حسن المدحوب
ليست هي «رزالة» شعب، عندما يبدي البحرينيون استياءهم من البذخ المفرط، الذي تحيط به الحكومة أصحاب السعادة النواب، بدءاً من أول يوم من فوزهم، وتقديم 40 سيارة فارهة لهم، قيمة الواحدة تبلغ 36 ألف دينار، بما مجموعه مليون وأربعمائة وأربعين ألف «نوط أحمر»، وانتهاءً بتقاعدٍ يحلم بربع مزاياه 600 ألف بحريني!
الآن نسمع أن الحكومة عازمة على رفع راتب النائب الذي يستلم حالياً 4750 ديناراً شهرياً فقط، ويصرف له راتب تقاعدي بمعدل 40 في المئة عن الأربع سنوات الأولى، و80 في المئة عن الأربع التي تليها، وسمعنا أن نواب التكميلية الذين لم يكملوا إلا ثلاث سنوات سيستلمون الراتب التقاعدي بنسبة 40 بالمئة، ولا ندري إذا كان هذا الصرف السخي على النواب منذ وصولهم إلى البرلمان وحتى خروجهم، يستقيم مع فلسفة القانون والمنطق والعقل، فهؤلاء النواب أساساً جاءوا لكي يراقبوا الحكومة ويوقفوا التجاوزات والفساد فيها، تلك هي مهمتهم الرئيسة التي انتخبهم الناس من أجلها والتي صممها الدستور لهم، إلى جانب التشريع.
ربما نحتاج محللاً نفسياً ليقدم لنا تفسيراً لكل هذه البحبوحة الحكومية في التعامل مع أصحاب السعادة النواب، في الوقت الذي يبشر المواطن البحريني الساكن في الرفاع أو سترة – سيان – بسياسة شد الأحزمة والتقشف وشح الموازنات وترشيد النفقات، وحبذا لو شمل التحليل انعكاس هذا الكرم الحاتمي على تعامل النواب مع مخالفات الحكومة.
الشعب «مو رزيل»، و«مو حاط عيونه على بيزات النواب»، ولكنه لا يفهم سياسة الإغراق المالي التي تقوم بها الحكومة اتجاه من دورهم هو أن يصححوا أخطاءها أو يوقفوا تجاوزاتها وفساد المفسدين فيها!
إذا كنا نتحدث الآن في هذا الموضوع، فليس لأن المعارضة خارج البرلمان، فقد عبنا على الوفاق في 2006 و 2010 استلامها لكل هذه المزايا من سيارات وتزعمها ودفاعها عن سنّ تقاعدٍ فاحشٍ للنواب، واليوم ذات الكلام نوجهه إلى الحكومة والنواب الجدد، خاصة أولئك الذين وعدوا ناخبيهم صراحة بأنهم لا يريدون إلا خدمة الناس وأنه لا طمع لهم في راتب أو سيارات.
الانطباع الأول الذي يصل إلى أذهان الناس بعد قراءتهم لخبر سيارات النواب «الهاي»، هو أن هؤلاء النواب لم يكونوا يملكون سيارة قبل دخولهم البرلمان، أو ربما يملكون واحدة ولكنها «تفشل»، فلذلك أنعمت عليهم الحكومة بالسيارات الجديدة!
المبلغ المخصص فقط لسيارات النواب الفارهة، يكفي لبناء قرابة 50 وحدة سكنية للبحرينيين الذين ينتظر الواحد منهم 20 عاماً للحصول على سكن يضمه، فما بالك لو جئنا وحسبنا بقية الامتيازات التي يحصل عليها نواب الشعب!
إذا كان هذا أول الغيث في أداء وتعامل أصحاب السعادة النواب مع المال العام، ونحن على أبواب سنواتٍ عجاف بسبب انخفاض أسعار النفط، فكيف سيكون حال الشعب معهم خلال أربع سنوات مقبلة!
كل ما نرجوه من الحكومة الكريمة، هو ألا تعطي الناس في الأيام المقبلة دروساً في التقشف وشح الموازنات، وكل ما نتمناه من أصحاب السعادة النواب أن يبروا بقسمهم الذي سيقسموه بعد أيام في الدفاع عن الشعب.