قاسم حسين
يعتبر قرار فصل الأطباء من أغرب القرارات الحكومية وأكثرها إثارة للشبهة والتساؤلات… على المستويين المحلي والعالمي.
محلياً، يثير القرار علامة تعجب سياسية كبرى من ناحية التوقيت، فهو أسوأ توقيت على الإطلاق، وخصوصاً مع انشغال واشتغال السلطة بالترويج لـ «حوار وطني». وما يثير الارتياب أكثر أن القرار يحمل تاريخ 15 أغسطس/ آب الماضي، ما يعني أنه كان قراراً مجمداً، وينتظر صاحبه الإلقاء به في الوقت الذي يراه يخدم مصلحته، واختار له هذا الوقت الضائع، قبل ربع ساعة من «انطلاق الحوار»، ما يشكّك بقوةٍ في جدية السلطة!
القرار يطرح الكثير من الأسئلة، فما هو مبرر فصل مجموعة الأطباء حتى من تمت تبرئتهم في ساحة القضاء؟ وهو ما يعزز القراءة الوحيدة للقرار: إنه حرب «قطع أرزاق»، وهذه إشكالية أخلاقية وإنسانية سيواجهها النظام. فكيف تنتقم من معارضيك وتحاربهم في لقمة عيشهم وتعرّض عوائلهم وأطفالهم للتجويع، وبأي ميزان أخلاقي، وخصوصاً في زمن الربيع العربي.
هنا لابد من الاستدراك بصورة واضحة تماماً، بأن هؤلاء الأطباء لم يكونوا معارضين، ولم ينتموا لأحزاب أو جمعيات سياسية، إنّما كان كل ذنبهم علاج الجرحى وقت احتدام الأحداث، وإنقاذ أرواح عشرات المصابين، وذلك هو ذنبهم الأكبر بوضوح. وكان ذلك التزاماً أخلاقياً ومهنياً بواجباتهم الوظيفية وقسمهم الطبي، وانسجاماً مع ضمائرهم بإنقاذ الأرواح وعلاج الجرحى، وهو ما تفرضه كل قوانين الأرض وشرائع السماء.
القرار على سوئه، أنه لا يقتصر على فصل المعنيين من العمل الحكومي، وإنما يسد أبواب الرزق أمامهم في القطاع الخاص، عبر منعهم أو الامتناع عن تجديد رخصهم لمزاولة المهنة في العيادات الخاصة. والأسوأ من ذلك كله ملاحقتهم حتى في الخارج لمنع اكتساب رزقهم لو أرادوا أن يسعوا في أرض الله الواسعة. وهي سياسةٌ لا يرضاها الله ولا رسوله، وتصطدم بقوانين حقوق الإنسان، والعهود والمواثيق الدولية.
هذه الإشكالية الأخلاقية الكبرى، تضع السلطة، بدوائرها التنفيذية والتشريعية والقضائية، أمام تساؤلات على مستوى العالم، ليس في منظمات الأمم المتحدة ومجال حقوق الإنسان فحسب، بل حتى على مستوى الدول الصديقة والحليفة، التي ما فتئت تدعو وتنصح وتحث وتشجع على إجراء حوار «منتج» و «ذي معنى»… علماً بأن عواصم القرار في العالم لا تنطلي عليها المناورات والتصريحات الصحافية التي تخدع بعض الشرائح «ذات الوعي المحدود» في الداخل.
هذه القضية تتعلق إذاً بالجانب الإنساني، ونحن نركز على الجانب الأخلاقي، وهو امتحان يسقط فيه الكثيرون، في مقدمتهم زملاء المهنة، وخصوصاً من اتخذ موقفاً عدائياً وتحريضياً من هؤلاء الأطباء، على رغم علمهم ببراءتهم وشرفهم ونزاهتهم وكفاءتهم المهنية. فهؤلاء ستبقى تلاحقهم أشباح زملائهم الضحايا الذين احتلوا مواقعهم وصعدوا على أشلائهم، في إحدى صور الجشع البشري الذي تحدّث عنه شكسبير وموليير في بعض مسرحياتهما.
هذا الامتحان يسقط فيه بعض الشخصيات الدينية والسياسية التي انحازت إلى قيم الثأر والتنكيل من أجل مصالح فئوية ضيقة حتى لو كانت نتيجتها تحطيم سمعة الطب البحريني.
من هؤلاء الساقطين أيضاً تلك الجوقة الإعلامية التي حرضت واستعدت وشوهت سمعة خيرة أطباء الوطن لحسابات طائفية وعطايا شخصية.
إن قرار فصل الأطباء، وبغض النظر عن كل الحسابات السياسية، سقطة أخلاقية كبرى لا يمكن تبريرها على الإطلاق.