بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لغم الانسحاب من المدن : أبتعاد امريكا عن نار العراق
قد يجد الجبان 36 حلاً لمشكلته ولكن لا يعجبه سوى حل واحد منها وهو : الفرار
مثل عالمي
في خطابه التاريخي الذي وجهه القائد المجاهد عزة ابراهيم الى ابناء العراق والامة العربية والعالم يوم 30/6/2009 اكد على ان الانسحاب الامريكي من المدن وترك الامر للحكومة العميلة مع دعم محدود من قوات امريكية ستبقى في المدن، ما هو الا نتيجة حتمية لقدرة المقاومة العراقية المسلحة على الحاق خسائر مدمرة بالاحتلال تتجاوز بكثير قدراته مما اجبره على الانسحاب الى خارج المدن لتقليل الخسائر من جهة، كما انه مقدمة لتنفيذ صفقة امريكية – ايرانية طبخت على نار هادئة منذ اكثر من عامين تستلم بموجبها ايران العراق و(تملأ الفراغ) الامني، كما طالب احمدي نجاد رسميا واتبعه خامنئي، وهي صفقة ملخصها (الثروة العراقية لامريكا والنفوذ السياسي لايران) من جهة ثانية. وهذا التاكيد للقائد المجاهد عزة ابراهيم يأتي في سياق الرد الحازم للمقاومة العراقية على الفصل الجديد من التأمر الامريكي – الايراني – الصهيوني على العراق وثورته وهويته ومقاومته وتنبيه الامة كلها الى مخاطره وضرورة مواجهته بموقف موحد عراقيا وعربيا لان المساومة الامريكية الايرانية اذا مرت فسوف تنوش اثارها المدمرة كل الاقطار العربية ولن ينجو منها احد.
ان السؤال المركزي المترتب على هذا التطور هو : كيف ولماذا تمت الصفقة؟ وماهي خطوطها العامة؟ وما النتائج المترتبة عليها؟ وماهو الرد المطلوب عليها؟
الخطوط العامة
منذ تبين للشريكين الرئيسيين في غزو العراق امريكا وايران ان المقاومة العراقية قوة هائلة من المستحيل التغلب عليها او احتواءها، وذلك عقب معركتي الفلوجة الاولى والثانية في عام 2004، بدأت مرحلة جديدة من التعاون الامريكي – الايراني حول العراق، شكلت امتدادا طبيعيا للتعاون الاصلي بينهما والذي بدأت ملامحه المتبلورة تتضح رسميا وبصورة بعيدة عن التخمينات في عملية غزو افغانستان والعراق في عامي 2001 و2003، بعد ان برزت مظاهره الاولية اثناء الحرب التي فرضتها ايران خميني على العراق بين عامي 1980 و1988 وتجسدت في تقديم الاسلحة والمعلومات الاستخبارية من امريكا والكيان الصهيوني الى ايران لتستخدم ضد العراق وهو ما عرف (بايرانجيت). وفيما يلي اهم محطات التعاون الامريكي الايراني في العراق بعد احتلاله :
1 – في اعتراف رسمي واضح ودقيق قال محمد علي ابطحي، نائب رئيس الجمهورية الايرانية في عام 2004 بانه (لولا المساعدة الايرانية لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان). وهذا القول الشرطي (لولا مساعدة ايران) يعني بوضوح لا لبس فيه ان الغزو الامريكي ماكان له ان ينجح لولا الدعم الايراني الكبير جدا.
2 – ترجم التعاون بين الطرفين في قيام عملاء ايران بتشكيل القوة الاساسية التي قامت عليها الحكومات في ظل الاحتلال، فبعد ان اكتشفت امريكا ان عميليها اياد علاوي واحمد الجلبي لا يملكان اي رصيد شعبي اصبحت التنظيمات التابعة لايران هي القوة الرئيسية التي يقوم عليها الاحتلال، فحزب الدعوة والمجلس الاعلى والتيار الصدري هي القوى الرئيسية في الحكومات والبرلمان وفي التشكيلات العسكرية والامنية التي شكلها الاحتلال وتولت مهمة سحق العراقيين ومحاربة مقاومتهم، جنبا الى جنب مع استخدام الاحتلال للحزبين الكرديين، ولحركة الاخوان المسلمين – او الحزب الاسلامي – في الحكم.
