قاسم حسين
مر عامٌ كاملٌ على إسقاط الجنسية البحرينية عن 31 مواطناً بحرينياً، بينهم سيدةٌ واحدة، وعالما دين، ومحامٍ، ونائب سابق (برلمان 1973)، ونائبان حديثان (برلمان 2006 و2010).
المجموعة تم انتقاؤها من دوائر المعارضة، من مجموعتين سكانيتين كبريين. وأكثر من نصف هذه المجموعة تعيش في الخارج، بعضها من موجات المهجّرين السابقين، وبعضهم من موجة المهاجرين الجدد بعد 14 فبراير/ شباط 2011.
الهجرة ليست جديدةً على تاريخ البحرين السياسي، فكثيراً ما تعرّض الناشطون والمعارضون البحرينيون إلى هجرة طوعية أو قسرية، كما حدث في أعقاب الأحداث الكبرى كالهبّات والانتفاضات، على امتداد القرن الماضي (العشرين). وهو ما يفسّر جزئياً وجود جماعاتٍ بحرينيةً كبيرةً تعيش في الخارج، في مناطق مختلفة من الخليج والعراق وإيران. بعض هذه التجمعات تندمج في البيئة الجديدة، وبعضها يبقى مرتبطاً بأرضه يترقب الفرصة ليعود في أقرب انفراجةٍ سياسية.
المجموعة التي أسقطت جنسياتها قبل عام، شكوا كثيراً مما لحق بهم جراء القرار، من سلب حقوقهم الطبيعية كمواطنين، وما ترتب عليه من إيقاف معاملاتهم في الدوائر الحكومية، والإضرار بمصالحهم وأوضاع معيشتهم واستقرار أسرهم. واعترضوا على طريقة التعامل هذه، التي لا تقيم وزناً لأية اعتبارات حقوقية أو إنسانية، فـ «المواطنة والانتماء للأرض لا يمكن سلبه بقرار أو سحب أوراق» كما يقولون.
وزارة الداخلية أوضحت في بيانها عن إسقاط الجنسيات عن هؤلاء المواطنين، أنها استندت إلى بند بإحدى مواد قانون الجنسية، «التي تجيز إسقاط الجنسية عمّن يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة»، وهذه التهمة يمكن للدولة بسهولة، أن تلصقها بمن تريد إرعابه ليجمد نشاطه السياسي أو يغير موقفه أو يتوقف عن التعبير عن رأيه بصراحةٍ فيما يجري في البلد، بشأن الحقوق والمواطنة والمساواة والتمييز والإقصاء. كانت الرسالة سياسية لضرب طيفٍ واسعٍ من الشارع الذي ينادي بالتغيير ويطالب بديمقراطية سليمة وعدالة اجتماعية ودولة قانون ومؤسسات حقيقية.
حجّة «الإضرار بأمن الدولة» استخدمت طوال عقود ضد المعارضين، ويعاد استخدامها هذه الأيام. وهي خطوةٌ قد تلحق الأذى بعشرات الأسر، وبالمئات أفراداً، من أعمار مختلفة، فالأذى والحرمان وتضييق سبل العيش لا يقتصر على الشخص المستهدف لنشاطه أو موقفه السياسي، وإنّما يطال أبناءه وأحفاده، وربما والديه، حين يطلب منه مغادرة أرضه والبحث عن وطن بديل.
هذه السياسة، ليس وراءها إلا إيقاع الضرر النفسي والمعنوي والمادي بالضحايا، وهي أعجز عن إيقاف تطلعات الشعوب في تحقيق أحلام بغدٍ أفضل، وخصوصاً أننا نعيش في فترة الربيع العربي، حيث يشكل الشباب سبعين في المئة من السكان في هذه المنطقة، وهم لهم أحلامهم في حياةٍ حرةٍ كريمةٍ، ولهم تطلعاتهم بالمشاركة في صنع قرارهم ومصيرهم.
إسقاط الجنسية أداةٌ من أدوات السياسة القديمة، التي لا تحظى بأي قبولٍ في عالم السياسة اليوم، حتى من أقرب الحلفاء والأصدقاء، بما فيها تصريح وزارة الداخلية بأن الإجراء جاء تماشياً مع «الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وعلى الأخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية». وهو ما دفع منظمة العفو الدولية إلى مطالبتها بإلغاء القرار على الفور، حيث قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة «إن إسقاط جنسية منتقدي الحكومة يدلل على أن السلطات البحرينية تواصل استهداف أي شخص ينتقدها… وأن الانتقام له تأثير سلبي على حرية التعبير، وتترتب عليه آثار خطيرة على حقوق الإنسان للجميع في البحرين».
هذه الأداة السياسية القديمة للثأر من المعارضين… ألم يحن الوقت لتجاوزها من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون، وحفاظاً على كرامة الإنسان؟