حين غزت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما العراق قبل 5 سنوات، وأسقطت نظام صدام حسين، وتهاوت العاصمة العراقية بغداد في أيدي الاحتلال، كان كل ذلك يجري تحت شعار «حرية العراق» ونشر الديمقراطية وتخليص العراق من نظام دكتاتوري، يمتلك أسلحة للدمار الشامل.
ورغم أن المسافة الزمنية لم تكن لتطول أكثر من 40 يوماً ليقف الرئيس الأميركي جورج بوش في الأول من مايو/ أيار 2003 معلناً أن المهمة تم إنجازها، إلا أن حسابات مهمة عسكرية وصفت نتائجها بالنجاح لم تكن لتلتقي أبداً مع واقع عراقي عانى ولايزال من التدهور الأمني الذي خلف مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجرين داخل العراق وخارجه وانقسامات طائفية وقومية، واضحة للعيان.
وبعد 5 أعوام من الاحتلال، هل تحققت الديمقراطية على أرض الرافدين؟ وهل أصبح العراق نموذجاً لباقي دول المنطقة، يمكن أن يكون معيناً لتصدير الديمقراطية؟ وإذا كان للحرب حصة من الربح والخسارة، فمن الذي استفاد من حرب العراق؟
لا تستقيم الديمقراطية مع وجود احتلال
من جهته، رأى أمين عام التجمع القومي الديمقراطي، حسن العالي، أن «الديمقراطية لا تستقيم مع وجود الاحتلال (…) لا توجد ديمقراطية حقيقية في العراق، بل تزييف بشع ومسيء للديمقراطية».
وأضاف «لقد ركز الغزو الأميركي على استخراج الاختلافات في مكونات الشعب العراقي وإبرازها، فجاءت الأحزاب على أساس طائفي وعرقي وقومي من أجل تسخيرها لمصلحة بقاء الأميركيين بالعراق».
وتابع «وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تشجيع الأكراد على إقامة شبه دولة مستقلة في الشمال على حساب وحدة العراق تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى الأحزاب العراقية التي تشكل على أساس المكون الطائفي والتي بقيت متحاربة مع بعضها بعضاً».
وأكمل العالي «لقد دعوا إلى مؤتمر للمصالحة وجاء انعقاده بغياب جبهة التوافق والتيار الصدري وحزب الفضيلة، وهذا دليل آخر على فشل العملية السياسية في العراق».
هل هبت رياح الديمقراطية الأميركية على المنطقة؟
لقد حمل الخطاب الأميركي في الأعوام السبعة الماضية عبارات وتوجهات الولايات المتحدة عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وردد مسؤولون أميركيون أن مسعى الولايات المتحدة جعل العراق نموذجاً ديمقراطياً يحتذى به ليكون العراق بداية لديمقراطية المنطقة، لكن ماذا بعد خمسة أعوام من غزو العراق وقتل مئات الألوف من العراقيين، وتشريد أكثر من مليوني عراقي، ومقتل أكثر من 4 آلاف جندي أميركي في العراق؟ هل هبت رياح الديمقراطية الأميركية على بلدان المنطقة؟
عن ذلك، رأى العالي أن «العالم بات أسوأ بكثير من قبل حوادث سبتمبر (أيلول) التي اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة للحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وجعل العراق بداية لشرق أوسط جديد».
وأضاف «لو أخذنا دول الخليج نجد أن الكويت لديها تجربة ديمقراطية قديمة لا ترتبط على الإطلاق بشعارات أميركا بشأن دمقرطة المنطقة، وكذلك الحال بالنسبة إلى البحرين، حيث انطلق المشروع الإصلاحي قبل حوادث سبتمبر (أيلول) 2001 وما أفرزته من توجهات أميركية تجاه المنطقة». وقال «لذلك لا نجد أية تحولات ديمقراطية حرة جاءت في المنطقة بعد غزو العراق، بل على العكس هناك جرائم بشعة وفساد وطأفنة وقتل على الهوية حدثت في العراق باسم الديمقراطية (…) لقد أصبح العالم أسوأ مما كان عليه قبل 11 سبتمبر (أيلول) ,2001 وكل ذلك يحدث والأنظمة العربية فاقده الإرادة لحماية نفسها».
وأضاف العالي أن «ما يسمى ''الديمقراطية العراقية'' ليس إلا فرزاً طائفياً خلق توترات للشيعة ليس فقط في العراق بل أيضاً في مختلف دول العالم، والبحرين واحدة من تلك الدول التي تأثرت بهذا الواقع، حتى بات هناك تخوف من أن يتكرر ما حدث في العراق».
وتابع «للأسف، الأحزاب العميلة التي جاءت على ظهر الدبابة الأميركية وحملت أغطية وأعلاماً شيعية لم تكن سوى نموذج مسيء للشيعة في كل أنحاء العالم. وتحت هذا الغطاء روج أن هذه الطائفة يمكن أن تلعب دور ''الطابور الخامس''، وقد تتحالف مع الولايات المتحدة وإيران على حساب أية مصلحة وطنية لأوطانها فقط من أجل الوصول إلى السلطة».
الأطراف الرابحة من حرب العراق
لا تبدو فاتورة الحرب على العراق باهظة الكلفة بالنسبة إلى العراق والعراقيين فقط، بل أيضاً للولايات المتحدة التي خسرت أكثر من 4 آلاف جندي منذ بدء عملية الغزو في العام .2003 أما الفاتورة الاقتصادية فهي أيضاً باهظة بالنسبة إلى اقتصاد بات يعيش حالة ركود بسبب العجز في موازنة الدولة في الوقت الذي وصلت به مخصصات الحرب إلى 515 مليار دولار تحت شعار «الأمن مقابل خفض النفقات الاجتماعية»، وإذا كان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قد غادر البيت الأبيض وهناك حجم فائض تراكمي في الموازنة يصل إلى 5,2% (ما يعادل 3,463 مليار دولار)، فإن الرئيس الحالي جورج بوش سوف يغادر البيت الأبيض هذا العام والاقتصاد الأميركي يعاني من نسبة عجز قد تصل إلى أكثر من 410 مليارات دولار، وإذا كانت هذه الحقائق تدلل على الإخفاقات في العراق، فمن الذي ربح من الحرب على العراق؟
قال العالي «الولايات المتحدة ترى الاستفادة على المدى البعيد من حيث تأمين اقتصادها بالنفط العراقي، لكن المستفيد الأكبر هو إيران التي استطاعت أن تحتل أجزاء كبيرة من الجنوب العراقي من دون أن تدخل حرباً مباشرة وتستخدم ورقة نفوذها في العراق للتفاوض على إطلاق يدها في الملف النووي (…) لم يستفد أي طرف من الحرب في العراق مثلما استفادت إيران».