ان وقوف الاحتلال الامريكي بقوة في العراق وصموده ستة سنوات امام هجمات مدمرة ليس لها مثيل في حركات المقاومة المسلحة في العالم ما كان له ان يتم لولا استناده بالدرجة الاولى والاساس على قدمين ايرانيتين هما الاحزاب الموالية لايران في العراق، ولولا تلك القدمين لما استطاع الاحتلال تشكيل حكومة او قوى امن وجيش ولما استطاع ابادة مليوني عراقي بعد الغزو ولما صمد شهرا واحدا امام عمليات المقاومة المسلحة. وتلك اكبر خدمة ايرانية للاحتلال الامريكي.
3 – ان تدمير الدولة العراقية ونهب املاكها واسلحة قواتها المسلحة تم بالدرجة الاولى على يد عصابات ايرانية نقلت كل شيء الى ايران ولم يبق في العراق معملا واحدا او مؤسسة واحدة او شاحنة واحدة، وذلك واحد من اهم اهداف الاحتلال وهو تدمير كل مظاهر القوة والتقدم التي تحققت في العراق في ظل حكم البعث.
4 – ان تنفيذ خطة تقسيم العراق تم على يد عملاء ايران ابتداء من فرض دستور بريمير الكونفدرالي ونظام المحاصصة الى اطلاق يد العصابات وفرق الموت لتقوم بالقتل على اسس طائفية كان يجب ان تمزق العراق طائفيا وعرقيا. لقد ثبت بعد ست سنوات من الاحتلال بان اكثر من 90 % من فرق الموت كانت ايرانية او توجهها ايران وكان 10 % منها تابعة لامريكا والموساد والبيش مركة الكردية. وهذه الفرق هي التي ابادت الاف العراقيين خصوصا ضباط وطياري الجيش الوطني والعلماء والاكاديميين والفنيين وكوادر الدولة ورموز العراق الثقافية والفكرية.
5 – محاولة تغيير التركيبة السكانية للعراق التي قامت بها ايران بدعم امريكي كامل، من خلال تهجير ستة ملايين عراقي عربي من ديارهم وجلب اربعة ملايين فارسي او كردي من ايران وتركيا ومنحهم الجنسية العراقية – اعترف ابراهيم الجعفري حينما كان رئيسا للوزراء بانه منح الجنسية العراقية لمليونين ونصف المليون – والجعفري ايراني الجنسية ويحمل كذلك الجنسية البريطانية، لدرجة ان وزراء ونواب في البرلمان العراقي في ظل الاحتلال كانوا يحملون الجنسية الايرانية وشاركوا في الانتخابات الايرانية الاخيرة وصوتوا لاحمدي نجاد علنا! ان التخلص من العراق العربي القوي هدف صهيوني قديم ومعروف ومن نفذه بالاساس هو ايران بعد ان فشل الكيان الصهيوني لعدة عقود من الزمن.
6 – كانت ايران اول دولة تعترف بالاحتلال وتباركه وتدعوا لدعمه وكان وزير خارجية ايران اول من زار العراق وكان رئيس ايران احمدي نجاد او رئيس يزور العراق المحتل ويباركه ويدعوا لدعمه.
7 – دخل العراق من ايران اكثر من مائة الف ايراني مخابرات ومن حرس الثورة واسسوا مكاتب رسمية وصارت لهم في وزارات عديدة مكاتب، مثل وزارة الداخلية في عهد وزير الداخلية الايراني صولاج الذي تفنن في تعذيب العراقيين وادخل طرقا منه كانت غير مألوفة في العراق مثل استخدام الدريل – المثقاب الكهربائي – في تثقيب الجماجم والعيون والاجساد حتى الموت. ومع هؤلاء ادخلت ايران الى العراق المخدرات والايدز وبدعم امريكي كامل، مع ان العراق كان قبل الغزو من انظف دول العالم في مجالي الايدز والمخدرات، كما ادخلت زواج المتعة الذي كانت وظيفته تفسيخ الاسرة العراقية ونشر العهر تحت غطاء زواج المتعة. وبالاضافة لهذه الاعمال التخريبية المنظمة فان ايران كانت ومازالت تدعوا رسميا للاعتراف بالحكومة العميلة والمشاركة في العملية السياسية والانتخابات وصدرت فتاوى من خامنئي والسيستاني تدعو لذلك، ونادى حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني الى المشاركة في العملية السياسية في العراق المحتل.
