أكاديمي عراقي في المهجر |
تمهيد: كانت المطالبة بتأميم النفط الخام في العراق في العام 1951 الشرارة التي مكنت من الوصول الى إتفاقية تقاسم العراق لعوائد النفط مع الشركات النفطية الاجنبية عام 1952، ومعها وضع مجلس الاعمار أول خطة طويلة الامد لتطوير التعليم العالي وتحقق فيها تقدم ملموس نتيجة لزيادة عوائد العراق. وخلال الفترة 1958-1970 اعتمدقطاع التعليم العالي استرا تيجية الاستقرار مع نمو بطئ في بناءه ونشاطاته. وقد أكد الدستور العراقي المؤقت لعام 1970م أن الدولة تضمن حق التعليم المجاني في جميع المستويات الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي لجميع المواطنين، وتعتبر الحكومة مسؤولة عن وضع السياسات التعليمية والإشراف عليها وكذلك تمويل التعليم وتطوير وتنفيذ البرامج التعليمية. ويستطيع العراق أن يفاخر بامتلاك أقدم الجامعات في العالم، وهي الجامعة المستنصرية، التي تأسست عام 1280م. ومع أن نشاط الجامعة قد توقف، إلا أن عادت عام 1963 ولا زالت قائمة حتى الوقت الحاضر. وفي عام 1970 تقرر إستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كما تقرر استحداث مجلس التعليم العاليليكون الهيئة العلمية العليا في العراق ويكون برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية وزيري التعليم العالي والبحث العلمي،والتربية، ورؤساء الجامعات، ورئيس مؤسسة البحث العلمي، ورئيس منظمة الطاقة الذرية، ورؤساء الدوائر العلمية في الوزارة. ولقد اكد قانون الوزارة على رؤية الدولة لهذا القطاع بتأكيده على ضرورة قيام الوزارة بتنفيذ سياسة الدولة التربوية والثقافية والعلمية والتكنولوجية في نطاق المؤسسات الرسمية والاهلية. وتمارس ذلك من خلال تخطيط منهجي عام يستهدف احداث تغيير نوعي في الحركة العلمية والتعليم العالي وبجميع مؤسساتها واجهزتها ومناهجها إلى مستوى العصر العلمي والفني والتكنولوجي ويجعلها قادرة فعلا على اداء رسالتها المقدسة في تلبية وتغطية جميع احتياجات وتطلعات الشعب الوطنية والقومية والانسانية. فضلا عن تحقيق الانسجام والتكامل بين مناهج وأهداف الحركة العلمية والتعليم العالي وبين الخطط العامة للدولة في شتى مرافق نشاطاتها السياسية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية فيما يلبي ويغطي احتياجات الامة على المدى الطويل. وتؤكد المؤسسات الدولية المستقلة ومنها اليونسكو ان السنوات 1970 – 1984 هي السنوات الذهبية في تاريخ التعليم في العراق حيث وصل الانفاق الحكومي على التعليم بواقع 620 دولار للطالب الواحد، وشكل الإنفاق في مجال التعليم حوالي 6 ٪ من الناتج القومي الإجمالي و20 ٪ من موازنة الحكومة العراقية. وكان النظام التعليمي في العراق يوصف بأنه قبل عام 1990، واحد من الأفضل في المنطقة. بدأت رحلة تطوير الجامعات العراقية منذ عام 1970 بعقد المؤتمر الاولالذي ناقش المحاور الرئيسية للعملية التعليمية التربوية. وبدأت رحلة التطور والبناء المؤسسي وانطلق برنامج الدراسات العليا وصدر قانون رعاية الكفاءات واستكمل استقلال جامعتي الموصل والبصرة من جامعة بغداد، وتم خلال السنوات 1970-1975 ارسال اكبر مجموعة من طلبة البعثات العلمية الى خارج العراقوخاصة في التخصصات الحاكمة ووصل عدد طلبة البعثات في ميادين العلم والتكنولوجيا وطلاب الدراسة على النفقة الخاصة في بريطانيا لوحدها اكثرمن 12000 طالبفي الدراسات الاولية والعليا. كما قامت وزارة التخطيط مطلع عام 1975 بالتعاقد مع احدى شركات الخبرة العالمية لوضع استراتيجية لتطوير وتنمية الموارد البشرية للسنوات 1975-2000 ضمن مشروع اطلق عليه (مشروع تخطيط الطاقة