هاني الفردان
استيقظ الناس يوم الإثنين (14 يناير/ كانون الثاني 2012) على أحاديث مغرّدين عن زحمة مرورية في الرفاع، من دون معرفة الأسباب، وسرعان ما تحوّل هذا الحديث العفوي إلى تنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحت هاشتاق «زحمة_الرفاع» ليسأل الناس ماذا يحدث هناك.
لا حديث رسميّاً أو غير رسمي عن حقيقة الحدث، وكان الصمت هو سيد الموقف، لكن المتداول والمشاع هو أن مجاميع من المواطنين سعت إلى الحصول على مساعدات مالية وإسقاط قروضها، فتجمعت في منطقة الرفاع وتحديداً قرب دوار الساعة لإيصال رسائلها من أجل المساعدة في ذلك.
هناك من ذهب إلى أن هذه الطوابير أمر طبيعي، وتتكرر أسبوعيّاً، إلا أنها أخذت زخماً غير طبيعي مع تزايدها وتأثيرها على الحركة المرورية، وتفاعل الناس معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتأخذ أبعاداً سياسية أكثر من كونها اقتصادية واجتماعية.
ربما ما شهدته الرفاع يوم الإثنين من طوابير طويلة، واختناقات مرورية، وإرباك وضجيج، في نظر البعض وخصوصاً قادة تجمع الوحدة الوطنية، هو امتداد لـ «الربيع العربي» الذي شهدته دول فسقطت أنظمة كانت قد أجحفت بحق المواطنين، حتى ثارت على الأوضاع التقليدية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
فمفهوم الربيع العربي لدى البعض، هو التمسك بما هو موجود في السابق، وحمايته، والذود عنه، والإصرار عليه، ومنع أي تغيير من شأنه أن يحفظ كرامة المواطن وحقوقه، في ظل التطور الكبير الذي نعيشه.
تخيل البعض أن «زحمة الرفاع» قد تكون بداية حقيقية لـ«ربيع رفاعي» مثلاً غير متوقع، أو لصحوة جديدة تغير من اللعبة الحالية، إلا أن الواقع كشف أمراً مختلفاً جدّاً لدى البعض، وجاء أشبه بـ «النكسة» لما كان يمكن أن يتصور بأنَّ فئةً من الشعب قد تغيّرت، إلا أن البعض الآخر توقع ذلك، في ظل قراءة استغفال قيادات سياسية لهذه الفئة، واستخدامها لضرب الآخرين، وتحقيق مكاسب مالية وشخصية على حساب فئة «الغافلين».
الربيع العربي لدى مكوّن من مكونات مجتمعنا وبالخصوص «تجمع الوحدة» مختلف عما يفهمه بقية العالم، فليس الربيع عندهم حرية، ولا مطالب بالديمقراطية الحقيقية، بقدر ما هو تمسكٌ بأعراف سائدة وبالية، تقوم على أسس السعي الحثيث وراء تحقيق مصالح شخصية ومآرب ذاتية.
«زحمة الرفاع» أحدثت هزّةً من نوع آخر في عالم التواصل الاجتماعي الذي تفاعل بشكل سريع مع الحدث، ورفض الأسلوب والمنهج المتبع فيه، حتى وصفت بـ «الانتكاسة»، في ظل صمت حتى أولئك القادة المجتمعيين، والذين قدّموا أنفسهم على أنهم قادة أكبر «تيار معارض» في البلد، ومن يسير خلفهم الشعب، ويؤمن بمواقفهم وسياساتهم وتحركاتهم، فكان الصمت خيارهم بشأن ما حدث في الرفاع.
هل كانت مصادفة أن تتزامن «زحمة الرفاع» مع الذكرى السنوية لسقوط أول «حاكم عربي» في الربيع العربي (تونس)، هل هي صدفة أم هي حقيقة ليرى العالم أن ما حدث في الرفاع يوم الإثنين يمثل حقيقة «الامتداد» الذي تحدّث عنه «تجمع الوحدة» لمفهومه عن «الربيع العربي»، عندما قال: «نحن امتداد الربيع العربي»، فهل ما حدث هو امتداد لثورات الشعوب مثلاً، وانتفاضة على واقعهم الاقتصادي المأساوي أم تمسك به؟ «زحمة الرفاع» بكل سلبياتها، إلا أنها ستكون بداية للتمرد على الواقع، ولتبيان حجم المأساة والانتكاسة التي خلقها «تجمع الوحدة» في مكوّنه الذي حاول النهوض من غفوته، فاستُغل من قبل أفراد لتحقيق مكاسب شخصية ومصالح ذاتية، أودت به من جديد للانتكاس، بفضل التمدد المعاكس لاتجاه «الربيع العربي»!