8 – جرت مفاوضات رسمية ايرانية امريكية في العراق قادها السفيرين الامريكي والايراني في بغداد وكان موضوعها علنا ورسميا هو كيفية تحقيق الامن في العراق، وهو يعني ويساوي قمع المقاومة العراقية لانها هي التي كانت تقاتل الاحتلال وتسبب له كوارث اجبرته على الاعتراف بخطأ حسابات الاحتلال. هذه المفاوضات تواصلت سرا بعد ثلاثة جولات رسمية وعلنية وكان محورها هو الوصول الى السيطرة على الامن في العراق. وكانت ايران تطالب رسميا بمصالح وبدور لها في العراق تعترف بهما امريكا رسميا.
9 – جاء تقرير بيكر- هاملتون داعيا الى الاعتراف رسميا بدور لايران في حل مشكلة احتلال العراق وهو اعتراف يقوم على منح ايران حصة من العراق مكافئة على تعاونها مع امريكا في تنفيذ ونجاح احتلاله، اضافة للاعتراف بدور اقليمي لها في الترتيبات الاقليمية المطلوبة مثل ما يسمى (الشرق الاوسط الجديد) او الموسع. وبدأت ادارة بوش بتلك الخطوات نحو تقاسم غنيمة العراق مع ايران او مكافئة ايران على خدماتها في العراق.
10 – حينما جاء اوباما الى الادارة كانت البيئة جاهزة ومجهزة لعقد صفقة مع ايران على حساب العراق والاقطار العربية. ولذلك كانت دعوته للتفاهم مع ايران طبيعية ومتوقعة.
في ضوء ما تقدم نرى ان موضوع الانسحاب من المدن لم يكن خطوة امريكية منفردة بل كانت عبارة عن خطوة في اطار اتفاق امريكي ايراني على تقاسم الكعكة العراقية، والادلة كثيرة اضافة لما سبق.
بعض مؤشرات الصفقة
نعم ايران تنفذ مخططها الوطني والقومي في العراق والاقطار العربية وبقرار ايراني، ولكن هذا المخطط يلتقي مباشرة ويخدم بصورة جوهرية المخططات الامريكية والصهيونية في الوطن العربي، ولذلك فان من مصلحة الصهيونية وامريكا دعم وجود نفوذ ايراني مهم في العراق واقطار عربية، وفيما يلي مؤشرات اساسية تؤكد ذلك منها :
1 – من ابرز الحقائق التي تؤكد ان امريكا كانت تتعمد ابقاء العراق ضعيفا وهشا هي حقيقة ان الإدارة الامريكية رفضت باصرار تسليح الجيش الجديد رغم انه اداة بيدها، لانها لا تريد بروز عراق قوي، حتى لو كان تابعا لها، ويستطيع بقواته الذاتية ملأ الفراغ وحماية الامن. لقد كان قرار حل الجيش بعد الغزو ونهب اسلحته او تدميرها يستهدف جعل العراق مجرد فراغ يجتذب كل انواع الفوضى والارهاب والفساد والتشرذم، لهذا فانه بعد ست سنوات من الاحتلال كانت اكثر من كافية لاعادة تسليح الجيش الجديد بعد ان بني بقرار امريكي بقي الجيش هشا ويعد شرطة قوية وليس جيشا حقيقيا.
لنتذكر ان القضاء على العراق القوي كان هدفا امريكيا رئيسيا تقرر منذ الحق العراق هزيمة مخزية بايران في عام 1988 مع ان حرب خميني على العراق كانت وظيفتها الاساسية تفكيك تجربة النهضة القومية العربية في العراق والحاق الهزيمة بها اكمالا لخطة تدمير القومية العربية التي ابتدأت في عهد المرحوم عبدالناصر، وجاء العدوان الثلاثيني في عام 1991 من اجل تدمير الجيش العراقي والتخلص منه خدمة للكيان الصهيوني الذي راى رسميا في جيش المليون مقاتل وصاحب اعظم خبرة قتالية الخطر الاول الذي يهدده.
