هاني الفردان
لم أتخيل يوماً أن أجد ذلك المشهد الذي اعتدنا على رؤيته في فلسطين الحبيبة، من معاناةٍ لسكانها مع الحواجز الأسمنتية «الإسرائيلية»، وكيف يحاول الأطفال والطلاب الفلسطينيون تجاوزها للعبور والوصول إلى مدارسهم… أن نشهد ذلك المشهد على أرض بلدنا.
صور كثيرة انتشرت قبل أيام لأطفال في منطقة الدَيْه، يحاولون تجاوز الحواجز الأسمنتية التي وضعتها الأجهزة الأمنية لتغلق طريقاً يربط مناطق سكنية بمدارس ابتدائية.
أطفال في عمر الزهور، يتسلقون، يتسللون، بين تلك الحواجز الأسمنتية سعياً للوصول إلى ثلاث مدارس عُزلت عنهم بحواجز «أمنية»!
من حق الأهالي أن يتذمروا من ذلك الإجراء، الذي يمكن أن يوصف بـ «العقاب الجماعي»، والذي ينال من الأطفال وسلامتهم، ومن حقّ الأهالي أن يسألوا وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة عن مبررات عزل منطقةٍ بأكملها عن مدارسها بتلك الحواجز، والتضييق عليهم، حتى وإن كان ذلك لدواعي «أمنية».
كحال الفلسطينيين الذي عملوا على حفر تلك الجدران والحواجز الأسمنتية ليشقوا طريقاً لهم ولأبنائهم، عمد بعض أهالي الديه إلى إسقاط قطعة أسمنتية حتى يتسنى للطلبة التسلل بين أركانها وفواصلها، أو من فوقها للوصول إلى مدارسهم. مشهدٌ لا يمكن أن يتخيّله أحدٌ في دولة خليجية، ترى أنها تجاوزت بديمقراطيتها أعرق الديمقراطيات الغربية، وأنها بلغت بمنهجيتها الحقوقية ما تجاوزت توصيات تقصي الحقائق.
في التاسع عشر من أبريل/ نيسان 2014 نفى رئيس الأمن العام اللواء طارق الحسن لصحيفة محلية، إغلاق نقاط «السيطرة الأمنية» لمداخل القرى، لافتاً إلى تعمد بعض السائقين تعطيل حركة السير بهذه المواقع!
رئيس الأمن العام يرى أن وجود «نقاط سيطرة أمنية وليست نقاط تفتيش، وهي جزء من خطة أمنية متكاملة لاستكمال خطة انتشار الدوريات والحراسات الثابتة للحد من التحركات المؤثرة على الأمن».
رئيس الأمن العام يؤكّد أيضاً أن قوات الأمن تقوم بفتح مخارج القرى ورفع حواجز يضعها البعض لإغلاق الطرقات، كما يؤكّد أيضاً أنه في بعض الأحيان تضطر القوى الأمنية «أحياناً» لإغلاق المداخل لبعض الوقت عند وجود عملية أمنية، حفظاً لسلامة المواطنين.
ولكن لم نجد بعدُ تفسيراً لغلق طرقات بسواتر ترابية ومخلفات بناء في مناطق سترة من مختلف الجهات ومنذ شهور، ولم نجد تفسيراً للحواجز الأسمنتية التي فصلت منطقة الديه عن مدارسها الثلاث، ولا تفسيراً لتزايد مساحات الأسلاك الشائكة.
المتتبع للمشهد البحريني يجد فيه الكثير من التناقضات، خصوصاً عندما تتابع الإعلام البحريني، فلا تعرف هل البحرين بخير، كما نسمع من تصريحات لا تتوقف عن البوح بذلك، أم تقرأ الصحف التي تأتي بعكس ذلك، فالمشهد لديها متأزمٌ أمنياً، ومختنقٌ فكرياً، ومتشنجٌ طائفياً!
المتناقضات كثيرة، فبين أن البحرين عادت إلى طبيعتها، وانتهت من أزمتها، وأصبحت الأمور أفضل بكثيرٍ مما كانت عليه، نجد قرى ومناطق أصبحت محاطةً بالأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية، بل أضف إلى ذلك السواتر الترابية ومن كل الاتجاهات، وضمن الإجراءات الأمنية التي لا يعرف رئيس الأمن العام متى تنتهي بحسب تصريح له في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء (5 مارس/ آذار 2014) للإعلان عن القبض على أربعة من المتورطين في «تفجير الديه».
وبين تصريحات بعض المسئولين، بأن البحرين بخير، نجد على العكس من ذلك في المشهد العام… مساحات الأسلاك الشائكة في ازدياد، مع استمرار وجود جدران العزل.
مشاهد الأسلاك الشائكة تجدها في كل مكان، بدءاً من المكان الذي كان يحتضن «دوار اللؤلؤة»، ومن ثم الساحة المقابلة لمجمع الدانة، إلى أن أصبحت جميع مناطق البحرين التي تشهد تحركات معارضة، تقبع تحت وطأة تلك الأسلاك الشائكة.
مشهد الأسلاك الشائكة والسواتر الترابية والحواجز الأسمنتية المنتشرة، يعكس صور التأزم الحقيقية لما يحدث في البحرين. جزء من تعقيدات المشكلة هو زيادة مساحات التضييق الأمني عبر فرض تلك الحواجز والأسلاك كحل ومخرج لما تعيشه تلك المناطق من تطورات أمنية ومناوشات يومية، وهو يعكس أيضاً حقيقة الأسلاك الشائكة والحواجز المتينة التي تحيط بأي حل سياسي يمكن أن ينقذ البلد مما هو فيه.
كنا من قبل نتحدّث عن نقاط تفتيش، تشهدها البحرين، حتى خرج رئيس الأمن العام يتحدّث حالياً عن «نقاط سيطرة»! كما نشهد سواتر ترابية، وحواجز وجدراناً أسمنتية، وألفاظاً ومصطلحات أمنية جديدة تعكس حقيقة الأوضاع البحرينية المتأزمة.
ليس صحيحاً أن فرض الأمر الواقع قد يجبر أحداً على التراجع عن ما يطمح إليه ويفكّر فيه، وليس من المنطق أبداً أن تبقى البحرين ساحة حربٍ محاطةً بالأسلاك الشائكة والسواتر الترابية والحواجز والجدران الاسمنتية، مع انتشار لـ «نقاط السيطرة»، ومن ثم نقول للعالم «ديرتنا بخير».
الحل لمن يريد الحل، سياسي، عبر تحقيق المطالب المتحضرة والواعية، فالزمن لا يقف، والتاريخ لا يرحم، والشعوب تتقدّم ولا تتأخر، وطموحات الشعوب لا تعيقها أسلاك شائكة ولا سواتر ترابية وحواجز أسمنتية ولا غازات خانقة… وهذا ما يقوله التاريخ.