البشرية العالية)، حيث وضعت الشركة العالمية خطط استراتيجية وتصورات لتطوير التعليم في العراق بمراحله المختلفة التعليم العام والتقني والدراسات الاولية والعليا، فضلاً عن الاسقاطات السكانية وانعكاساتها على خطط التعليم. وقد شهد التعليم العالي خلال السنوات 1975-1985 نهضة وتطور كبيرين على مختلف الأصعدة، الا إن الحرب العراقية الايرانية عطلت جزء كبيرا من المشروع الوطني للنهوض الحضاري لانها استنزفت اكثر 200 مليار دولار من موارد العراق على مدى السنوات الثمان، فضلاً عن تأثيراتها الاخرى نتيجة تحول الاقتصاد العراقي من اقتصاد التنمية الى اقتصاد الحرب الذي قلص من موازنة التعليم العالي الاستثمارية والجارية وانعكس ذلك على تقليص كبير في قدرات الجامعات في تطوير وتحسين عملياتها وبرامجها. ورغم الركود الذي واجه مؤسسات التعليم العالي خلال السنوات 1980-1988 الا ان محاولات جادة قد جرت للنهوض به لانه يشكل أحد أبرز وظائف ادارة الموارد البشرية لتلبيته حاجات اجتماعية تتعلق باكتساب المعارف وتلبية لحاجات اقتصادية التي ترتبط بتكوين المهارات اللازمة في سوق العمل مما يتطلب استراتيجيات وسياسات ناجعة. وعقدت في تموز 1981 ندوة ناقشت واقعه وسبل النهوض به، وخلال الفترة اعلاه شهد القطاع تطورات كميةاستجابة للحاجة الملحة نتيجة زيادة مخرجات التعليم الثانوي التي كانت نتيجة منطقية لتطبيق الزامية التعليم. فاستحدثت نهاية الثمانينيات جامعات بابل والانبار والكوفة والقادسية وتكريت.ولكنها جامعات عملت وفق مستويات الحد الادنى فمبانيها التي خصصت لها كانت بالاصل معاهد تقنية، وكانت الطاقات الاستيعابية للجامعات محدودة في تخصصاتها وعدد المقبولين فيها. وفي ظل هذا الواقع عام 1991 أصبح مطلب المواءمة بين حاجة سوق العمل للمعارف والمهارات والقدرات وبين مخرجات التعلم التي يجب ان تحققها البرامج التعليمية في مراحل التعليم المختلفة، مطلباً استراتيجياً، لذا فأن تجاهل هذا المطلب يقود إلى تضاءل فرص تشغيل العمالة الوطنية من حيث قدرتها التنافسية للحصول على فرص عمل تتيحها أسواق العمل. كما ان التعليم من جهة اخرى يجب ان يلبي احتياجات الانسان الراغب في التعليم. في ظل هذه المعطيات كان على الدولة إعادة النظر برؤية ورسالة التعليم العالي واستراتيجياته واهدافه مرورا بسياساته وبرامجه وكما يلي: 1. التحول في رؤية التعليم العالي ليكون في متناول جميع الراغبين بدلا من توفره للنخبة من خريجي التعليم الثانوي لسد احتياجات التنمية. 2. التغير في رسالة مؤسسات التعليم العالي من توفير مخرجات من المتخصصين والمهنيين من حملة البكالوريوس والدبلوم التقني، الى رسالة تؤكد على الدراسات العليا فضلا على الدراسات الاولية والبحث العلمي وخدمة المجتمع. 3. رسم أهداف استراتيجية تعيد النظر بنسب الملتحقين بالتعليم العالي من الفئة العمرية 18-23 من 8% عام 1991 لتصل الى 24% بحلول عام 2000 وهو ما تحقق فعلاً خلال الفترة. 4. تحديد أهداف استراتيجية لنسب مخرجات التخصصات الحاكمة (الطب و الهندسة والطب البيطري وطب الاسنان والعلوم وغيرها الى نسب السكان لتصل الى النسب المتحققة في دول مماثلة للعراق في النمو. 5. المرونة العالية في رسم سياسات التعليم العالي وفي نقل السياسات الى حيز التطبيق الفعلي. 6. التوسع في موازنات التعليم العالي ومؤسساته لتصل الى نسبة تزيد عن 1.2% من الموازنة التشغيلية السنوية للدولة، بعد ان كانت تقل عن 0.07%.وتخصيص موازنة مستقلة للدراسات العليا وزيادة حجم الموازنة الاستثمارية لتطوير البنى التحتية. 7. منح الجامعات صلاحيات واسعة في استخدام مواردها البشرية والتي كانت تؤول للخزينة المركزية للدولة قبل عام 1992. 