ثورة الشعب المصري في هذه الأيام العظيمة دليل حازم على أن جنازة الغائب على الشارع العربي والشعوب القومية العربية، قد رفعت منذ اول سقوط عادل لديكتاتور تونس. واليوم ها هي ترفع بالكامل ونظام مبارك على مشنقة شعبه، وليس على مشنقة الأمريكان الغادرة التى أهلكت القائد البعثي صدام حسين. فهل هي لعنته تصيب بقية النظم العربية؟ وهل هي أيضا لعنة أسامة بن لادن؟ بعد أن أعتقلت نصف الشعوب العربية إلا لأنها مسلمة وليست ارهابية كما تعتقد أمريكا؟
إن هذه الايام تخلد باعتزاز هتافات الشعوب العربية الأبية في حقيقتها، الآن بامكاننا التحدث عن نهاية الفصام الثقافي والسياسي الذي عاشته الحضارة العربية – الإسلامية لمدة طاولت عمر الإمبريالية الغربية. وتخلصها من العقيدة الخلدونية القائلة في ان المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر احواله وعوائده. مبررا ذلك بالقول ان النفس تعتقد الكمال فمن غلبها انقادت اليه. ونحن الشعوب المغلوبون، والقادة هم الغالبون، والعامة كما يقول ايضا ابن خلدون على دين الملك. فكيف نفهم هذا الكلام اليوم؟
إن سيادة ثقافة الخوف والامية بيننا، وشيوع نظرية الحق الوراثي والحكم بالنار والحديد، واستقرار الحال على رعية وليس شعبا، وطغمة حاكمة كابناء الآلهة الاخيار، تسود همجا وتحكم رعاعا. ينظر اليهم في الحاضر وفي النظام العالمي الجديد هذه النظرة الدونية. وإلا لماذا تقدمنا على مستوى عقلنا التكنولوجي والاقتصادي والتفسخ الاخلاقي، اذا فنحن نضاهي البلاد المتقدمة في ذلك على مستوى المظاهر على الاقل. بينما نظل متخلفين على مستوى عقلنا المعرفي والسياسي والثقافي، لماذا؟
لان حكامنا طوال صدمة الفترة الانتقالية التي شهدتها حضارتنا بين ما قبل الاستعمار وبعد الاستعمار، كانوا يعتقدون ان سفينتهم استوت على الجودي. فهم لم يتوقعوا ان ثورة الشعوب قد تأتي من آليات تقنية (الدش..النت..) ظنوا انها هي المهلوس الاخير الذي سينسينا من نحن، بل ويخدرنا الى ان نلحق باجدادنا الذين حكموهم ظلما، فلا يعقل ان ديكتاتورا يحكم لمدة قد تزيد عن ثلاثين حولا.
إن التهاوي والتصدع الذي اخذ ينهش من الديكتاتور العربي، سببه جهله بقراءة ميكيافيلي الذي حذره من ان الناس يقبلون على تغيير حكامهم، بمحض الرغبة والارادة، آملين في تحسين احوالهم، وهذه العقيدة تدفعهم الى الثورة على حكامهم الذين خدعوهم، لا سيما اذا اثبتت التجارب انهم قد انتقلوا من حالة سيئة الى حالة اسوأ منها. كما ان الديكتاتور العربي لم يطلع على مقدمة ابن خلدون الذي حذرهم بالقول انه اذا استحكمت طبيعة الملك والانفراد بالمجد وحصول الشرف والدعة أقبلت الدولة – رئيسها اليوم – على الهرم. وايضا لان جهله بان ما فعلت دول السيادة بقيادة امريكا – اسرائيل في العراق، سوف يمر والسلام؟ بل كان على العكس من ذلك، لقد كان الدرس الذي ستدفع فيه امريكا – بوش. أهم سر ارادوا به القضاء على الشعوب العربية؟
لقد اطاحت امريكا – اسرائيل، بنظامين، اسلامي وبعثي عربي هما طالبان وصدام حسين، وكانت الحكمة في نظريهما هي صلاة الجنازة بصفة نهائية على شيء اسمه الهوية، الحضارة، الشخصية، النخوة، التضامن، الوحدة، الدولة العربية، والحضارة الاسلامية.
في حين لم تكن تتوقع ان اسقاط انظمة احبتها وايدتها بالمال والتلاعب، ستسقط بثورة شعبية خالصة وخاصة. من شعوب ظنها الجميع نامت ولن تستيقظ. وأسئلة الراهن، هي كيف ستنظر الينا امريكا والاتحاد الاوروبي وروسيا بعد سقوط نظامي زين العابدين وحسني مبارك؟ وهل ستتغير معادلة دعمهم لاسرائيل مقابل مصالحهم مع شعوب حرة لن تساوم على قيد انملة من حقوقها الوطنية والقومية؟ وهل سقوط نظام مبارك سيغير منطقة الشرق الاوسط سياسيا؟
ماء العينين سيدي بويه
المغرب
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.