فايز رشيد
عصام العريان، هو شخصية قيادية بارزة في حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون)، فهو نائب رئيس الحزب، ومستشار للرئيس مرسي، ورئيس الهيئة البرلمانية للإخوان في مجلس الشورى، دعا في مقابلة تلفزيونية له اليهود المصريين في “إسرائيل” الذين طردهم جمال عبدالناصر إلى العودة إلى مصر .
بدايةً إن العريان لا يعرف عن اليهود المصريين الذين رُحّلوا قسراً إلى “إسرائيل”، مع أن من المفترض فيه أن يكون قد عاصر هذه القضية بكل ملابساتها . قَصَدَ العريان في تصريحه هذا أن يبعث برسالة إلى الولايات المتحدة التي زارها مؤخراً (رغم إنكاره لذلك)، يوضّح للأمريكيين فيها أن “الإخوان المسلمين” ليسوا كما وصفهم تقرير يهودي أمريكي “بأنهم الأكثر عداء ل”إسرائيل” في عام 2012” . تصريح العريان هو أيضاً رسالة إلى “الإسرائيليين” .
لقد استهدف من تصريحاته أيضاً الإساءة إلى الرئيس الخالد جمال عبدالناصر واتهامه بتهجير اليهود المصريين إلى الكيان الصهيوني، بالرغم من أن القاصي والداني وكل العرب يعرفون الطريقة التي ضغطت بها المخابرات “الإسرائيلية” وأجهزة مختلفة في دولتها، على اليهود المصريين لمغادرة بلدهم والتوجه إلى “إسرائيل” . وإمعاناً في إخفاء الجهة التي سيتوجهون إليها، (حتى لا يتم منعهم فيما لو عرفت المخابرات المصرية أنهم يقصدون “إسرائيل”) سافروا في معظمهم بدايةً إلى الدول الأوروبية الغربية، وفيما بعد سفّرتهم أجهزة الاستخبارات إلى الكيان الصهيوني، فكيف يتهم العريان الرئيس عبدالناصر بطردهم؟
العريان بتصريحه يلتقي مباشرةً أو بشكل غير مباشر مع الهدف “الإسرائيلي” الذي يعمل على “اختراع اللاجئين اليهود” ويطالب الدول العربية بالتعويض عن الممتلكات لليهود فيها . ووفقاً لتقارير “إسرائيلية” فإن ممتلكات 80-100 يهودي عاشوا في مصر، تقدّر ب 30 مليار دولار . تصريحات العريان حول “طرد عبدالناصر لليهود المصريين” يمكن للمحكمة الدولية الاعتماد عليها، إذا ما تقدّم أحفاد هؤلاء برعاية “إسرائيلية”، بطلب للتعويض عن ممتلكات أجدادهم . اليهود المصريون قبل سفرهم إلى أوروبا وفيما بعد إلى “إسرائيل” باعوا كافة ممتلكاتهم في مصر .
مصادر عدة يمكن الاعتماد عليها (بما في ذلك مصادر “إسرائيلية”) تُثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الكيان الصهيوني لعب دوراً أساسياً في الضغط على اليهود المصريين للهجرة إلى “إسرائيل” . وعلى ما يبدو فإن القيادي في “الإخوان المسلمين” عصام العريان لم يسمع عن “قضية لافون”، وهي أكبر عملية إرهابية خططت لها الدولة الصهيونية لضرب أهداف مدنية مصرية (دور سينما، نواد، مؤسسات) وأهداف أمريكية وبريطانية بهدف تهجير ما تبقى من اليهود والإساءة للعلاقات بين مصر والدولتين، إلا أن المخابرات المصرية كشفت العملية واعتقلت الجواسيس “الإسرائيليين” (بأسماء وجوازات سفر أوروبية) وحاكمتهم . كان ذلك في عام 1954 .
العريان، لم يسمع عن تفجير المخابرات “الإسرائيلية” لكنيس مسعودة في العراق في عام 1950 بهدف الضغط على يهود العراق للهجرة إلى “إسرائيل” . ولم يسمع عن الأموال التي دفعها الكيان الصهيوني لزعماء أفارقة، من أجل تهجير اليهود الفالاشا إلى “إسرائيل” . التهجير لليهود من أوطانهم إلى “إسرائيل” هو هدف قديم-جديد يتجدد في كل عام . هذا ما لا نقوله نحن فقط، بل تقوله المصادر “الإسرائيلية” نفسها، فكيف يحمل العريان المسؤولية لعبدالناصر في تهجير وطرد اليهود المصريين؟
عصام العريان، أعلن مبكراً عن الخيار السياسي ل”الإخوان المسلمين” في ما يتعلق بالنظرة ل”إسرائيل”، جاء ذلك في تصريحه لصحيفة “الحياة” اللندنية من خلال مقابلة له فيها (16 ديسمبر/ كانون الأول 2007)، حيث يقول “في حالة وصول “الإخوان المسلمين” إلى الحكم في مصر، فسيعترفون ب”إسرائيل” ويحترمون المعاهدات والاتفاقات المبرمة معها” في المقابلة نفسها، يتحفظ العريان على بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، لكنه يضيف قائلاً: “لكن مثل هذا التحفظ لا يعني إعلان الحرب على “إسرائيل”” . هذا الموقف أكدّته الأحداث، فمنذ تسلم الرئيس المصري محمد مرسي لمنصبه حرص في كل خطاباته على التأكيد على أن مصر ستحترم كافة الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها .
هذا ما أكده “الإخوان المسلمون” من خمس دول عربية (من بينهم حزب الحرية والعدالة في مصر) في الحلقة النقاشية التي شاركوا فيها التي نظّمها معهد كارينغي للسلام في الولايات المتحدة، وفي مباحثاتهم مع مسؤولين أمريكيين من وزارة الخارجية أيضاً .
من الواضح تماماً، ومثلما يقول ويكتب محللون سياسيون وصحفيون وكتاب مصريون أن تصريحات العريان تهدف فيما تهدف إليه “إلى تحويل الأنظار عن الوضع الاقتصادي المصري المتردي يوماً بعد يوم”، فالبطالة تزداد والعجز يرتفع، وقيمة الجنيه المصري في انخفاض، وأسعار السلع الحياتية في ارتفاع مستمر، والفساد ينمو باطراد (حتى إن البنك الدولي لم يقم بمد الاقتصاد المصري بقرض ال 4 مليارات دولار حتى الآن، بسبب عدم اطمئنانه إلى المسيرة الاقتصادية في مصر، وقد كانت مصر طلبت القرض من البنك منذ أشهر عدة في عهد الرئيس المصري الجديد)، الأمر الذي أدى باقتصاديين مصريين مختصين وسياسيين، إلى التحذير من انهيار اقتصادي مصري قريب .
في الختام نقول، إن حزب الحرية والعدالة منذ مجئيه إلى السلطة في مصر، آثر احتكارها والتفرد فيها والاستئثار بها في كل المواقع والمناصب في تخل واضح عن وعود قاطعة كانوا أخذوها على أنفسهم بمشاركة كل القوى الوطنية والقومية الناصرية واليسارية في السلطة . لقد أصبح معيار تسلّم المناصب في مصر هو الانتماء لحزب الحرية والعدالة، في كثير من الأحيان يكون هذا على حساب الكفاءة .
لقد أخطأ عصام العريان في تصريحاته السابقة والأخيرة، وإن يعكس شيئاً فإنما السياسات المتبعة ل”الإخوان المسلمين” في المجالات المختلفة .