8. وضع نظام للاعتماد الاكاديمي للمؤسسات الجامعية الخاصة بهدف الارتقاء بجودة التعليم الخاص. وتطبيق المواصفة العالمية على احدى الجامعات الحكومية كنموذج ريادي يعمم على باقي الجامعات بعد استقرار تطبيقها في النموذج الريادي. 9. تطبيق نظام لتقويم الاداء الجامعي اطلق عليه(الملف التقويمي) لتقويم مدخلات وعمليات ومخرجات المؤسسات التعليمية من خلال مؤشرات تفصيلية تزين عن 50 مؤشر للقياس والبدء بتطبيقه منذ العام 1996 لتقويم اداء الجامعات العراقية. 10. وضع استراتيجية خاصة بالدراسات العليا والبحث العلمي واستحداث ادارة مركزيةعليا في وزارة التعليم العالي تهتم بالدراسات العليا والبحث والتطوير. 11. اعتماد مشاريع ريادية استراتيجية للبحث العلمي لعل ابرزها مشروع بحوث الادوية، وتخصيص موازنة خاصةلهذا البرنامج وزج الكوادر التدريسية في تنفيذه بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيون في مؤسسات حقل العمل. 12. الارتقاء بنظام تقويم اداء اعضاء الهيئة التدريسية وربط الاداء الفردي بالأداء المؤسسي وتحفيز وتثمين اعضاء الهيئة التدريسيةمن خلال شمولهم بقوانين رعاية العلماء (الذي يتضمن حوافز مادية ومعنوية) واعتماد جائزة الاستاذ الاول على الجامعة والكلية. وبذلك يمكن القول ان استقرار منظومة التخطيط الاستراتيجي قد استكملت مع بداية عام 2001 لتضع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي استراتيجيتها العشرية الثانية للسنوات 2003-2012 ورفعها للقيادة لاعتمادها بعد تحليل علمي ودقيق للبيئتين الداخلية والخارجية، تم بضوئها صياغة استراتيجية واضحة المعالم ترتكز على سيناريوهات تلائم كل مرحلة وحالة، ومرفق بها موازنة استثمارية تمت مناقشتها مع هيئة التخطيط بالدولة فضلاً عن نظام متكامل لتقويم الاداء الجامعي بعد استكمال البنى التحتية لعلميات التخطيط الاستراتيجي وتقويم الاداء. جامعة صدام، ميدان متقدم لرعاية الكفاءات العلمية المحور الأول: الادارة الاستراتيجية للتعليم العالي: اهتمت الجامعات العراقية بالتخطيط الاستراتيجي كنتيجة حتمية لتسارع الاكتشافات والاختراعات العلمية التي ادت الى تغير نوعي وكمي في عالم الاعمال والصناعة وما صاحبه من تغير نوعي في الطلب على مخرجات الجامعات. وقد أثر ذلك على اشتداد المنافسة بين الجامعات خاصة في ظل ظروف العولمة وانتشار الجامعات العالمية والاقليمية في منطقتنا العربية. وقد اثر نقص الموارد وتناقص دور الدولة في دعم الجامعات الحكومية الى اهتمام الجامعات بموضوع التخطيط لمستقبلها في ظل قدراتها البشرية والمادية.كما ان التحولات التي شهدها العالم نتيجة العولمة والاتجاه نحو اقتصاد المعرفة القت بضلالها على الجامعات واجبرتها على تطوير برامجها الاكاديمية وتخصصاتها وانشطتها الاخرى. إن بناء الرؤى والتوجهات المستقبلية بما تتضمنه من مبادئ حاكمة للمشروع الوطني هي بالاساس لبناء قوى بشرية عالية المستوى راقية النوعية تستند على: 1. تأسيس العقلية النقدية وبناء القدرات الابتكارية وتأمين التعليم الذاتي. 