ان ما يسمى الفراغ الامني الحالي هو نتاج عاملين : عامل قدرة المقاومة على دحر الاحتلال وقواته، وعامل تخلف وضعف الجيش الجديد. ومن العوامل الاخرى التي ادت الى الفراغ هو ان الجيش الجديد والشرطة الجديدة اساسهما الذي بنيا عليه هو المحاصصة الطائفية والعرقية، فنشأت قوات يتبع كل جزء منها قوة سياسية وليس الهرم التنظيمي للقوات، فهناك جيش وشرطة تابعة لعملاء ايران وتأتمر باوامرها، وهناك شرطة وجيش تاتمر باوامر الزعامات الكردية…الخ، وهكذا فان القوات الجديدة لم تكن تقاد مركزيا بل كانت عبارة ميليشيات متعددة الولاءات. وهذا احد اهم اهداف الاحتلال الذي اريد به تحويل العراق الى ساحة تجاذبات وصراعات تشله وتمنعه عن لعب دور قومي ووطني فعال ومستقل.
2 – لقد تعمدت الادارة الامريكية بقاء النفوذ الايراني في العراق رغم كل الدعايات التي بثت حول تصفيته، لانها لو كانت حقا تريد تصفية النفوذ الايراني لكان بامكانها الاعتماد على قوات عسكرية بالامكان تشكيلها لتصفية النفوذ الايراني، بل ان العديد من كبار ضباط الجيش الوطني قدموا خططا تفصيلية تضمن سحق عملاء ايران وطردهم من العراق خلال وقت قصير جدا , لكن الادارة الامريكية اهملتها بعد ان استخدمتها أعلاميا في ابتزاز حكومة المالكي من اجل ان تسرع في توقيع الاتفاقية الامنية، وفي الضغط على ايران، وقصص الانقلاب ضد حكومة المالكي وعملاء ايران التي ملأت الاجواء وربط باسم الجاسوسين الامريكيين رعد الحمداني وعبود معروفة. ويترتب على هذه الحقيقة ما يلي : لو كانت امريكا تريد حقا تصفية النفوذ الايراني في العراق لكان بامكانها ذلك بسهولة لكنها تريد الوجود الايراني في العراق لانه العامل الاكثر حسما في ترويج الفتن الطائفية اضافة لكونه احد اهم ضمانات عدم انتصار المقاومة والتيار القومي العربي في العراق.
3 – تعمدت الادارة الامريكية تسليم المسؤوليات الرئيسية لعملاء ايران في العراق وتجنبت منح خصومهم مواقع فعالة في مسعى واضح لتمكين ايران من التغلغل في العراق وترسيخ نفوذها فيه. قد يقول معترض ولم تمكن امريكا ايران من تحقيق نفوذ كبير قد يستخدم ضدها لاحقا؟ ان الجواب قدمته الاحداث الواقعية، فايران هي وحدها من نجحت في نشر الفتن الطائفية في العراق والاقطار العربية، وخلقت رعب في الاوساط الطائفية السنية وقدم لها الحجة والمبرر لطرق باب الطائفية وتوظيفه ضد ايران، وذلك هدف مركزي وستراتيجي امريكي – اسرائيلي، وايران وحدها من نجح في ادخال ملايين غير العراقيين الى العراق ومنحهم الجنسية العراقية لاجل تغيير هوية العراق العربية بجعل العرب قومية من بين القوميات في العراق وليس القومية الرئيسية التي تشكل 85 % من مجموع العراقيين كما كان الحال قبل الغزو، أذن ايران وبفضل قيامها بالدور الرئيسي في تنفيذ الهدف الستراتيجي الامريكي الاسرائيلي بنجاح يجب ان يكون لها دور فعال ومهم في العراق.
ولكن عمليات المقاومة التي استهدفت الغرباء الذين ادخلوا لتغيير هوية العراق الوطنية والقومية اجبرت اغلبيتهم على مغادرة العراق، والان المطلوب أمريكيا وصهيونيا هو اعادة محاولة شرذمة العراق وتقسيمه بطرق اخرى، ولذلك تبقى ايران هي المرشحة الاهم لتحقيق هدف تغيير المعادلة السكانية في العراق، ووجود حكومة تابعة لايران في العراق هو الضمانة الاساسية لشرذمة العراق والقضاء على عروبته.
