عيسى سيار
لقد أصبح الحوار المرتقب بين القيادة السياسية وبين الجمعيات السياسية الشغل الشاغل لأهل البحرين، وحديث القرية والمدينة، وعادت البحرين من جديد تحت الأضواء الكاشفة للمجتمع الدولي. فالحوار الوطني القائم على التكافؤ مصلحة وطنية في المقام الأول، من أجل رأب الصدع الذي وصل مع الأسف إلى عظم المجتمع البحريني، ومن يرفضه أو يعطله لأي سبب أو يضع شروطاً مسبقة، فإنه يرتكب خطأ تاريخياً بحق الشعب البحريني. وهو أيضاً مصلحة إقليمية ودولية، وذلك لتهدئة مناخ التوتر في المنطقة الذي رفع من درجة وتيرة تداعيات الربيع العربي وانعكاساته على سياسات ومصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك الدول الإقليمية ذات المصالح السياسية والاقتصادية وربما المذهبية والراغبة في أخذ دور ريادي لقيادة المنطقة.
وعلى رغم أن الحوار الجاد المرتقب كما أسلفنا في مقالاتنا السابقة هو المخرج الوحيد ولا غيره من الأزمة بعد فشل الحل الأمني، فإن هناك مسئولين وتيارات أو أجنحة أو مجاميع أو شخصيات متطرفة أو راديكالية، ترفض الحوار، بل وتحرّض على إفشاله من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الدينية والإعلامية، وتحريض أو تحريك مجموعات شبابية هنا وهناك، وذلك من أجل إرسال رسائل للفرقاء السياسيين أن الحوار المرتقب تجاوزه الزمن والأحداث.
ولنا الحق هنا أن نتساءل: لمصلحة من يتم رفض أو تعطيل الحوار المرتقب الذي يتطلع أهل البحرين إلى أن يخرجهم من النفق المظلم؟ ومن المستفيد من تعطيل قطار المصالحة الوطنية والحوار الجاد المنتج؟ ولماذا تستميت بعض الجهات والشخصيات النافذة ومن لفّ لفهم في تلويث المساعي التي تبذل لتنقية الأجواء من أجل الإعداد للحوار المرتقب؟
وللإجابة على تلك التساؤلات، دعونا نستحضر بعض ما توصلت إليه نتائج العديد من الدراسات في مجال علم الاجتماع السياسي التي أجريت على عدد من المجتمعات التي مرت بأزمات سياسية أو طائفية أو عرقية شبيهة لما تمر به البحرين حالياً. حيث خلصت بعض نتائج تلك الدراسات إلى أن من إفرازات الأزمات التي يمر بها أي مجتمع عندما يمر بأية أزمة، هو بروز فئة يطلق عليها الفئة الانتهازية أو المتسلقة أو المتسلطة، والتي تعمل على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد». هذه الفئة بالطبع تقاوم المصالحة والتغيير والإصلاح الجذري الذي من شأنه أن ينقل المجتمع إلى مرحلة العدالة الانتقالية، ومن ثم المصالحة الحقيقية والاستقرار المجتمعي، الذي يجعل المواطن يشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أسرته. الاستقرار المجتمعي الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويعيد الحقوق إلى أهلها. الاستقرار المجتمعي الذي يحارب الفساد والفاسدين.
إنني اعتقد جازماً ومن خلال تلمس نبض الشارع، بأن قلوب وعقول أهل البحرين المخلصين مع الحوار الجاد والمنتج، وأن معظم من تم غسل أدمغتهم من أهل البحرين الطيبين باستخدام فزّاعة «الشيعة فوبيا» و «السنة فوبيا»، أخذوا رويداً رويداً يعودون من اللاوعي إلى الوعي، ويتصالحون مع أنفسهم ومع إخوانهم من الطائفة الأخرى، سواءً كان ذلك في (الفريج) أو العمل أو الأندية… إلخ. وهذا مؤشر في تقديري على عودة الروح للمجتمع البحريني.
إن الأزمة التي مرت بها البحرين منذ فبراير/ شباط 2011 أوجعت قلوب معظم البحرينيين الطيبين، وملأت قلوبهم بالحسرة على ما أصاب بلدهم ويتمنون ويدعون الله أن يعود الاستقرار والتعايش السلمي إلى مدنهم وقراهم، وأن يتوجه ويتفرغ الجميع للعمل والتنمية، وأن ينعم الجميع بربيع بحريني حقيقي. ولكن مع الأسف هناك شخصيات نافذة ومسئولون وقيادات دينية وإعلاميون كما ورد في تقرير بسيوني، يقومون بالتحريض الرخيص على كراهية الآخر واستخدام الفزّاعة المذهبية والاستقواء بالخارج وغيرها من وسائل رخيصة من أجل إبقاء البحرين في حالة من الاحتقان والجمود السياسي! ولكن لماذا تعمل تلك الشخصيات النافذة والمجموعات التي تنفذ أجنداتها بشكل أعمى ضد مصلحة الوطن وأهله؟
الجواب: ابحث عن السبب يبطل العجب! إنها الأنانية و «الأنا الأعلى»، والمصلحة الشخصية الضيقة التي تقدم على مصلحة الشعوب. فالحوار المرتقب متى ما أنتج حلاً مستديماً، يجعل دون شك تلك الشخصيات وأتباعها من قيادات سياسية ودينية وإعلاميين وصحافيين ومن يريد أن يقتات على دماء شعبه في خبر كان. فالحل السياسي المستديم يهدّد مصالحهم بل وجودهم ويضعهم على الهامش حيث يصبحون غير قادرين على الاستيلاء على الأراضي المخصّصة للمنفعة العامة دون وجه حق، وغير قادرين على التلاعب بموازنات المشاريع الضخمة كما حصل في مشروع مستشفى الملك حمد الجامعي، ومن قبل ذلك ملف التأمينات الاجتماعية وملف شركة ألبا وملف محطة كهرباء الحد وملف طيران الخليج… التي أصبحت – وأعني تلك الفضائح – تزكم الأنوف وتهدد الاقتصاد الوطني.
وبالتالي إذا استطاع الشعب البحريني بعد الحوار المرتقب أن يكون مصدر السلطات جميعاً كما ورد في المادة الأولى من دستور البحرين، تصوروا كيف يستطيع أن يعيش من يرفض الحوار ويطالب بمقاطعته… بالطبع سوف يقعد ملوماً محسورا! فمن يرفع الشراع؟