من المرجح أن تساعد السعودية جارتها البحرين في سد عجز الميزانية العام المقبل إذا واصلت أسعار النفط التراجع إذ أدى خفض التصنيف الائتماني البحريني عقب اضطرابات اجتماعية لارتفاع تكلفة اصدارات الديون بينما تسعى السعودية إلى كبح عوامل الاضطراب بالمنطقة.
وتدخل الجيش السعودي بالفعل مطلع العام للمساعدة في إخماد أعنف اضطرابات اجتماعية بالبحرين منذ التسعينيات والتي خلفت 30 قتيلا ودفعت اقتصاد البلاد في الفترة بين يناير كانون الثاني ومارس آذار إلى أول انكماش فصلي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
ومساندة البحرين لها أهمية استراتيجية بالنسبة للنظام السعودي السني نظرا لقرب موقع الأولى من إيران الغريم الإقليمي للمملكة. وكانت إيران قد زعمت أحقيتها في البحرين قبل استقلالها عن بريطانيا عام 1971.
واتهمت البحرين إيران بالوقوف وراء الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم في مطلع العام حين طالب محتجون أغلبهم من الشيعة بانهاء التمييز الطائفي ومنحهم صلاحيات أوسع في الحكومة التي يقودها السنة.
وساهم ارتفاع أسعار النفط في خفض فجوة الميزانية البحرينية التي تتعرض لضغوط بعد خفض التصنيف الائتماني للبلاد بما يصل إلى ثلاث درجات هذا العام إثر الاضطرابات الاجتماعية التي دفعت الحكومة أيضا إلى زيادة الإنفاق 22 في المئة عن الميزانية الأصلية لعام 2011. لكن أسعار خام برنت تراجعت 24 دولارا من المستويات المرتفعة التي سجلتها في ابريل نيسان عند 127 دولارا للبرميل مما يجعل البحرين التي يسهم النفط بنسبة 85 في المئة من دخلها عرضة للتأثر بدرجة كبيرة إذا استمر تراجع أسعار النفط العام القادم مع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
ويقول محللون إن البحرين تحتاج ألا يقل متوسط سعر النفط عن 108 دولارات للبرميل خلال 2012 حتى تستقر الموازنة في حين يتوقع البعض تراجع أسعار الخام إلى 86 دولارا العام المقبل. ويقول فاروق سوسة كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في سيتي بنك دبي "مازال متوسط أسعار النفط مرتفعا في عام 2011 ولا يوجد ما يستدعي حقيقة تدخل الحكومة السعودية لمساعدة البحرين في 2011. لكن 2012 بالتأكيد يبدو أكثر صعوبة."
وأضاف "أمام السعودية طريقتان لفعل ذلك. إما من خلال المنح والقروض المباشرة وهذا يشمل صندوق التنمية الذي أسسته لمساعدة عمان والبحرين وإما من خلال زيادة نصيب البحرين من نفط حقل أبو سعفة."
وسجلت البحرين عجزا بالموازنة خلال 13 عاما من العشرين عاما الماضية. وتتوقع في ميزانية العام الحالي التي تنطوي على زيادة بنسبة 22 بالمئة عجزا بنسبة 10.1 في المئة من الناتج الإجمالي أو 835.7 مليون دينار (2.2 مليار دولار). وبالنسبة لعام 2012 تتوقع الحكومة عجزا نسبته 8.8 في المئة من الناتج المحلي بفعل تراجع طفيف في الإنفاق الذي يمثل عند 3.08 مليار دينار زيادة نسبتها 14 في المئة عن الخطة الأصلية.
بالإضافة إلى ذلك اعتمد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الشهر الماضي إنفاقا إضافيا بقيمة 388.5 مليون دينار لزيادة أجور القطاع العام خلال العامين المقبلين.
ولا يمكن استبعاد حدوث خفض جديد لتصنيف البحرين وهو ما من شأنه أن يدفع تكلفة ديون البلاد للارتفاع مجددا.
وفي يوليو تموز أعلنت مؤسسة ستاندرد آند بورز توقعات سلبية لتصنيف البحرين طويل الأجل البالغ BBB محذرة من أن تجدد الاضطرابات السياسية من شأنه أن يؤثر على الأداء الاقتصادي.
وساءت صورة المملكة أمام المستثمرين الأجانب الأسبوع الماضي بعد الحكم بسجن 20 طبيبا بين خمسة أعوام و15 عاما فيما وصفه منتقدون بالانتقام منهم بسبب علاج المتظاهرين المناوئين للحكومة في وقت سابق من العام.
ويتوقع محللون نمو الاقتصاد البحريني اثنين في المئة هذا العام – أي نصف متوسط نموه على مدى العقدين الماضيين – و3.2 في المئة في 2012.
