قاسم حسين
في تطور مفاجئ في مسار الأزمة السياسية التي تعيشها البحرين، أعلنت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي عن سحب جنسيات 31 مواطناً بحرينياً، من المحسوبين على المعارضة السياسية.
الغريب في الأمر أن الخبر تسرّب عبر البعض في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
المجموعة المستهدفة (التي أسقطت جنسيتها وهي لازالت تعيش في البحرين) تتوزع على دائرتين جغرافيتين، أحدهما المحرّق والأخرى في المنامة، أكبر مدينتين في البحرين. النصف الآخر ممن سحبت جنسيتهم هم ممن يعيشون في الخارج منذ سنوات. وأقلهم مضى على تغربه عامان، وبعضهم تمتد هجرتهم إلى عقود، وأقدمهم نائبٌ سابقٌ في أول برلمان بحريني، يعيش منذ خمسة وثلاثين عاماً في السويد شمال القارة الأوروبية، ويدرّس علم الاجتماع في إحدى جامعاتها.
إسقاط الجنسية، كما هو النفي، كان أحد أدوات السياسة التقليدية في البحرين خلال القرن الماضي، وكان الكثيرون يعتقدون بأنها صفحة من الماضي تم طيّها إلى الأبد، فنحن نعيش في عصر عولمة حقوق الانسان، حيث تتم الرقابة على سلوك مختلف الدول، ومراجعة ملفاتها دورياً. ومن المؤكّد أن إسقاط الجنسية لم يعد مقبولاً، وقد عبّر عن هذه الحقيقة أحد المفكّرين بقوله انه عقوبة سياسية قديمة لم تعد تستخدم إلا في بعض البلدان العربية.
تاريخياً، للبحرينيين سجلٌ طويلٌ مع النفي وإسقاط الجنسية لأسباب سياسية، وكان من أوائل من تعرّضوا لهذه العقوبة عبدالرحمن الباكر، الزعيم الوطني الذي لعب دوراً بارزاً في درء الفتنة الطائفية عندما هبّت رياحها في منتصف الخمسينيات، ونجح ورفاقه في تشكيل هيئة الاتحاد الوطني، التي كانت تمثل علامةً فارقةً في تاريخ النضال الوطني. وانتهى به الأمر منفياً إلى جزيرة «سانت هيلانة» جنوب المحيط الأطلسي، مع رفيقيه عبدعلي العليوات وعبدالعزيز الشملان.
الباكر كان خطيباً مفوّهاً، عمل مترجماً في شركة النفط، واشتغل في التجارة بأموال والده حيث وصل بسفينته إلى شرق افريقيا، وعاد من رحلته تلك بربح وفير. وكان رجلاً ناشطاً، يشير في مذكراته كيف أسّس مكتبة في إحدى المدن الخليجية التي حط فيها. وقاده حسّه الوطني إلى تحمل مسئوليته في درء الفتنة الطائفية التي كانت تحيق بالبحرين، وهو اليوم يحتل مكانة في قلوب البحرينيين كرمز وطني يُذكر دائماً بإكبارٍ وتقدير.
الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها وزارة الداخلية بسحب جنسيات 31 مواطناً بحرينياً، أثارت استنكاراً كبيراً في الخارج، دولاً صديقةً ومنظمات حقوقية، التي تعتبر هذه الخطوة جريمةً وأمراً محظوراً بموجب القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، حين تسلب إنساناً جنسيته وتنقله من حالة «مواطن» إلى حالة «بدون» أو «عديم الجنسية»، بقرار سياسي بحت.
في الداخل، أثار القرار اعتراض القطاع الأكبر من الرأي العام، وأصدرت الجمعيات السياسية بياناً ترفضه، فيما أيّدته بعض الجهات. واللافت أن هذا القرار أثار استنكار الكثير من أبناء منطقة الخليج، واعتبره أحدهم قراراً «غير موفق ولا إنساني».
القرار أثار ردود فعل دولية أخرى، توّجها التصريح الصادر عن منظمة العفو الدولية، بأنها خطوة «تقشعرُّ لها الأبدان».