جميل المحاري
لم يكن هناك خيار آخر أمام النواب إلا رفض الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014 بعد ما يقارب خمسة أشهر من المداولات، وبعد أن رفضت الحكومة جميع المقترحات التي تقدم بها النواب.
ربما يكون النائب خالد عبدالعال أكثر النواب دقة خلال جلسة مجلس النواب أمس – التي تم خلالها رفض مشروع الموازنة – حين قال: «إن الحكومة تتعمد إذلال المواطنين من خلال جميع الموازنات التي قدمتها حتى الآن».
بالطبع لا يمكن للمواطن العادي أن يرى البذخ الصارخ لدى بعض المتنفذين الذين يستولون على معظم مقدرات الدولة ويصرفونها كيفما وحيثما شاؤوا، في حين يعيش هو وأهله في فقر مدقع، ويصارع منذ بداية الشهر إلى آخره حتى يتمكن من العيش ويطعم أطفاله.
كما لا يمكنه أن يقتنع بأن مجرد مبلغ بسيط من الموازنة، لا يتعدى 3 في المئة يخصص لجميع المواطنين، سيرفع من الدين العام للدولة، ويضر باقتصادها وهو يرى أن الدولة تدعم الشركات الكبرى بما يوازي موازنات الوزارات الكبرى، وتطفئ خسائر شركات أخرى بمئات الملايين، من دون أن تكون هناك خطط مستقبلية لرفع المستوى المعيشي للمواطنين.
إن قراءة بسيطة لأهم ملامح الموازنة (المعلنة) يمكن أن تعطي مؤشرات مهمة عن سياسة الحكومة في تخصيص المبالغ المرصودة لكل وزارة على حدة، وما هي أولويات الحكومة.
لقد تم تقدير الموازنة بناء على تقدير سعر برميل النفط عند 90 دولاراً، وقدرت الإيرادات في 2013 بنحو مليارين و990 مليون دينار، والمصروفات نحو 3 مليارات و21 مليون دينار، وفي 2014 قدرت الإيرادات بنحو مليارين و793 مليون دينار، والمصروفات نحو 3 مليارات و25 مليون دينار.
وتأتي وزارة الدفاع في المرتبة الأولى من حيث حجم مخصصاتها حيث استحوذت على القدر الأكبر من الموازنة، بنحو 464 مليون دينار، ثم وزارة الداخلية بنحو 330 مليون دينار، ثم وزارة التربية والتعليم 318 مليون دينار، أما وزارة الصحة فموازنتها 215 مليون دينار.
وبذلك يبدو أن الأمن يأتي في مقدمة أولويات الحكومة ليس في هذه الفترة وحدها فقط، وإنما في جميع الموازنات السابقة.
لقد رفضت الحكومة جميع المقترحات التي تقدم بها النواب، وهي زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 15 في المئة، وقد تم رفض هذا المقترح جملة وتفصيلاً في حين كان المقترح الثاني زيادة رواتب المتقاعدين، وتم التوصل إلى حل وسط في هذا المقترح، في حين رفضت الحكومة مقترح النواب بتوسعة الفئات المستفيدة من علاوة الغلاء لتشمل ثلاث فئات، واقترحت زيادة الدعم بمبلغ 30 مليون دينار ليصل مجموع مبلغ الدعم إلى 105 ملايين دينار لكل سنة مالية.
الحكومة تُرجع رفض المقترحات إلى تحذير صندوق النقد الدولي من ارتفاع الدين العام، والذي من المتوقع أن يصل إلى 61 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2018، لكن صندوق النقد طلب من البحرين إصلاح اقتصادها وتنويع مصادر الدخل بجانب الترشيد في الإنفاق العام، وبالطبع فإن ترشيد الإنفاق لا يقتصر على الأمور التي قد تدعم المواطنين، وإنما يشمل أيضاً وقف الهدر غير المبرر على الأمن والدفاع والذي خصص لهما القدر الأكبر من الموازنة.