قال الباحث د / يوسف مكي إن «هناك حالة تسعير وصب للزيت في النار على العلاقات العربية العربية»، داعياً إلى «إعادة النظر في إنعاش منظومة العمل العربي المشترك».
جاء ذلك في ندوة قدمها مكي في مقر جمعية المنبر التقدمي في مدينة عيسى مساء الأحد (30 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، تحت عنوان «الأوضاع السياسية الراهنة في البلدان العربية، الآمال والتحديات».
وفي مستهل الندوة ذكر مكي أن «هناك قضيتين كانتا ولاتزالان هاجساً ملحّاً في مشروع النهضة العربية هما الحداثة والتنمية وكلاهما يرتبطان بعلاقة جدلية، ولا يمكن الفصل بينهما، وعندما بدأت طلائع النهضة العربية منتصف القرن التاسع عشر الماضي كان التساؤل المحوري وقتها هو لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن، وكان الحديث يدور حول أن الغرب لم يقطع العلاقة مع الماضي لأن أي مشروع نهضوي لا يقوم على قطع العلاقة مع الماضي واعتباره عبئاً عليه».
وأضاف «هناك خط آخر طالب بالمزاوجة بين النهضة والموروث، وعبر عن أولئك بالمصلحين، وقد عبر عن ذلك الشيخ محمد عبده عندما زار فرنسا، حيث قال وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، بينما في مصر وجد مسلمين ولم يجد إسلاماً، هذا الخط طالب بالمزاوجة بين تراث الأمة بحلقاته الإنسانية وبين مفاهيم الحداثة في تلك المرحلة، ولعل طه حسين والكواكبي والطهطاوي يمثلون بصدق هذا الخط».
وأردف «أما المشروع الثالث فقد طالب بإعادة إحياء الخلافة الإسلامية وظهر ذلك في العشرينات من القرن المنصرم».
وتابع «المشاريع التي حملتها طلائع النهضة العربية اصطدمت بالهجمة الامبريالية التي واجهتها، والتي بدأت بتدمير الموانئ البحرية في الدول العربية، وكذلك تدمير الصناعات الحرفية ما أدى إلى تعطل نمو الهياكل الاجتماعية التي كانت شرطاً لعملية التحديث.
تم الحديث وقتها عن أننا دول أطراف وأن هناك دول مراكز، وأن هذه الأطراف يجب أن توفر المواد الخام للمركز، وثم دخلنا مع معركة مع الدولة العثمانية ودخلنا في تحالف مع فرنسا وبريطانيا ظنّاً منا أننا سننال استقلالنا بعد ذلك، إلا أننا فوجئنا بمشروعين هما سايكس بيكو ووعد بلفور، ما أدى إلى تراجع الدور الحداثي النهضوي العربي وبروز تيارات الإسلام السياسي، ولا يمكن فهم لماذا تعطل مشروع النهضة العربية إلا من خلال قراءة السياقات الاقتصادية والسياسية خلال تلك الحقب التاريخية».
وأشار مكي إلى أن «نقيض الحداثة هو الاستبداد، وهذا وجدناه فعلاً في تلك الفترة وترافق ذلك المشروع الاستبدادي مع مشروع الأسلمة».
وتابع «اليوم تمر علينا الذكرى الستون على العدوان الثلاثي على مصر وهو استكمال لما حدث في الحرب العالمية الأولى، وما جرى من مؤامرة على مصر في عهد جمال عبدالناصر، وقد وجدنا أنه بعد كل أزمة يرجع الناس إلى الدين، ما أدى إلى بروز التيارات الدينية في الستينات مجدداً».
