شغل موضوع رفع الدعم الشعب البحريني، فلا يخلو مجلس من مناقشة هذه القضية حتى قال البعض إن الحكومة أرادت شغل الرأي العام لتمنع المطالبة بعلاوة غلاء المعيشة. كثرت الكتابات التي دخلت في تفاصيل حول هل سيذهب المبلغ كله إلى المحتاجين؟ وهل ستستخدم بطاقة تموينية أم يضاف الى الراتب ومن هي الطبقة المستحقة؟ لكن نرى ان الدخول في هذه التفاصيل يفقدنا النظرة الشاملة للقضية والقدرة على الاجابة عن السؤال "لماذا وصل الوضع في البحرين الى حد اننا نضطر الى رفع الدعم لمواجهة العجز بالرغم من تكرار إعلان نجاحات في التنمية الاقتصادية؟ وما هي شروط النجاح اذا ماقرر المجتمع اعتماد رفع الدعم؟"
لإلقاء الضوء على ذلك اطلعنا على بعض التجارب لدول أخرى في رفع الدعم مثل مصر وايران واندونيسيا وبرزت من هذه التجارب عدد من المحاذير كما برزت بعض الشروط الواجب توافرها لنجاح العملية. من المحاذير نجد ان في مصر مثلا ارتفع مستوى الفقر بنسبة 3% (Sachs, J. 1996) مما حدا بـ (Alderman & Lindert, 1998) على القول ان الحاجة باتت ملحة لوضع سياسة مختلفة توجه نحو الفقراء. اما في اندونيسيا فقد نتج عن سياسات رفع الدعم تشجيع استخدام طاقة بديلة (الوقود البيولوجي) وتشجيع مجالات البحث والتطوير في مجالات الطاقة. وفي ايران مثلا ادى ذلك الى ضخ وتوفير قروض طويلة المدى لمساعدة الشركات المتضررة على رفع قدرتها التنافسية. وفي كل من مصر وايران حدث انكماش اقتصادي وتأثرت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فارتفعت نسبة البطالة وانخفض متوسط دخل الفرد فازداد الفقر وتقلصت الطبقة المتوسطة.
اما بالنسبة إلى الشروط الواجب توافرها فتلخصت في ان الحلول المستخدمة في اندونيسيا وايران بالذات كانت تدريجية وشاملة. فمثلا في ايران تم توزيع نسبة 50% من الدعم على الطبقة الفقيرة، واستخدم 30% كاستثمارات في المواصلات والطاقة البديلة ومعالجة اثار رفع الدعم، وذهب 20% منها الى الخزينة يستخدم في الاسكان والصحة والتعليم، ومع ذلك فقد واجهت تحديات كبيرة بسبب تقلص النشاط الاقتصادي وارتفاع مستوى البطالة. وفي اندونيسيا كان التركيز على ايجاد البدائل من المواصلات والاستثمار في الغذاء ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توفير معدات اقل استهلاكا للوقود وتحديث انظمتها بشكل عام والاستثمار في خلق فرص عمل في قطاعات اقتصادية اكثر انتاجية ذات محتوى معرفي اكبر واحداث اصلاحات في قطاع الوقود.
الخلاصة من التجارب هي اولا يجب الا تضحي الدولة بالاعتبارات الانسانية والاجتماعية لصالح فرضيات نظرية، وثانيا ضرورة الاستعداد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسماح بحوار على قدر من الشفافية والشمولية يعالج المشاكل التي حدثت في تجارب كثيرة. فهل لدى الحكومة الاستعداد لذلك؟ وفي ظل التعقيد الاضافي الذي يضعه وجود العمالة الاجنبية الكبير في البحرين فهل تكفي مثل هذه الاجراءات؟
باستعراض الاداء الحكومي في الفترة من السبعينيات الى اليوم نجد انه بداية الطفرة النفطية في السبعينيات ارتفع مستوى المعيشة للمواطن، ولكن بدأ في الثمانينيات بالانحدار بعد هذه الطفرة ولم تفلح الحكومة في تصحيح ذلك في الطفرة الثانية والطفرة الثالثة بالرغم من اطلاق يدها في إدارة الاقتصاد بعيدا عن تأثير البرلمان والصحافة. والنتيجة هي تراجع في الأداء الاقتصادي، فالطبقة الفقيرة في ازدياد، والطبقة المتوسطة في تقلص، والطبقة الغنية تزداد غنى بكل ما لذلك من انعكاسات على السلم الاهلي واضعاف المجتمع وارتفاع التوترات الفئوية وارتفاع مستوى العنف. مخرجات التعليم لا تزال بعيدة عن متطلبات السوق، والعمالة الاجنبية في ازدياد بالرغم من سياسات اصلاح سوق العمل. الصحة تشكو من قلة الاسرة والادوية وطول قوائم الانتظار كما تطول قوائم الانتظار للاسكان. في نفس الوقت تحولت الاراضي العامة الى املاك خاصة واختفت السواحل وانحسر الانتاج السمكي بفعل التجريف والدفان. واصبحت الحياة الفطرية مهددة وتحول 75% من الاراضي الزراعية الى خرسانة صماء خاوية من النزلاء في كثير من الحالات ومازالت في تناقص. البنية التحتية في تراجع والشوارع تزداد اكتظاظا والحلول الترقيعية تحول الازدحام من نقطة الى اخرى. في نفس الوقت يزداد الانفاق على الشكليات والاحتفاليات والمراسيم والامتيازات وهدر المال العام. لذلك فإن القضية هي كيف يمكن للمواطن ان يثق بان سياسات التعامل مع تأثيرات اعادة توجيه الدعم المعقدة كما رأينا سوف تدار باقتدار في ضوء هذا المعطيات؟
عندما نرى هذه الصورة التي خلفتها السنوات الماضية نزداد يقينا بان غياب الرقابة وتحمل المسئولية الحقيقية التي تحاسب اصحاب القرارات على النتائج هي السبب في وصول الوضع الى هذا الحال. لذلك يجب ان نراجع الاسس التي تقوم عليها ادارتنا للثروة ونشرك المجتمع بكل مكوناته للمساهمة في ايجاد الحلول التي تُخرجنا من هذا المأزق والتوقف عن اللجوء الى الحلول الترقيعية التي سرعان ما تحتاج الى تصحيح وحلول اخرى أكثر سوءاً. وهذا لن يتم ما لم توضع جميع الايرادات تحت الانوار الكاشفة بكل شفافية وان تتوافر المعلومات للمجتمع لكي يشارك في ايجاد الحلول بأريحية وجرأة. لذلك نقترح تشكيل لجنة برلمانية تشارك فيها القوى السياسية من خارج البرلمان لتدارس الامر والتوصل الى حل يستفيد من اعادة توجيه الدعم ويتلافى المحاذير التي ذكرناها ويؤسس لادارة مشتركة للثروة ورقابة تشمل جميع الايرادات والنفقات.
أخبار الخليج: العدد 11943 – السبت 4 ديسمبر 2010 الموافق