قد يختلف المسلمون في تحديد اليوم الاول من شهر رمضان تبعا لرؤية الهلال في عالم اسلامي متباعد الاطراف قد يسبق ليله نهاره في بلد عن اخر , وتاليا فان عيد الفطر قد يحل في بلد مسلم فيما هو في بلد اخر ينتظر يومه التالي …..
اما وقد بلغت السبعين من عمري , فان مااعرفه بل ويعرفه ابنائي الى درجة الاحفاد , عن عيد الاضحى بانه عيد الحج وان في الاسلام ( الحج عرفه ) فمع الوقوف على جبل عرفات , تكون وقفة العيد التي تسبق العيد بيوم واحد , وهو مالاخلاف عليه في حجة او تاويل ولا اختراع ! …
في العراق تم تاجيل عيد الاضحى فقط كي يعدم الرئيس الشهيد صدام حسين , وكي لايقال بان ذلك مخالف للشريعة الاسلامية , التي لاتجيز القتل ولا القتال في الاشهر الحرم فكيف هو القتل في عيد الحج الاكبر ؟!
هذا على الصعيد الديني وما هو قريب منه , اما على الصعيد الدنيوي , فقد كان ثمة مهزلة اسمها المحكمة , لانعرف قاضي الحكم فيها اين يعيش , هل هو في ضواحي لندن , حيث – بعد اعلان حكمه –طلب اللجوء السياسي الى بريطانيا , ام انه في ضواحي السليمانية بحماية البشمركة وعسس الاقليم الجديد والوليد شمال العراق , ام انه يعيش في حماية ظله الذي يخاف منه ؟!……
قبل ايام من التنفيذ , رفض رئيس العراق غير المقتنع حتى بنفسه , ان يصادق على قرار المحكمة , كي يتم التنفيذ , وادعى انه اقسم يمينا الا يوقع على قرار اعدام في حياته ,
ولما كان التنفيذ يتطلب ( دستوريا ) مصادقة رئيس البلاد , او اعضاء مجلس الرئاسة ( نواب الرئيس حصرا ) , فان ثمة مشكلة دستورية وطاها رئيس الوزارة نوري الماكي , حيث في اعدام صدام , لامحل لدساتير وقوانين , علما بان قائمته الانتخابية اليوم , تحمل عنوانا ظريفا ( دولة القانون ) !..
نحن نعلم ان اعدام الشهيد الرئيس صدام , كان مزيجا من مشيئة امريكية – صهيونية , واحقاد طائفية تعمي بصر العين وبصيرة القلب , على ان الرئيس الشهيد , كما اثبت تاريخه الطويل دون نسبة من احتمال , انه لم يكن طائفيا قط , وهذا هو الكاتب العراقي الشهير حسن العلوي , رفيق صدام وعدوه بآن , يكتب صبيحة الاعدام ( حين القي القبض على صدام , فقد اعدم رئيسا ودكتاتورا , اما حين اعدم بالمشنقة فانه اعدم سنيا ) …
هل كانت مشيئة امريكا واسرائيل في اعدام الرئيس , نابعة من كونه طائفيا او ديكتاتوريا , او صاحب جماعية القتل في الجنوب والانفال وحلبجة ؟ ! …
متى كانت الادارات الامريكية وربيبتها اسرائيل , على هذا النحو من الاخلاق الحميدة ؟..
كم هو عديد القتلى والمعوقين والمشردين والمهاجرين من شعب العراق خلال سنوات الدم في الاحتلال وقبله في العدوان ..
ماهو تقويم السلطة الدمية الحاكمة في العراق اليوم , ولماذا هرعت مثل مخبول وراء الاسراع باعدام الرئيس على طريقة عصابة ملثمة , ترقص حول الجثة بما تخجل منه قبائل الماو ماو قبل قرن في مجاهل افريقيا .
ثم نعود الى بداية السؤال , لماذا هوجم العراق , ولماذا تتجشم دولة عظمى , عناء التضحية بآلاف الرجال من قتلى وجرحى ومعوقين ومجانين …
مع تكاليف آنية ومستقبلية يقدرها الاقتصاديون بترليونات الدولارات في النهاية ؟
هل يمكن لكل هذه النتائج الكارثية, ان تكون لمجرد الانتقام من شخص الرئيس الشهيد , فالدول العظمى لاتجازف من اجل احلال طلباني ومالكي وعلاوي وجعفري وبرزاني …. محل قيادة صدام, والدول العظمى ليست في وارد مغامرات فردية – كيدية , فيما هي تعمل حسب سيناريوهات استراتيجيات عليا على صعيد قارات ومناطق , فقد بات من المفهوم ان ادارة دبليو بوش في الولايتين , كانت ترسم لشرق اوسط متكامل من بحر قزوين الى عدن , وكان لابد ان يكون العراق بوابة المدخل الى المشروع , لا لامر يتعلق بذات العراق , بل لان نظامه الوطني يشكل العقبة الكأداء في وجه هذا المشروع , اما المشروع الامريكي فقد جاء انعكاسا لانتصار (نظرية الامبراطورية ) على يد اليمين الامريكي المحافظ , بما فيه عصابة المحافظين الجدد .
