سهيلة آل صفر
روت لي فاطمة قصتها حينما كانت عائدةً من عملها في المستشفى كممرضة بعد الثامنة مساءً وهى مرهقة، وحال اقترابها من منزلها في تلك القرية المتواضعة وجدت مداخلها قد أغلقت من قبل رجال الأمن، وظهر لها الشرطي ليقول: هي إنتي؟ وين رايحة؟ أجابت: لبيتي. فقال لها: ممنوع الدخول! وإذا أنتِ من القرية حاولي من أماكن أخرى!
وتجاهل نظراتها المنزعجة الغاضبة والمتوسلة في آنٍ واحد، وهي تتساءل: وين أروح بهذا الليل؟ هل ترضى هذا لأخواتك أو نساء أهلك مثل هذه البهدلة في هذا الليل؟ لم يجبها بغير: ابحثي عن مدخل آخر ولا تدوخيني! وهكذا ذهبت كل محاولاتها بالفشل.
هذه الفتاة لم تتجاوز العشرين عاماً، تبحث عن طريقةٍ للوصول إلى بيتها، حاولت الذهاب إلى منفذ آخر فوجدته مغلقاً وهناك شرطي آخر يحرس المدخل أيضاً.
ولسان حالها: أجدني أجوب الشوارع بحثاً عن بيتي وأنا متعبة، ولا أريده مكاناً للنوم فقط. من سيصدّق معاناتي. رأيتها تداري دموعها وهي تسرد حكايتها. وأضافت: لم أتوقع يوماً أن وطني سيعاملني بمثل هذه القسوة. أكاد لا أصدق. أنا وحيدة وضائعة في هذا الليل الموحش، وأبحث عن مأوى!
وتضيف: بدأت رحلة بحث جديدة، وهمت على وجهي بين الأزقة وأنا أرى الشرطة تغلق عني كل المنافذ المؤدية إلى بيتي. أعياني التعب ولم أعد أعرف كيف سأتصرف! كلّمت خطيبي وهو يحاول رصد مكاني، وأخذنا ثلاث ساعات لنجد بعضنا البعض وذلك بسبب غلق كل الطرقات.
وقرّرنا أخيراً الترجّل وترك السيارات، والسير على أقدامنا، ووجدنا الكثيرين ممن سلكوا المنهج نفسه وهم سائرون على الأقدام. كانت سيارات الشرطة تسد كل زرنوق، ما يصعب حتى السير مشيا، ما هذا الذي يجري هنا؟ هل يحق لهم أن يمنعونا من دخول بيوتنا أو يسجنوننا داخلها؟ وكيف يتم التعامل معي هكذا؟ فأنا عائدةٌ من عملي ولا وقت عندي لأي نشاط سياسي، لا ذنب لي سوى محاولة العيش والعمل؟
إنني إذا لم أعمل في هذه الظروف الصعبة فسوف نجوع ونتشرد كعائلة دون عائلٍ غيري! فوالدي متوفى وأنا أعول اخوتي الأربعة الصغار بمعاشي المتواضع، ومعهم والدتي المريضة. أهو ذنبنا بأننا نعيش في هذه القرية؟
وأضافت بصوتٍ أكثر ارتفاعاً: هل تعتقدون أننا نمنا ليلتها؟ لقد كانت ليلةً ليلاء، لم نذق خلالها طعماً للنوم بسبب مفرقعات الصوت القوية التي تخترق الآذان ومسيلات الدموع.
عذراً! لقد نسيت أن أذكر أنها واحدة من إحدى الليالي الكثيرة التي عانينا ومازلنا نعاني منها أنا وغيري. لم ننضم إلى أي نوعٍ من الأنشطة كالمظاهرات أو الكتابة ضد النظام يوماً، ومع ذلك هم لا يفرّقون، ويجازون الكل في العقاب بحيث يشمل العقاب والظلم جميع الساكنين. وبهذه الطرق الصماء سوف يجبروننا على اتخاذ مواقف خاصة لاسترداد كرامتنا الضائعة في مثل هذه الليالي القاسية.
انتهى الكلام، ومضت تاركة وراءها أسئلة مهمة: ما هو ذنبنا كي نعاقب جماعياً بهذه الصورة؟
رأيت يومها نوعاً جديداً من البشر. نوعٌ لديه إصرارٌ ما بعده إصرار. نوعٌ يريد الكرامة والعدالة، وعلى استعدادٍ تامٍ ليدفع حياته ثمناً لذلك. رأيت قنابل موقوتة صنعناها بأيدينا بسوء تعاملنا مع الناس.