عبدالله النيباري
دول الخليج محاصرة بالتحديات.. صحيح أنها لم تصلها حتى الآن شرور «داعش» وأخواتها، لكننا لا ندري، فقد نصحو ونجد «داعش» في أحضاننا، وبين ظهرانينا.
وهذا الهدوء قد يكون خادعاً،
فدول الخليج في داخلها تعاني توترات، نتيجة أوضاعها السياسية، وارتفاع أصوات معارضة، أو مختلفة أو منتقدة للأنظمة والحكومات، تعبّر عن رأيها بشكل واسع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن ضاقت الوسائل العلنية، عبر مؤسسات المجتمع المدني، التي ضيق عليها الخناق، أو هي غير موجودة.. أما القنوات الفضائية، وحتى الصحافة، فهي إما أنها موالية وتحت السيطرة وإما أنها مقيدة بحذر شديد، وتتجنب ما يزعج الأنظمة والحكومات.
وللتضييق على وسائل التعبير، لجأت الحكومات في دولنا إلى ملاحقة أصحاب الرأي المعارض، بالإجراءات الأمنية، بملاحقات قضائية واعتقالات وحجز لمدد طويلة، تحت طائلة التحقيق، وقد تصل الأمور إلى إصدار أحكام قضائية قسرية بحقهم، قد تصل إلى السجن أو الحجز والاعتقال مدداً طويلة، من دون تحقيق أو صدور أحكام.
سحب وإسقاط الجنسية
آخر الإجراءات، التي لجأت إليها أنظمة دول الخليج في مواجهة أصحاب الرأي المعارض، هو إسقاط الجنسية، وهو إجراء قاسٍ قسري مخالف لأبسط قواعد احترام حقوق الإنسان.
في السابق، كانت السلطات البريطانية تلجأ لنفي المعارضين خارج وطنهم، وهذا ما حصل في مصر إبان الاحتلال البريطاني، وفي البحرين عندما نُفي الزعماء الوطنيون، كعبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان ورفاقهما، إلى جزيرة سانت هيلانة.
لكن إجراء سحب أو إسقاط الجنسية أخطر من السجن أو النفي، لأن كلتا الحالتين قد تنتهي مدتها، إن طال الزمن.. أما إسقاط الجنسية، فهو تشريد دائم، لا نهاية له، إلا إذا تكرَّمت الأنظمة والحكومات بالعفو أو تغيَّرت.
قاعدة مقدَّسة
في البلاد المتحضرة، تمنع ولا تجيز دساتيرها إسقاط الجنسية، وقد نص دستور الكويت على هذا النهج، كما نصَّت اتفاقية الاتحاد الأوروبي على التزام الدول بعدم إسقاط الجنسية عن أي مواطن، ولا يجوز التمييز بين مَن حصل عليها بالمولد أو اكتسبها بالتجنيس، فالمواطن إذا ارتكب خطأ أو جُرماً يُحاكم وفقاً للقانون، وقد تصدر بحقه أحكام قد تصل إلى المؤبد أو حتى الإعدام في حالة الجرائم الكبرى أو الخيانة، وهذا أمر أصبح قاعدة تكاد تكون مقدَّسة.
استثناءات
بعض الدول أدخلت استثناءات تجيز إسقاط أو سحب الجنسية عمَّن اكتسبها بالتجنيس في حالات محددة، وهي إذا كان اكتسابهم لها بطريقة الاحتيال وبناءً على بيانات كاذبة، أو إذا شارك بأعمال إرهابية أو اشترك في أعمال مع دولة معادية أو في حالة حرب مع الدولة التي يحمل جنسيتها.
وفي القانون الأميركي، لا يجوز إسقاط الجنسية إلا بطلب من حاملها، مع التأكد أنه لم يقم بذلك، نتيجة ضغط أو تعذيب أو أي إجراءات قسرية، وفي بعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا، أجازت إسقاط أو سحب الجنسية عمَّن اكتسبها بالتجنيس، إذا قام بأحد الأعمال المحظورة، ولكن يجب ألا يؤدي إسقاط الجنسية إلى أن يصبح المتضرر من دون جنسية، أي ممارسة هذا الحق إذا كان يحمل جنسية أخرى، أي مزدوج الجنسية، أو لديه فرصة مؤكدة للحصول على جنسية دولة أخرى.
ومع ذلك، يستطيع المتضرر التظلم أمام المحاكم، وقد تصل إلى أعلى درجة، مثل محكمة الاستئناف العليا، وحتى مجلس اللوردات البريطاني أو الكونغرس الأميركي.
وهناك قضايا في بريطانيا لشخص صومالي، وآخر فيتنامي، أسقطت عنهما الجنسية، بسبب مشاركتهما في أعمال إرهابية، لكن قضاياهما لا تزال تنظر أمام القضاء منذ عام 2011، أي أن القوانين في البلاد المتحضرة لا تجيز إسقاط الجنسية إذا كان ذلك يؤدي إلى جعل الشخص المسحوبة منه (المتضرر) عديم الجنسية ويتعرَّض للتشرد.
في دول الخليج الكثير ممن سُحبت منهم الجنسية يحملون جنسية بالولادة، أي بالتأسيس، وحتى إذا كانوا اكتسبوها بالتجنيس، فقد يؤدي ذلك إلى تحولهم إلى «بدون»، أي عديمي جنسية، ومَن سحبت منه الجنسية، قد يكون معرَّضاً للتشرد، وتقفل في وجهه أبواب الرزق، فهو لا يستطيع أن يعمل، لأنه ليست لديه وثائق إثبات شخصية، وفي بعض الحالات اعتبر مقيماً بصفة غير شرعية، وسحبت منه كل الأوراق الثبوتية، كما هو الوضع في بعض دول الخليج، وأنا أذكر ذلك وفي ذهني حالات أعرفها ليس في الكويت فقط، ولكن في دول الخليج.
أرضية خصبة للإرهاب
معالجة دول الخليج للمواقف أو الآراء المخالفة والمعارضة لسياساتها بالإجراءات الأمنية، ومنها سحب الجنسية، لن يحل المشكلات، بل قد يفاقم حالات التوتر الداخلي التي تعانيها، فالشعور بالظلم وعدم الرضا، هو الذي يُوجد الأرضية الخصبة لاستنبات الأعمال الإرهابية.
المعضلة في قضية سحب الجنسية في دول الخليج أن التظلم من هكذا قرار أمر غير مجدٍ، إما لأن بعض الدول تعتبرها من أعمال السيادة، أو لأن القوانين إذا سمحت فالقضية محسومة لأن تقدير الأمر يتم وفقا لسلطة وزارات الداخلية ويعتبر ذلك هو الفصل النهائي على غير ما أشرنا إليه في الحالات المطروحة في بريطانيا وأمريكا.