يمعن الكيان الصهيوني الغاصب في دماء أهلنا في غزة الصابرة المجاهدة، ويرتكب جرائم كبرى ضمن سلسلة جرائمه منذ احتلال أرض فلسطين، فقام جيش العدو بجرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية من قتل ودمار وتشريد واستخدام أبشع أسلحة الدمار ضد المواطنين العزل من أهلنا في غزة من الأطفال، النساء، والشيوخ، قتل وعقاب وحشي جماعي أمام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي التحضر والمدنية وحقوق الإنسان، وهاهم يحمون العصابات الصهيونية المارقة المنفلتة من كل قيمة أخلاقية أو شرعة حقوقية أو إنسانية، بل يتداعون إلى جلد الضحية بشكل فج ليس من خلال مساواته بالجلاد الصهيوني الغاصب، بل تحميله مسؤولية الدمار الذي حل بغزة وأهلها. من الطبيعي أن يكرس العدو كل محاولاته لتنفيذ مشروعه المعلن والمخفي لقهرنا، وقتل إرادة المقاومة، فهو عدو بكل المقاييس الإنسانية والأخلاقية، لكن أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية ليس عجز الأنظمة العربية عن تحرير فلسطين وإرجاع الأرض المغتصبة، بل في إضفاء الشرعية العربية على الاحتلال والكيان الصهيوني المغتصب. لا، وبل تحارب المقاومة الفلسطينية الباسلة اليوم وتسعى إلى إسكاتها وخنقها وتصفيتها والتآمر عليها. إن هذه هي النكبة الأخطر من نكبة الاحتلال نفسه؛ لأنها تضفي الشرعية على الكيان الغاصب. إن ستين عاماً من عمر النكبة كافية لترسيخ قناعة، يحاول النظام العربي الرسمي تجاهلها، وهي أن الكيان الصهيوني الغاصب لن يتخلى عن طابعه العنصري، ولن يسقط أطماعه التوسعية، وسيبقى مشروعاً دائماً للتهويد والتوسع ضد أية محاولة عربية لإطلاق مشروع للنهضة أو التكامل أو الوحدة. وغني عن القول تحفز هذا الكيان لتحقيق أطماعه بالتحول إلى قوة إقليمية عظمى وسط دويلات عربية متصارعة ضعيفة ومفككة.
النظام العربي الرسمي معزول تماماً عن طموحات الحد الأدنى للشعب العربي، مسلسل الإحباطات من هذا النظام متواصل، بل لقد بلغ السيل الزبى كما يقال، حصار ظالم لأهلنا في غزة تشارك فيه دول عربية متعللة باتفاقات دولية لا تستقيم لها حجة أمام القانون الدولي الإنساني، لا ملجأ يفر إليه المدنيون من أهل غزة وأطفالها ونسائها، فالعدو قصف المستشفيات ومقرات الأمم المتحدة ومدارسها في غزة، ولا ملجأ عند قريب أو جار، هل هناك جور أكثر من ذلك؟!
منذ كامب ديفيد والنظام العربي الرسمي يتهالك من الخنوع والتخاذل حتى وصل إلى التواطؤ، بل المشاركة، من احتلال العراق إلى العدوان على لبنان إلى مجزرة غزة.
كيف نفسر أن دولاً عربية كانت طرفاً في الحصار الجائر على الشعب العراقي في فترة التسعينات، بل لعبت دوراً استخباراتياً في الحرب على العراق واحتلاله العام 2003 من خلال التجسس على مقرات القيادة العراقية لصالح الاستخبارات الأميركية؟! وهي معلومات أكدتها كبريات الصحف الأميركية مثل صحيفة «يو إس أيه توديه» المعروفة بقوة صلاتها مع أجهزة الاستخبارات والبيت الأبيض، ماذا نقول عن محاولات النظام الرسمي العربي كسر إرادة المقاومة في لبنان وهي تتصدى للعدوان الهمجي العام 2006 والتسويف والتنسيق لإطالة أمد العدوان على شعب لبنان؟! كيف نفسر الحصار الظالم لغزة بينما الغاز يتدفق من دول عربية لآلة الحرب والدمار الصهيونية؟! ماذا نقول عما تسرب من دعوات عربية إلى كسر حركة حماس وسحقها في هذه الحرب المجنونة على غزة، كيف نفسر الدعوات لشراء أجهزة حديثة للقضاء على الأنفاق الحدودية التي تحولت لكابوس مفزع لإسرائيل بزعم أن الأنفاق مصدر الصواريخ والقنابل؟ ماذا نسمي كل ذلك؟
حين دل أبو رغال أبرهة الحبشي على طريق الكعبة في عام الفيل، فإن التاريخ خلد اسم أبي رغال للدلالة على الخيانة، الغدر، الخسة، والدناءة، فأصبح في الذاكرة العربية شخصية تاريخية ممقوتة ملعونة وسيئة السيرة يمر العرب بقبره فيرجمونه كرجمهم للشياطين، ولكن أتدرون لماذا خلد اسمه في الدلالة على الخيانة والغدر؟ لأن أبا رغال قام بما لم يقم به غيره أو بالأصح رفض الجميع إلا هو، حيث دل أبرهة الأشرم على الطريق إلى مكة المكرمة من أجل أن يهدم الكعبة المشرفة.
أما في زماننا فماذا يجري بالله عليكم! وقد تناسخ أبو رغال فأصبحوا كثر كلهم تراهم هناك ضمن الآلة الإمبريالية يتجنون على حق الشعوب في المقاومة الذي تقره كل الشرائع الإنسانية والاتفاقات الدولية، ويحاولون وأد أي صوت مقاوم، يتراقصون فوق مدننا المدمرة، ويمدون العدو بالمدد السياسي والإعلامي لكي يحقق ما عجزت عنه آلته العسكرية القاتلة.
لنتصفح أوراق التاريخ ونقرأه جيداً، ونسأل ماذا كان مصير العملاء عبر التاريخ؟ هل مجّد التاريخ عميلاً واحداً؟! العملاء يتساقطون في اللحظة التي يوقعّون فيها على صك عمالتهم، مهما كان النفاق والدجل ومحاولات إخفاء التآمر، فقد كشفت ملحمة غزة آخر ما بقي من أوراق توت تستر بها بعض أنظمة الراهن العربي، ولن يذكرهم التاريخ إلا في صفحات شركاء جرائم الإمبريالية والصهيونية، فضلاً عن قوله تعالى «ومن يتولهم منكم فإنه منهم»، لقد فقدوا قيم العروبة وشرفها