2. بناء علاقات قوية بين الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني المحلي بحيث يصبح التعليم ومشكلاته ملكاً للمجتمع فكرا وممارسة، أجهزة ومواطنين. فضلاً على الموائمة بين مدخلاته ومخرجاته مع حاجة قطاع الاعمال والصناعة بل مع حاجة المجتمع ككل وهو ما عملت به الجامعات العراقية ووزارة التعليم العالي في مسيرتها على مدار ثلاثين عاماً من 1970-2000. وقد مرت عملية التخطيط الاستراتيجي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق بثلاث مراحل منذ استحداثها عام 1970 حيث يمكن تقسيمها كما يلي: مرحلة السبعينات: سعت الوزارة الى وضع خطة استراتيجية بعد استحداثها وانطلقت من دراسة واقع حال التعليم العالي في العراق منذ نشأته بداية القرن العشرين وابرز عوامل نجاحه وفقا للتطور الذي شهده العراق وفي ضوء ذلك حددت مجموعة من النقاط الاساسية في صياغة استراتجيتها ابرزها كان تشكيل مجلس للتخطيط الاستراتيجي اطلق عليه مجلس التعليم العالي برئاسة رئيس الجمهورية. واقرار الهيكل التنظيمي للوزارة كما تم وضع تصورات للدراسات العليا والبحث العلمي فضلا عن القبول في الدراسات الاولية والبنية التحتية للجامعات. وتميزت تلك الفترة بدور القدرات القيادية الجامعية العالية التي لم تستثمر بشكل كامل بسبب نقص كبير في المستلزمات البشرية خاصة في اعضاء هيئات التدريس فضلا عن النقص في البنى التحتية للجامعات.ونتيجة للزيادة التي تحققت في ايرادات النفط نتيجة لقرارات التاميم عام 1972 فقد شهدت توسعا في البنى التحتية للجامعات. مرحلة الثمانينيات: عقدت خلال هذه الفترة واحدة من الندوات الفكرية الخاصة بالتعليم العالي سميت ندوة تموز. وقد شخصت فيها ابرز التحديات التي واجهت التعليم بشكل عام والتعليم العالي بوجه خاص. وقد رسمت رؤية جديدة للتعليم العالي. وقد صدرت على اثر الندوة قرارات لم تساهم في تطور التعليمالعالي مثلما هدفت، بل ادت الى تراجعه فبدلاً من تطور النظام الدراسي الفصلي الذي كان معتمداً الى نظام المقررات، عادت الجامعات للنظام السنوي.كما زاد الدور المركزي للوزارة على حساب دور الجامعات، وتحول دور مجلس الوزارة من التخطيط الاستراتيجي الى دور التدخل في التنفيذ. الا ان الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 استنزفت موارد العراق ووقفت حائلا دون تنفيذ مشاريع ومبادرات تلك الندوة خاصة في السنوات 1980-1985. ولكن قطاع التعليم العالي ونتيجة للنقص في قدراته الاستيعابية اضطر للعمل بموجب إدارة الأزمة في توسيع هذه القدرات خلال السنوات 1988-1990 من خلال استحداث خمسة جامعات في مناطق مختلفة لاستيعاب مخرجات التعليم الثانوي. مرحلة التسعينات: تميزت هذه الفترة بقيام الوزارة بوضع الاستراتيجية الاولى للسنوات 1992-2002 والتي استندت في صياغتها على تحليل معطيات واقع التعليم العالي للفترة من 1970-1990. ولكن استمرار فرض الحصار الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي على العراق عطل بعض الاهداف الاستراتيجية. ويمكن اجمال ابرز ما تحقق بالاتي: · برنامج تطوير البنية التحتية للجامعات من خلال موازنة استثمارية كبيرة لتوسيع وتطوير البنية التحتية. · برنامج بعثات الداخل وما حققه من حصول اكثر من 24 الف على شهادتي الدكتوراه والماجستير والدبلوم العالي. · برنامج تقويم الاداء والجودة الجامعيةالذي يعد احد ابداعات العاملين في التعليم العالي. · برنامج التعشيق(الشراكة) مع حقل العمل وانعكاسته على تطوير قدرات اعضاء هيئة التدريس وتحقيق موارد اضافية لهم. ونتيجة لإستمرار الحصار العلمي والتكنولوجي فقد واجهت الجامعات خلال الفترة بعض التحديات ومنها:
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia. |
سلسلة منجزات ثورة 17- 30 تموز (الحلقة الثانية) التعليم العالي في العراق.. المنهج والرؤى الاستراتيجية 1968-2003
حزب البعث العربي الاشتراكي
القيادة القومية
مكتب الثقافة والاعلام القومي
سلسلة منجزات ثورة 17- 30 تموز (الحلقة الاولى)
"استجابة للتحديات القومية وتلبية طموحات التنمية الوطنية"
الحلقة الثانية
التعليم العالي في العراق.. المنهج والرؤى الاستراتيجية 1968- 2003