د.علي فخرو يتحدث عن:
الثوابت الوطنية والقومية في الانتفاضات الشعبية
![](http://media.alwasatnews.com/data/2015/4771/images/main_loc-12.jpg)
تغطية: مكي حسن
وصف الدكتور علي فخرو نتاجات الثورات الشعبية التي حصلت في عدد من الدول العربية منذ خمسينيات القرن الماضي لغاية الانتفاضات التي حملت اسم «الربيع العربي» سنة 2011 بالمضطربة ما لم نقل «كارثية»؛ وذلك لكونها تئن من تهديدات محلية (داخلية) وبعضها الآخر تعرض لتهديدات خارجية.
وأشار إلى ان هذه التهديدات أسفرت عن تدهور الأوضاع في هذه الدول وظهرت مكانها كائنات عرقية وطائفية تتخذ من العنف والإرهاب منهجا وأسلوبا، وتساءل: هل هذه الثورات هي المسؤولة عما وصلت إليه الأحداث بهذه الدول أم أن لقادة الأحداث ولمؤسسات المجتمع المدني دورا أيضا في ما آلت إليه الأمور من نتائج وخيمة؟
جاء ذلك في ندوة أقيمت بالتجمع القومي بالزنج في 28 سبتمبر، وهو اليوم الذي رحل فيه الزعيم المصري جمال عبد الناصر عام 1970، وقال المتحدث: «يهمنا ان نستذكر بعضا من أقوال الرئيس جمال عبد الناصر، منها ما قاله في عام (1968): «ان المعارك الفردية والجانبية في العالم العربي يجب أن تتوقف وإلا ضاع أمرنا من يدنا، واستنفدنا ما نوفره للقضايا الكبرى».. وفي مقولة أخرى: «نواجه التحدي الكبير من الصهيونية والاستعمار للقضاء على القومية العربية»، وقال ايضا: «لسنا من أنصار إنشاء محاور عربية بقدر التهيئة لمساهمة كل دولة عربية في المعركة، ونحن ضد أي صراع يضعف المعركة».
النيل والفرات
كما أكّد الرئيس عبد الناصر في أكثر من مناسبة ان هدف إسرائيل من وجودها بالمنطقة «هو من النيل إلى الفرات»، ونوه المتحدث إلى ان كل ذلك يصب في مصب استشراف المستقبل وأهمية الاستعداد لقتال العدو وليس للاقتتال بين الأشقاء، وأكّد: ليس اليوم هو احتفال بذكرى وفاة قائد عظيم بقدر التفكير فيما كانت تفكر فيه الأمة في ذلك الوقت في كل ما يجري على ارض الواقع، في العراق والجزائر وسوريا والأردن وغيرها؛ حيث كان للمجال العروبي والحس القومي مساحة واسعة مقارنة بعزلة تعيشها ثورات محلية بدول المنطقة في الوقت الراهن.
وحول مشهد الواقع العربي الراهن للثورات والانتفاضات العربية، عرج المفكر الدكتور علي فخرو إلى ست (6) نقاط أساسية، وهي، أولا: أن هذه الانتفاضات ركزت على مطالب محلية معيشية ولكنها تفتقد إلى الارتباط بمطالب الآخرين مع التأكيد بأن ما حصل في البحرين يختلف عما حصل في تونس.. واستذكر انه في أزمة (قناة السويس) عام 1956 على سبيل المثال، لما جاء وزير خارجية بريطانيا إلى البحرين، خرج المواطنون البحرينيون يلقون الطماطم على وزير خارجية بريطانيا، بينما أغلب التظاهرات التي حصلت في الفترة الأخيرة كانت حول الشأن المحلي، وابتعدت عن الطرح القومي للقضايا الأساسية والمشروع الوحدوي لنهضة الأمة العربية، وبناء عليه، ليس للمظاهرات من أثر ما لم تجنح من الشأن المحلي إلى الشأن الأوسع وأن ترتبط ارتباطا وثيقا بهموم وقضايا الأمة جمعاء.
التدخلات الأجنبية
ثانيا: ربط ما يجري على الساحة العربية بالتدخلات الأجنبية وخاصة الأمريكية منها، منوها إلى مهزلة ان نعرف ما هو موقف أمريكا مما يجري في ساحة التحرير بالقاهرة، فإيران تتحرك تحت مسمى «الهيمنة السنية» بالمنطقة وروسيا تتحرك لتعديل ميزان القوى والصهيونية تتحرك تحت مسمى «دحر التمدد الشيعي» وباكستان تتحرك «لدحر الحوثيين العرب باليمن».
ثالثا: الربط القوي بين ما يجري على الساحة المحلية بالحراك الخارجي قابله تقاعس عربي كبير، أفسد تطلعات الشعوب وأسهم في إخماد الانتفاضات الشعبية والوطنية لحل المشاكل العربية العالقة وكأننا أمة غير موجودة، وهذا ينطبق على جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الإسلامي.
