فى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وخاصة خلال الحروب والاضطرابات فى الشرق الاوسط.
وقد اجتذبت دبي عددا من البنوك من سويسرا ، والهند ، ونيوزيلندا هذا العام، بل ونقل عدد من بنوك الاقراض التى تتخذ من البحرين مقرا لها مثل كريديت اجريكول الفرنسي، سادس اكبر بنك على مستوى العالم، مكاتبها فى الخليج من المنامة عاصمة البحرين الى المركز المالي الدولي دبي. وكانت البحرين الاكثر تأثرا فى منطقة الخليج العربية.
وفى الوقت نفسه، طلبت شركة الخطوط الجوية فى دبي (ايميريتس ايرلاينز) المملوكة للدولة 50 طائرة من طراز بوينج 777، للمسافات الطويلة، بقيمة 18 مليار دولار امريكي. ما يعد أكبر طلب لشراء الطائرات التجارية من حيث القيمة الدولارية فى تاريخ شركة بوينج.
ومع تردد السياح القادمون من الغرب فى قضاء اجازتهم فى مصر بسبب المخاوف الأمنية، استفادت دبي من وضعها كملاذ آمن. حيث استضاف مطار دبي الدولي للمرة الاولى اكثر من 50 مليون مسافر هذا العام. وتم افتتاح عدد من الفنادق الفاخرة عام 2011، من بينها فندق جميرا زعبيل سراي على جزيرة نخلة الجميرا الصناعية ، وفى 2012، من المقرر افتتاح اول فندق لوالدورف استوريا فى المشيخة على الجزيرة نفسها.
التحديات الباقية
بالرغم من مؤشرات التحسن الاولية المرئية، الا انه يوجد قاسم مشترك بين الدول العربية المصدرة للنفط والمستوردة له. حيث تعاني جميع الدول العربية تقريبا من بطالة كبيرة، وركود اجتماعي، ودخول عدد كبير من الشباب سوق العمل، وصناعة " انتهى عصرها "، واعتماد كبير على صادرات الطاقة الكربونية.
وبالاضافة الى ذلك، تطالب المرأة بمزيد من الحقوق ، ومزيد من الوظائف. وكانت الطالبات فى طليعة الاضطرابات، ما جعل الناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان تحصل على اول جائزة نوبل للسلام تمنح لسيدة عربية.
بل وحتى الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين لم تشهدا اضطرابات حتى الان، دولة الامارات العربية المتحدة وقطر، تواجهان صعوبات. فقد جاءت بعض أكبر المعارض السنوية فى دبي مثل معرض (جيتكس) لتكنولوجيا المعلومات ، او معرض "بج 5" الصناعي اصغر بكثير من حيث الحجم عام 2011، نتيجة حجز عدد اقل من العارضين الاجنحة ، وحضور عدد اقل من المندوبين.
وشهدت اميريتس ايرلاينز، اكبر شركة طيران فى الشرق الاوسط، انخفاضا فى الارباح بنسبة 75 فى المائة خلال النصف الاول من العام (حيث تبدأ السنة المالية للشركة من ابريل 2011 حتى مارس 2012). وارجع رئيس الشركة الشيخ احمد بن سعيد المكتوم هذا الانخفاض الى ارتفاع اسعار النفط ، بيد أنه قال ان " التسونامي فى اليابان ، وازمة الديون فى منطقة اليورو ، والاضطرابات العربية اثرت أيضا على عملياتنا."
وفى منتصف ديسمبر، قرر مؤشر إم أس سى آى الرائد للإستثمار تأجيل تطوير دولة الامارات العربية المتحدة وقطر الى " اسواق صاعدة " للمرة الثالثة. وبإمكان هذا التطوير جذب المزيد من الاستثمار الأجنبى المباشر الى بورصتي البلدين، ولكن المؤشر ما زال يرى وجود نقصا فى الاطار التجاري المهني ، وحاجة الى الانفتاح على أصحاب الاسهم الاجانب فى البلدين.
وحذرت وكالة (مودي) للتصنيف الإئتمانى مؤخرا من تعرض 3 كيانات مرتبطة بحكومة دبي لمشاكل محتملة فى سداد 3.8 مليار دولار مستحقة عام 2012.
ويظهر مثل هذا العجز ان منطقة الخليج العربية ليست محصنة ضد تأثير ازمات الديون فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وفيما يوجد بالسعودية ربع احتياطي النفط العالمى ، يوجد فى دولة الامارات حوالي 8 فى المائة من الاجمالي العالمي ، وتعد قطر ثالث اكبر منتج للغاز بعد ايران ، وروسيا.
بيد ان وزيرة التجارة الخارجية فى دولة الامارات الشيخة لبنى القاسمي ، قالت أن " النفط لا يوفر وظائف بذاته."
وأضافت أنه "يجب على الدول العربية ترجمة العائدات الى استثمارات للجيل الصغير ، وتنويع اقتصادها."
وسيظل توفير فرص عمل يشكل التحدي الاكبر خلال العقد القادم ، حيث ان ثلثي ال300 مليون عربي من المغرب حتى العراق دون الثلاثين.
وذكر ناصر السعيدي، كبير الاقتصاديين ورئيس إدارة العلاقات الخارجية بالمركز المالي الدولي بدبي، " ان تنويع الاقتصادات العربية امر أساسى لجذب الاستثمار الاجنبي المباشر ، وخفض الاعتماد على طاقة الكربون ، ومساعدة الأشد حاجة من خلال توفير الوظائف لهم ، وضمان النمو المستدام فى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا."
وقال حسام الحوراني ، الشريك بشركة التميمي وشركاه للاستشارات القانونية، لوكالة انباء (شينخوا) ان دولة الامارات "تتحرك بشكل جيد، ومن المحتمل أن تطبق فى الربع الاول من عام 2012 قانونا تجاريا جديدا يسمح للاجانب بالاستثمار أكثر من 49 فى المائة فى الشركات المسجلة فى دولة الامارات."
وقال ناصر السعيدي انها منطقة تبحث عن التوجه السياسي والاجتماعي، وبالرغم من كافة ثروتها من النفط والغاز، تبحث عن الرخاء والاستدامة الاقتصاديين. " ولن تكون هناك عودة الى العالم العربي القديم ، ولكن الامر سيستغرق جيلا حتى يتم حصاد ثمار ،العاصفة العربية المستعرة ."
صوت المنامة:26/12/2011 م