4 – ان تفتيت المجتمع العراقي بالنسبة لامريكا والصهيونية مهم كاهمية تدمير الدولة العراقية، فتماسك وسلامة المجتمع ينتج اجيالا متماسكة وطنيا واخلاقيا وتربويا ودينيا، وبما ان العراق كان نظيفا قبل الغزو فان القدرة على تلويثه تبقى مهمة ايرانية في المقام الاول، وهذه الحقيقة تعرفها امريكا لان ايران وعصاباتها ومخابراتها هي التي نشرت المخدرات في العراق وهي التي نشرت الايدز في العراق وهي التي نشرت زواج المتعة من اجل تدمير العائلة العراقية، وهي التي نشرت الفساد الاداري ونهب الثروات عبر عصاباتها خصوصا عصابات نهب النفط في الجنوب. تشهد تقارير الامم المتحدة ان العراق قبل الغزو كان نظيفا من الايدز والمخدرات والتهريب لكنه الان اهم مراكز تلك الفساد التي ماكان لها ان تظهر في العراق لولا ايران. لذلك فان بقاء نفوذ ايراني قوي في العراق هو الضرورة الحاسمة والاساسية التي تضمن شرذمة المجتمع العراقي والدولة العراقية ومواصلة نشر الفساد والتلوث فيهما حتى يصل العراق الى حالة التحلل والانهيار القيمي الكامل.
5 – ان نشر الشرذمة في اطار سايكس بيكو الثانية، والتي تعني تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية وعرقية، احد اهم الاهداف الامريكية التي يجب تحقيقها لانهاء الامة العربية وتحويل اقطارها الى نثار منتشر على بقعة ارضية واسعة ولا يمكن جمعه نتيجة التناقضات المزروعة، وايران هي الطرف والقوة الوحيدة التي تملك مفاتيح الشرذمة على اسس طائفية في الوطن العربي، كما اثبتت التجربة التي اعقبت غزو العراق، لذلك فان امريكا والكيان الصهيوني يحتاجان الى ايران القوية والمؤثرة من اجل انجاز هذه المهمة الخطيرة.
6 – رغم معرفة امريكا بان ضرب وتدمير العراق سوف يقود تلقائيا الى حدوث فراغ ستراتيجي في العراق يصبح ملئه مصدرا لتسابق اقليمي تشارك فيه ايران وتركيا والكيان الصهيوني، وهو ماقلنا وحذرنا منه في اكثر من مقال ودراسة بعد عدوان عام 1991 وفرض الحصار وبدأ تفتت قوة العراق العامة، رغم ذلك فان امريكا اقدمت على ليس غزو العراق واسقاط نظامه الوطني فقط بل وتعمدت أيضا تدمير الدولة وتفكيك المجتمع وانشاء بيئة تخلق حتما كل عوامل الضعف والانهيار في المجتمع العراقي. لو كان الهدف الامريكي فقط هو اسقاط النظام الوطني وليس تدمير العراق، دولة ومجتمعا، لكان ممكنا الاكتفاء باسقاط النظام وابقاء الدولة بمؤسساتها وزاراتها وقوى امنها كي تسيطر على الوضع وتقدم الخدمات وتمنع الفوضى والتشرذم، لكن امريكا كانت تريد تنفيذ مخطط ابعد واخطر واوسع وهو تقسيم العراق الى 3 دول وجعل بيئة العراق ملوثة وقادرة على نقل تلوثها الى باقي الاقطار العربية لتدشين عصر نشوء دويلات المماليك وامراء الحرب والفتن في كل الاقطار العربية. انه المخطط التقليدي الصهيوني الذي اراد المحافظون الجدد تطبيقه خدمة لاسرائيل.
ماجرى بعد غزو العراق عام 2003 كانت ملامحه ومقدماته واضحة جدا وصريحة جدا اثناء فترة الحصار في التسعينيات حيث كانت امريكا وبريطانيا، وبمشاركة فرنسية، تدمر بصورة منهجية ومتعمدة مصادر القوة العراقية الاقتصادية والعسكرية وتعيد قوته البشرية التي حررتها ثورة 17 تموز عام 1968 من الفقر والامية والتخلف وأهلتها وحولتها الى قوة ايجابية خلاقة مبدعة، تعيدها الى مرحلة المعاناة من الفقر والمرض والجوع وهو ما حققه الحصار، وهكذا اخذ التفوق العراقي والتقدم العراقي يتأكلان، فمهد ذلك الطريق، عمدا وبتخطيط امريكي – بريطاني – صهيوني، لبروز ايران وملأ فراغ العراق. لقد جاء الغزو في عام 2003 واكمل المهة الستراتيجية العظمى التي بدأ نظام خميني بمحاولة تحقيقها وفشل، وجاء العدوان الثلاثيني في عام 1991 لتحقيقها وفشل، وهي التخلص من العراق القوي والمتقدم.
