مريم الشروقي
هكذا تسلّمتُ هذه الرسالة من أحد الإخوة، عبر بريدي الإلكتروني، يعاتب فيها إخوته وأهل وطنه، في آخر يومٍ له في عمله، إذ ما إن رجع إلى عمله بعد الفصل التعسّفي في إحدى الشركات المرموقة، حتى قدّم رسالة تقاعده، لأنّه لم يستطع تحمّل الموقف بينه وبين إخوته أو من عدّهم إخوة في يوم من الأيام. وإليكم هذه الرسالة التي تعبّر عن مدى المعاناة والألم الذي اكتنف قلب هذا الرجل.
«بعد التحيّة والتقدير والاحترام، لم يبقَ على وجودي بينكم إلاّ هذا اليوم الأخير، ولم أتوقّع يوماً أنّني سأختم حياتي العملية بعد طول عملٍ مضنٍ في خدمة الوطن بهذه الطريقة وبهذه السرعة، فلقد كوّنتُ صداقات مع غالبية موظفي العمل، ولم أبخل بعواطفي وحبّي عليكم، فلقد كنتم جميعاً ضمن أولوياتي في يوم من الأيام.
ولكن… جاءت أحداث 14 فبراير/ شباط وتبدّلت العلاقات الأخوية رأساً على عقب، وكان ذنبي «مذهبي»، مع أنّه شرفٌ لي أن أولد على هذا المذهب، حيث إنّني لم أُدخل المذهب قط في علاقاتي معكم، ولم أفرّق في يوم من الأيام بين أهل مذهبي وبينكم، بل كنتم أحبابي وأهل وطني دوماً، إلى أن عوقِبت مع بقية إخواني وأخواتي بتلك الطريقة البشعة، عندما تمّ فصلنا تعسّفياًّ من أعمالنا، وأنا الذي واظبتُ على العمل أعواماً غير قليلة من عمري، ولم أستطع تصديق ما حدثَ لنا، وما تمّ بيني وبينكم من شرخٍ أحدثتموه، وإلى الآن يأبى العقل تصديق ما حدث لي ولبقيّة أبناء جنسي وطائفتي.
أنتم تعلمون بنزاهتي وعدم تعصّبي، لكنكم في لحظة خاطفة حطّمتم العلاقة وابتعدتم عنا كطائفة، حتى السلام أبيتم أن تردّوه علينا، وإن أجبتم فإنّه يختلف اختلافاً جذرياًّ عن ذلك السلام الذي نعرفه وتعرفونه من قبل، فيا تُرى أكان ذنبي مذهبي؟ أم كان ذنبي مطالبة البعض بحقّي وحقّكم؟ أم انّها كراهيةٌ دُفنت عنا حتى ظهرت لنا اليوم؟
كنتُ وما زلتُ أحبّكم، ويأبى الفؤاد إخراجكم من قلبي، فتقبّلوا مني هذا العتاب، فالمحب يعتب على من أحبّه، ولا أحمل ضغينةً عليكم، بل إنّي مشفقٌ اليوم بعد أن ظهرت الحقائق وتكشّف النور، ولكم من قلبي جزيل الحب والاحترام، حتى وإن وقف الحبُّ من قلوبكم..». (أخوكم).
انتهت الرسالة، ولكن لحظة… لقد تقطّعت أوصال العلاقة بين هذا الرجل وإخوته في العمل، وليس هو الوحيد الذي عانى هذا القطع وهذا الجفاء، فهناك قصص كثيرة نستطيع ذكرها في عدَّة مقالات، تنطق عن ألم الفؤاد في العلاقات التي سُويَّت مع الأرض جرّاء الأحداث التي عصفت بأهل البحرين.
لا نلوم هذا الأخ أو غيره في العتاب، فالقائمة تطول، إذ إنّنا حُرمنا الحب في عامٍ ونيّف، بسبب ما حدث، ولكن فليتوقّف من يكره ومن يحقد، لأنّ الحقد لا يطيل الأعمار ولا يدوم للشخص، بل يدوم الحب والاحترام والتعايش وتقبّل الآخر، وأتمنى أن يقرأ هذه الرسالة كل من خسر أخاً له بسبب ما حدث، لأنّ الأزمان تدور، ولا يدوم لنا إلاّ الأخوّة والمعاملة الجميلة، وتذكّروا يا إخوتي يوماً كنتم فيه يداً واحدة، وتفكّروا في حالنا عندما ننقسم أكثر.
اللهم احفظ أهل البحرين جميعاً. اللهم لا تفرّقهم بعد العاصفة التي سيطرت عليهم. اللهم ولا تشمت بهم الأعداء، إنّك عليم سميع قريب. اللهم أصلح شأننا، وألّف بين قلوبنا يارحيم… اللهم آمين… وجمعة مباركة!