فقد تأمل دهاقنة الفكر في اليمين المحافظ , فوجدوا في حقبة الحكم الوطني للعراق , انه يبعد فعلا عن ميدان الحق الطبيعي للافراد , ذلك ان الدولة في عهد صدام , ظلت صاحبة مشروع لاصاحبة حكم من اجل ذاته , والمشروع قد يحتاج الى سياسات اكراه , فبناء البنية التحتية , يحتاج الى قوانين وضرورات , لا الى تقاليد وعادات , وحقائق الصناعة وتحديث الزراعة والتحكم بالمياه باقامة السدود والقنوات , ودخول ميدان العلم الكوني ( مفاعل ذري اوائل الثمانينات ) , وتاسيس اجيال علم وبحث ومعرفة وتشييد معاهد وجامعات ومختبرات ………
ذلك وسواه لايحقق غايات تقليدية او فردية في مجتمع ( الخلطة ) التي وصفها الشهيد صدام.
فالعراق كما هو الاستاذ القدير علي الوردي , يموج بآيات من حضر وبداوة , فضلا عن السمة الاهم , في كونه مازال يعيش مرحلة من التطور المادي , لاتتجاوز المرحلة الرعوية – الزراعية – النفطية , وهي خلطة تفرز مكونات متعايشة بين طائفة واخرى , وعرق وآخر , ودين ودين , فيما هي لم تعد كذلك اليوم , كانت جملة ( استلمناها خرابة ) التي قالها الشهيد صدام في المحكمة , تختزل تاريخا عراقيا من بداية الاستقلال حتى اوائل السبعينات , وهو اختزال تاريخي مرير وحزين , اذ اين كان العراق خلال ثلاثين سنة من عمر استقلاله السياسي؟! الم تصبح اليابان دولة عالمية باقل من الزمن العراقي المهدور ؟! ولدينا الان جميع الارقام والشواهد التي وصل اليها مشروع صدام التحديثي في العراق , وفي هذا المقام , لايسعنا وضع الجداول المكتظة بأرقام المشروع على صعد كافة , علمية وصناعية وعسكرية وزراعية , واخرى تكنولوجية بدلالة المدفع العملاق الذي انجزه العالم الكندي بول فكان جزاؤه بضع رصاصات في الراس على يد الموساد الاسرائيلي , اما رفاقه من العلماء العراقيين , فلاقوا مصيرهم على ايدي المليشيات الطائفية السوداء , واما غاية المدفع العملاق فهو مشروع لاطلاق قمر صناعي بجهد عربي خاص .
في عيد استشهاد صدام يوم الحج الاكبر , فان كلمات ختامية مع القامة المنتصبة فوق عود المشنقة يجب ان تقال من حيث هي للتاريخ :
فصدام لم يبلغ احد معه او بعده ماوصل اليه , ملئن اخطأ فالاخطاء من طبائع الحياة الفاعلة في تحديات نظام نذر نفسه للوصول الى الهدف , وصدام يسبر الاغوار في طلب نجاح مهمته كما رآها وآمن بها , من دون ان يبالي بما يعترض سبيله من مؤامرات وخيانات , لانه ماكان يرتاع من اصطدامه بالفجائع حيث توقعها مع كل خطوة وقرار .
اليوم , انه الشهيد صدام , وهو ما اعطى معنى لحياته ودوره ومهمته التي نذر نفسه اليها , فالرجل ظل يرى العراق من عرض تاريخه لا من ضيق حاضره , وقد احزنه ان امة العرب بملايينها وقدراتها وجدارة تاريخها … لاتستطيع شيئا لنفسها وفلسطينها والمحتل من اراضيها , فكان قراره الذهاب الى المستحيل في حتمية الخروج من النفق , وهو خروج يعرف ان له ائمانه الباهظة ولابديل .
كان صدام يحلم بعراق نموذج في معجزة الخروج الى العصر , فكان اصطدامه بالداخل المفتون بالاسطورة والتخلف , ثم كانت احقاد الجوار من عرب وغير عرب , وصولا الى اطماع القوة العظمى مشوبة باحقاد تلمودية – توراتية مشتركة …
وامام هذا الحشد المروع , فانه لامجال للتأمل أو التنظير لخظأ هنا او هناك فالعراق لم يسقط لاخطائه بل لاستهدافه .
اننا نصدع لحكمة الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه اذ قال :
(ليس كمن يطلب الحق فيخطئ كمن يطلب الباطل فيصيب )
فالى الخلود ياأمير شهداء الامة .