لقد بات واضحا بعد الغزو ان من مصلحة امريكا والكيان الصهيوني اطلاق يد ايران في العراق والاقطار العربية لانها الحادلة التي تستطيع سحق عوامل القوة العراقية والهوية العربية. ان قرار السماح لايران بلعب دور القوة العظمى الاقليمية الوحيدة ودفعها لسحق الهوية العربية خصوصا في العراق، وهو طموح قومي فارسي عتيق عتق تحطيم العرب المسلمين للدولة الفارسية ونشر الاسلام في بلاد فارس، كان ومازال هدف ستراتيجي امريكي صهيوني تقوم ايران بتنفيذه خدمة لمصالحها بالدرجة الاولى.
7 – ان فشل امريكا في قهر المقاومة العراقية المسلحة، التي وضعت امريكا على حافة الانهيار الشامل وما الانهيار المالي الا مقدمة لذلك، قد اقنع صناع القرار الامريكي بان المطلوب هو تراجع امريكا الى الخلف وترك ايران تكمل المهمة الامريكية الصهيونية في العراق لانها راغبة جدا فيها وتخدم ستراتيجيتها القومية، والصفقة الامريكية – الايرانية التي اشار اليها الرفيق المناضل عزة ابراهيم هي الثمرة الطبيعية لزواج المتعة الامريكي – الصهيوني – الايراني.
ماذا تريد امريكا من الانسحاب واطلاق يد ايران؟
تريد امريكا تحقيق ما يلي، كما نرى ونتوقع مستندين الى معلومات وخبرات تجارب سابقة :
1 – بعد الانسحاب الى خارج المدن تتوقع امريكا تصعيد عمليات المقاومة العراقية ضد حكومة المالكي وهو امر سيعرضها للسقوط الحتمي، لذلك ستلجأ لطلب الدعم الايراني تنفيذا للاتفاقية التي عقدها الجعفري واكدها المالكي مع ايران.
2 – سيكون التدخل الايراني على الارجح بصورة مموهة تحت غطاء جيش المهدي وفيلق بدر لكن الجميع في العراق سيعرف ان الجيش الايراني او حرس (الثورة الايرانية) هو الذي يقاتل في بغداد ويعمل على الصعود الى الشمال والنزول الى الجنوب للسيطرة على العراق، حسب السيناريو الذي سيطبق.
3 – ستقوم المقاومة العراقية بكافة فصائلها بالرد ومقابلة القوات الايرانية وعندها سوف ينشب قتال ضار ومهلك للطرفين، فايران سوف تتعرض لانكشاف لم يسبق له مثيل وسوف تشيطن فورا وبصورة شاملة في اعين العرب كافة وسوف تنتحر العناصر الموالية لايران سياسيا، وسوف يتشكل راي عام اقليمي ودولي معاد لايران بقوة بسبب ما سيجري في العراق، ومقابل ذلك سوف تستنزف المقاومة العراقية بقوة مما يؤدي الى تراجع دورها القتالي.
4 – بنفس الوقت، وبتدخل ايران المباشر في العراق، سوف تكتمل عوامل نضوج الظروف الموضوعية في ايران لتغيير نظام الملالي، بصفته قوة عدوانية الحقت اضرارا فادحة بدول المنطقة وبايران، وما حصل بعد الانتخابات الايرانية الاخيرة يؤكد ان نظام الملالي قد فقد بعضا من اهم مصادر قوته، مثل انقلاب البازار عليه، واتفاق اغلب رجال الدين في قم وفي مقدمتهم أية الله العظمى حسين منتظري، على رفض ولاية خامنئي. لقد وجدت، لاول مرة منذ وصول خميني للسلطة، الثغرة الستراتيجية المميتة داخل النظام الايراني مما يجعل المغامرات الخارجية الخطيرة، مثل التدخل المباشر في العراق، الفتيل الذي سيشعل نيران اسقاط النظام.
ان الغرب والصهيونية يريدان الان ايران قوية اقليميا ولكن بدون الملالي ونظامهم لانه استنزف اغراضه وانتهى دوره في خدمة امريكا والصهيونية بسقوط ما يسمى (الاسلام السياسي) الشيعي والسني في ضوء تجربة العراق الخطيرة، وهو اسلام مزيف دعمته امريكا بقوة منذ السبعينيات. ان ايران المقلمة الاظافر – بدون سلاح نووي – التي يحكمها نظام جديد والتي تلعب دورا اساسيا في النظام الاقليمي الجديد هي التي ستنشأ بعد هزيمتها في العراق على يد المقاومة العراقية.