ويعتقد محللون أن يصل العجز إلى 7.2 في المئة من الناتج الإجمالي خلال 2012 رغم أن البعض يتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة بما يكفي لأن تحقق البحرين فائضا بنسبة 1.5 في المئة من الناتج الإجمالي.
ولم ترد وزارة المالية البحرينية على أسئلة رويترز بشأن توقعاتها للميزانية. واحتياطي البحرين من العملة الأجنبية متواضع مقارنة مع جيرانها الأكثر ثراء إذ يبلغ 1.6 مليار دينار (4.3 مليار دولار) حسب بيانات أغسطس آب الماضي. أما الصندوق السيادي البحريني ممتلكات فيملك أصولا قيمتها 9.1 مليار دولار بينما تقدر أصول صندوق أبوظبي السيادي الذي يعد أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم عند 627 مليار دولار.
ويقول كوبيلاي أوزتورك الاقتصادي المتخصص في شؤون أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في دويتشه بنك بلندن "مازالت الميزانية البحرينية تواجه ضغوطا في ظل ارتفاع الإنفاق الاجتماعي والدعم المحدود من عائدات النفط وتدهور نشاط القطاع غير النفطي."
ويضيف "قنوات التمويل الصريح من دول مجلس التعاون الخليجي لاسيما السعودية ستساعد في الحد من العجز المتزايد." وفي عام 2010 اعتمدت البحرين على حقل أبو سعفة للحصول على 67 في المئة من الايرادات.
وتتقاسم السعودية والبحرين دخل الحقل مناصفة بموجب اتفاقية ثنائية ترجع لعام 1972. وخصصت السعودية مؤقتا إنتاج الحقل بالكامل لصالح البحرين حينما تراجعت أسعار النفط إلى تسعة دولارات تقريبا في 1998 بعد الأزمة الاقتصادية الآسيوية التي دفعت المالية العامة للبحرين إلى منطقة الخطر. ويقول سوسة "لدينا سابقة في الماضي… 150 ألف برميل يوميا من شأنها أن تحل معظم مشكلات الموازنة البحرينية."
وفي مارس الماضي تعهدت السعودية والإمارات والكويت وقطر بمساعدة البحرين وسلطنة عمان بعشرة مليارات دولار على مدى عشر سنوات للحيلولة دون امتداد الاضطرابات السياسية في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم.
وتتوقع عمان الحصول على الشريحة الأولى من المساعدات بقيمة مليار دولار في 2012 لكن لا يوجد موعد رسمي بالنسبة للبحرين. وتبلغ نسبة ديون البحرين إلى الناتج الإجمالي 33 في المئة وهي نسبة منخفضة بالمعايير الدولية.
لكن تكاليف تأمين الديون ارتفعت 184 نقطة منذ فبراير شباط الماضي لتسجل أعلى مستوى خلال عامين ونصف عند 407 نقاط أساس هذا الأسبوع. ويقول تشافان بوجايتا مدير إستراتيجية الأسواق في بنك أبوظبي الوطني "يشعر المستثمرون بالقلق بالفعل في ظل الظروف الحالية ورغم ذلك فإنهم يتلقون أخبارا سلبية الواحد تلو الآخر."
ويضيف "في هذا السياق من المرجح أن يكون دخول البحرين أسواق الدين صعبا." وفي سبتمبر أيلول كلفت البحرين بنوكا بإصدار سندات إسلامية (صكوك) بمليار دولار لجذب المستثمرين السعوديين طبقا لمصادر مصرفية بعد الغاء إصدار عالمي كان مزمعا قبل ادلاع الاحتجاجات.
ورفعت البحرين التي دخلت سوق الدين الدولية آخر مرة في يونيو حزيران 2010 سقف اصداراتها الأجنبية والمحلية بواقع مليار دينار إلى 3.5 مليار في سبتمبر. وطبقا لبيانات تومسون رويترز تستحق على البحرين فواتير وسندات بقيمة 3.6 مليار دولار خلال 2011 و2012.
ويقول رضا أغا الاقتصادي المتخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى رويال بنك أوف سكوتلند (آر.بي.إس) "الأخبار الأخيرة… قد تشير إلى إمكانية اعتماد (البحرين) على إصدار أذون خزانة وأوراق مالية إسلامية… لتمويل العجز المرتفع."
إلا أن إصدار أذون خزانة قصيرة الأجل لن يكون إستراتيجية مستدامة إذا ظلت أسعار النفط أقل من سعر التعادل البالغ 108 دولارات للبرميل لفترة أطول. وتقول دينا أحمد الخبيرة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بي.إن.بي باريبا "لو وصل متوسط سعر برميل النفط إلى 80 دولارا مثلا ستجد موقفهم المالي في وضع أكثر خطورة."
وتضيف "لكن ليس لدي قلق كبير بخصوص البحرين. لأنهم في نهاية المطاف إن وجدوا صعوبة في تغطية العجز المالي سيلجأوا إلى طلب العون من السعودية
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.