وأوضح أن «قيم الحداثة مغيبة، وحق الناس في التعبير عن مصائرهم مغيب، الأزمة الاقتصادية التي طالت العالم بعد الحرب العالمية الأولى أنتجت 4 دول استبدادية، وفي واقعنا العربي عندما نواجه مشاكل في الاقتصاد لا نهرب إلى مزيد من الإنتاج، بل إلى الخصخصة، بينما لم نجد دولة خرجت من أزماتها الاقتصادية بالخصخصة ولا بالاقتراض من البند الدولي، نحن لا يمكن أن نخرج من أزماتنا الاقتصادية إلا بالخروج إلى الإنتاج، وغير ذلك لا يمكن أن تنتهي أزماتنا الاقتصادية».
وشدد على أن «الواقع العربي اليوم واقع مشتت، على الرغم من أننا حصلنا على فسحة تاريخية في الخمسينات، لم نصنعها نحن بل صنعتها الأحداث في العالم، حركات التحرر الوطني والأمة العربية كان يمكن أن تقتنص الفرص الثنائية القطبية وقبل أن تستكمل الاستقطابات، هذه الفسحة جاءت لوجود قوتين تتصارعان على الأرض، ومع انهيار إحدى هاتين القوتين انفردت قوة واحدة بالقرار في العالم، وأصبحنا محط الصراع الدولي».
وأكمل مكي «هذه المرحلة، أي مرحلة الأحادية القطبية هي في مراحلها الأخيرة، باعتراف ساسة أميركان، حيث يتنقل العالم الآن من أحادية قطبية إلى قطبية متعددة وإن كانت بقيادة الولايات المتحدة».
وتساءل «هل سنتمكن من اقتناص انتهاء الأحادية القطبية من اجل نهضتنا العربية، نحن نريد حريات وتعليماً ومؤسسات دستورية، ولكن من سيكون حاملاً لهذا المشروع من القوى الاجتماعية؟».
ولفت إلى أن «من المؤكد انه عندما تضعف الأمة تقترب منها القوى المجاورة للهيمنة عليها، وإذا شاهدنا اليوم الموصل وسورية كيف تحولت إلى ساحة اقتتال إقليمية، الاميركان منذ العام 2006 كان قرارهم تقسيم العراق، وجود صراع بين العمالقة يجعل أي تسويات تاريخية مرتبطة بموازين القوى، ويبدو أن موازين القوى ستكون في صالح الكل إلا نحن العرب».
وأشار إلى أن «هناك مشاريع إنقاذ يمكن أن نطرحها، ولكن ما هي الأرضية التي يمكن أن نبني عليها؟، نحن نحلم أن يتفق السوريون، وان يكون البديل عن هذا النظام هو دولة مدنية، ونحلم أن تكون هناك مصالحة عراقية تلغي المحاصصة الطائفية التي أسسها بريمر، ويبنى جيش وطني ولاؤه للوطن وليس للطائفة، ونحلم بأن تعاد عروبة العراق، هذه كلها مشاريع إنقاذ للأمة العربية، ولكننا الآن حتى جامعة عربية هي غير موجودة واقعاً!».
ودعا مكي لأن «يعاد النظر في منظومة العمل العربي المشترك، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، لكن ما أراه أن هناك تسعيراً وصبّاً للزيت في النار على العلاقات العربية العربية، ونحن نسأل ما علاقة الشعب العربي بأي خلافات بين الأنظمة؟، الأمل هو فعل إرادي ليس سهلاً وليس عملاً مجرداً».
وذكر أن «الحركة الاحتجاجية في الوطن العربي غاب فيها البرنامج السياسي، في مصر لم يرفع شعار عروبي قومي لتحرير فلسطين، وهذا يدلل على غياب مصر عن عمقها العروبي، لم يكن هناك مشروع ولا قوى سياسية تنظم هذا المشروع، ولذلك وجدنا أن القوى بعد الثورة بدأت تتصارع مع غيرها».
وختم مكي بقوله «الأنظمة العربية غيّبت وجود العمل السياسي والاجتماعي، لقد قامت بعملية تجريف كامل للمجتمع، لذلك عندما تغيرت السلطة في بعض البلدان العربية، عادت القوى السابقة بشكل آخر».
العدد 5169 – الثلثاء 01 نوفمبر 2016م الموافق 01 صفر 1438هـ