5 – ما تريده امريكا هو التالي : باضعاف المقاومة العراقية في قتال شرس مع ايران وبسقوط النظام في ايران سوف تتوفر البيئة المطلوبة لاقامة نظام اقليمي جديد ونظام عراقي جديد، فالنظام الاقليمي سيقوم، وستكون ايران وتركيا والكيان الصهيوني اطرافه الرئيسية، وسيقوم في العراق نظام ضعيف مهزوز يتشكل من كتل وفئات غالبا نخبوية وليست لها قواعد جماهيرية، بعد تمزيق المقاومة والبعث. وعندها سوف يكون النظام الجديد مضطرا للخضوع لامريكا وتنفيذ ما تريد، وسيكون نظاما هو مزيج من الفدرالية والكونفدرالية حيث ستكون السلطة والثروة بيد الاطراف وليس المركز، لضمان منع العراق من استئناف دوره القومي والوطني المطلوبين وجعله قوة مهمشة اقليميا.
ان تدمير المقاومة بشقها بعد استنزافها بصراع عسكري مباشر مع ايران، المقترن بتزايد محاولات شق البعث واجتذاب طرف منه للتعاون مع امريكا – بضغوط من انظمة عربية تقيم علاقات مع الحكومة في بغداد – والاشتراك في العملية السياسية في العراق، هو الهدف الامريكي الاهم الذي يحقق لامريكا ما عجزت عن تحقيقه بالغزو والحرب المباشرة. واذا نجحت امريكا في تحقيق ذلك فان تقسيم العراق سوف يكون النتيجة الطبيعة لنشر نوع سرطاني من الليبرالية يسمح بتناثر القدرات العراقية ونشوء عصر احزاب الفرد الواحد في العراق.
هذا هو المخطط الامريكي الحالي الذي تريد امريكا تنفيذه من وراء الانسحاب من المدن وترك الحكومة تقاتل المقاومة مباشرة مع انها عاجزة عن ذلك.
الرد المطلوب
ان هذا المخطط الامريكي، الذي تدعم وجوده مؤشرات ومعلومات، معروف الى حد كبير، وهذه المعرفة تمنح المقاومة العراقية نصف انتصار طبقا للمثل القائل (معرفة العدو نصف النصر)، اما النصف الثاني من ضمانات النصر فهو يتضمن، في مقدمة ما يتضمنه، حقيقة ان المقاومة التي نجحت في دحر امريكا واجبارها على سحب قواتها الى خارج المدن قادرة دون ادنى شك على الحاق الهزيمة بايران، خصوصا اذا امنت ما يلي :
1 – عدم السماح لقوات الاحتلال بالشعور بالراحة خارج المدن أبدا ويجب مطاردتها واستهداف قواعدها اينما وجدت بالصواريخ وغيرها وبلا انقطاع. ان الجهد الرئيسي للمقاومة يجب ان ينصب على قوات الاحتلال الامريكية في قواعدها وفي اي مكان توجد فيه.
2 – ان اسقاط الحكومة العميلة في بغداد مرهون بدحر الاحتلال لانها تستمد قوتها منه، لذلك يجب مهاجمتها بطريقة تجبر الاحتلال على التدخل لحمايتها من السقوط، وهو امر سوف يعيد قوات الاحتلال الى المربع الاول الذي حاولت الهروب منه وهو تجنب الخسائر المادية والبشرية. واذا حصل هذا تعجل المقاومة بوضع امريكا بين بديلين احلاهما مر : مواصلة القتال مع انه مقدمة لانهيار امريكا من داخلها، او الانسحاب الشامل من العراق لتجنب ماهو اسوأ من القتال في العراق. ومن الضروري تذكر ان معركة تحرير بغداد هي معركة الحسم، والاحتلال يعرف ذلك، الامر الذي يجعله يعمل على تجنب تحرير بغداد من خلال تدخله المتكرر لحماية الحكومة العميلة، وهنا يكمن مقتل الاحتلال عسكريا وهو مقتل الاستنزاف المستمر والقوي له.
3 – ان الرد على احتمال دخول قوات ايرانية باعداد ضخمة يتطلب توفير جهد وطني عراقي شامل يشمل العشائر ورجال الدين والقوى السياسية وفصائل المقاومة، وابناء المدن والقرى الحدودية مع ايران واعداد هؤلاء جميعا لمواجهة تدخل القوات الايرانية.