وتساءل: فما الذي يحدث حقا؟ أهو كفر بالعروبة؟ ألا يتردد بين المواطنين والمهجرين: أين هم العرب من قضيتنا وهمومنا ومعاناتنا؟ وأكّد في هذا الشأن أهمية بناء حراكات في المجتمع العربي، وإلا فلا فائدة من القومية العربية ولا من الانتماء ولا من الهوية طالما بقيت هذه الأمور من دون حلول، مشيرًا إلى ان هذه المفاهيم مع الأسف بدأت تتزعزع لدى الفرد العربي ومنوها في هذا الصدد إلى المهجرين إلى أوروبا، مليونين ونصف من البشر، فهل هذا صحيح؟ وأين ذهبوا، إذا كان هذا الكلام صحيحا؟
القلق الدائم
رابعا: تغيير المشاهد من أجل خلق قلق دائم في العقل العربي، فأمريكا تخلق (القاعدة) في أفغانستان ثم تحاربها ثم تحضرها إلى العراق، وهي تنسق مع دول أخرى لضرب القاعدة ولا تضرب (تنظيم النصرة) مع عدم نسيان أدوار كل من روسيا وتركيا وإسرائيل وفرنسا ضد (داعش) مع العلم أن (النصرة) خلقت من المال العربي، وتركيا تحارب (النصرة وداعش) وهي التي أدخلتهما إلى العراق وسوريا.
وكشف أن «داعش» حقيقة تهدد الجميع ومع ذلك دعمه عدد من الدول وضمنها بعض دول الخليج، وعليه كما يقول المثل (وانقلب السحر على الساحر)، وطالب بأهمية تكثيف الجهود وتوحيدها ضد داعش، مستغربا من عدم تحرك مصر والسعودية وقطر وغيرها من الدول العربية ضد هذا المشروع التقسيمي والسرطاني بالمنطقة.
خامسا: تحويل وجهات نظر الأجيال من ان نضال ما قبل السنوات الخمس الماضية ما هو إلا نضال مفلس كونه خلق صراعا بين الطوائف، ولم يعد الناس متجانسين في مذاهبهم، فالسنة والشيعة في صراع يقابله صراع بين الأباضية والزيدية، وقس على ذلك مذاهب وطوائف أخرى، بل قام بعضهم بخلق مواقف متشددة كما حصل في الحج، وها هي إيران بزعمها ما حصل، لا تدعم السعودية في تهدئة وعلاج الموقف.
غياب التحالفات
سادسا: غياب كامل لأي تحالفات في مؤسسات المجتمع المدني، وغياب ذلك على المستوى القومي حتى هذه اللحظة، وأوضح المتحدث أننا عملنا منذ فترة على عقد لقاءات عربية بهدف إيجاد كتلة تستطيع ان تؤثر على الوضع القومي، ولكن مع الأسف لا توجد سوى حراكات صغيرة في سوريا واليمن ولبنان.
وتوصل المتحدث إلى قناعة مفادها أنه بما ان هذه الأوضاع تسير بهذه التوجهات، إذن فهناك مؤامرة خارجية ومحلية وإبادة جماعية لأي حركة يشم منها رائحة العمل الوطني أو القومي، فما هو المطلوب في أوج هذه الأوضاع وانعكاساتها على مسيرة النضال المحلي والقومي؟ وأجاب: «المطلوب إقامة نشاطات على مستوى بلد أو بلدين وهكذا تتزايد وتتوسع المشاركة، منوها إلى ان هذا المشهد أشبه بمشهد خانق وقانط»، ومعبرا في الوقت ذاته عن ان هذا الوضع هو نتيجة حقيرة لما قبل 4 سنوات لمطالب العدالة الاجتماعية والحريات، ولو حصل تجاوب لهذه المطالب لهدأت الأمور. واستدرك، لكن ما العمل مع أنظمة تعتبر هذه المطالب أشبه بالمحرمات.
ما هو المخرج؟
وتابع المفكر علي فخرو الحديث في ندوة الثوابت الوطنية والقومية للانتفاضات العربية بسؤال آخر مفاده: هل هناك من مخرج لهذه الأوضاع والمأساة العربية؟ وأجاب «نعم»، يمكن ذلك من خلال ربط العمل النضالي والمطالب المحلية بالمطالب القومية، مشددا في الوقت ذاته على أهمية ان تسير الأمور في منحى تأسيس جبهة عربية لمواجهة وحلحلة المشاكل العربية، ونبذ الانقسامات بين القوى الوطنية.
كما شدد في السياق ذاته على اهمية ان تُعطى المرأة العربية حقوقها ومكانتها بشكل اكبر، وكذلك الشباب العربي دورا أهم، كما علينا ان نستفيد من الدروس والعبر الموجودة في التاريخ العربي وفي قصص الانبياء والرسل وما جاء في القرآن الكريم وأحاديث الصحابة الكرام التي تؤكد العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة بين الناس، وأن نقرأ روايات الادباء الكبار في العالم، وألا نظل سائرين في حلقة مفرغة على حساب ما نتحمله باسم القومية العربية.
واختتم بأهمية عدم التعويل على أمريكا في حل مشاكلنا، ولا التعويل على حاجتنا إلى مستشارين من الخارج لكون الوطن العربي يزخر بالخبراء والكوادر العلمية والثقافية والباحثين مع التشديد في أي تحليل على أهمية النقاط الست التي طرحها في سرد أوضاع الانتفاضات العربية وعوائقها الداخلية والخارجية.
تاريخ النشر :٣٠ ديسمبر ٢٠١٥