4 – في مقاومة ايران من الضروري الدمج بين الحرب الكلاسيكية وحرب العصابات، ويتمثل ذلك بتجنب المعارك الضخمة مع القوات الايرانية بقدر الامكان، واعتماد حرب العصابات كقاعدة عامة، واستخدام الفخاخ القاتلة لاكبر عدد ممكن من الايرانيين بصورة واسعة.
5 – سوف تكثف قوات الاحتلال الامريكي والقوات الايرانية جهودها من اجل اغتيال قادة الثورة ورموزها باسرع وقت او اسرهم وعرض افلام عن الاسر لكسر المعنويات، لذلك من الضروري جدا تغيير اجراءات امن القادة خصوصا القائد العام للقوات المسلحة الرفيق عزة ابراهيم، وعزله كليا عن اي شخص معروف او مكشوف باستبدال مرافقيه وحراسه، وابعاده عن اي شخص يستخدم الهاتف النقال او الانترنيت ومنع الاقتراب من مقراته، والتأكيد على الاجراءات الامنية خصوصا تلك المتعلقة بامن الاتصالات الذي يعد وسيلة الاختراق الاولى والاهم. امن القيادة الان هو الضرورة رقم واحد لانه يوفر بقية اشكال وضرورات الامن.
6 – اقناع فصائل المقاومة التي مازالت خارج نطاق المقاومة الموحدة بالتنسيق والتعاون المباشر من اجل احباط المخطط الامريكي الايراني الحالي والذي يعتمد في احد اركانه على استغلال وجود فصائل غير موحدة. ان حماية المقاومة يتم فقط بعدم وجود اي ثغرة داخلها.
7 – على ايران الانتباه هذه المرة الى ان تنفيذ خطة التدخل في العراق هو فخ امريكي خطير سوف ينهي بسرعة حكم الملالي، ويلحق بايران هزيمة اكبر واخطر من هزيمتها امام القوات العراقية في عام 1988. ان اللعبة الامريكية الاسرائيلية مع نظام الملالي تكاد تنتهي وحان وقت لعبة امريكية – اسرائيلية اخرى مع (الافندية) في ايران.
وما يجب ان تعرفه النخب الايرانية هو ان هدف امريكا واسرائيل في ايران محدود، وهو تغيير النظام في ايران وتقليم اظافرها، لانها شريكة لهما في الاطار العام وتقتضي مصلحتهما تحجيم دور ايران فقط وابقاءها قوية، اما هدف المقاومة والقوى الوطنية العراقية في ايران فهو مختلف جدا لان العراق والامة العربية كانا ومازالا ضحايا ايران خصوصا منذ وصول الملالي للسلطة، وما فرض حرب خميني على العراق في عام 1980 وما ترتب عليها من كوارث عراقية واقليمية، وغزو العراق والدور الايراني الاجرامي فيه الا مثالان لما ينتظر العرب من كوارث مدمرة من وراء وجود ايران قوية تحكمها نخبة توسعية ذات نزوع استعماري تجاه العرب.
بعد ان اصبحت ايران رسميا وعمليا عدوا رئيسيا للامة العربية، كامريكا والكيان الصهيوني، من خلال تجربة غزو العراق وفرضها هي وليس العرب عداوتها من خلال المطامع الرسمية ونشر الفتن الطائفية، فان هزيمتها على يد المقاومة العراقية، لن تعني فقط طردها من العراق، لان خطأ العراق في عام 1988 وهو عدم مطاردة القوات الايرانية المهزومة الى داخل ايران لتصفية خطرها الى الابد، لن يتكرر الان، فلابد من اجتثاث الخطر الايراني من جذوره ومنع النخب القومية الفارسية من امكانية ايذاء الامة العربية لمدة لا تقل عن قرن من الزمن من خلال سحب ما تمتلك من خيارات.
على النخب الفارسية ان تختار الان بين التعايش السلمي مع العرب، ونحن نريد بصدق التعايش مع ايران بسلام كامل، او مواصلة سياسة التوسع الاستعماري الحالية وهو خيار يجبر العرب على ممارسة نفس اللعبة التي تمارسها ايران الان لتدمير الامة العربية.
نحن نعرف ان بلاد فارس فيها الكثير من الحكماء الذين يقرأون ما بين السطور.
النصر او النصر ولا شيء غير النصر.
عاشت الثورة العراقية المسلحة.
3/7/2009