تضررت بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، إلا أن الضرر كان أخف وطأة نظرًا لاستعانة بعض بلدان المنطقة بالاحتياطيات الوقائية في تمويل الإنفاق المعاكس، أو لضعف ارتباط البعض الآخر بالاقتصاد الخارجي، هذا ما خلص إليه صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في 11/10/2009 تحت عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى" الذي غطى فيه الجوانب الاقتصادية لـ 32 دولة، ومن بينها الدول العربية، وذلك بناءً على رصد لأهم التطورات التي طرأت على تلك الاقتصادات سواء السلبية منها أم الإيجابية في ضوء الأزمة المالية العالمية، ومدى تأثيرها في المعايير الاقتصادية الأساسية المعمول بها عالميا في قياس أداء الاقتصادات الإقليمية والمحلية.
وفي هذا الإطار أوضح التقرير أن دول منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عانتا بدرجات متفاوتة من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي أفقدت الملايين وظائفهم، وألزمت العالم بضرورة إطلاق إصلاح اقتصادي ومالي شامل يكون بمثابة دفاع حصين ضد أي أزمة، ولم تفرق بين دول نامية وأخرى متقدمة، فقد كانت البلدان المصدرة للنفط وبشكل خاص في منطقة الخليج، قد تأثرت بالهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية وقلة تدفقات رؤوس الأموال الداخلة إليها، لكنه عاد فأكد أن تدخل حكومات تلك الدول في الإنفاق العام ساعد على تخفيف آثار الأزمة إلى حد بعيد، إضافة إلى الاعتماد على احتياطاتها البترودولارية المسبقة.
وبشكل مباشر أسهمت هذه السياسات في احتواء تأثير الأزمة في القطاعات غير النفطية، حيث لايزال من المتوقع أن يحقق إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نموا قدره 2،3% في عام 2009، غير أنه مع تباطؤ هذا المعدل عما كان عليه من قبل من المتوقع أن تواصل فوائض الحساب الجاري في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان انخفاضها من 380 مليار دولار في 2008 إلى قرابة 50 مليار دولار في عام 2009، ولكنه توقع في المقابل أن ترتفع الإيرادات النفطية لأكثر من 100 مليار دولار عام .2010 كما توقع أيضًا أن تزداد حصة دول مجلس التعاون في الإيرادات النفطية العالمية لتصل إلى 2،3% عام 2010 بعد أن كانت 7،2% عام .2008 وذكر الصندوق أنه من المرجح أن يتباطأ النمو الاقتصادي بهذه الدول ليسجل 7،0% هذا العام، إلا أنه أشار إلى أنه سيشهد انتعاشًا في 2010 ليبلغ 2،5% بفضل ارتفاع إيرادات النفط، ورجح أن تسجل السعودية وخمس دول من البلدان المجاورة في أكبر المناطق المصدرة للنفط في العالم فوائض مالية تبلغ 3،5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مقارنة بـ 4،27% من الناتج المحلي الإجمالي لعام .2008 وأضاف أن تلك الفوائض ستبلغ 4،10% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة خلال العام المقبل. كما توقع أن يصل النمو النفطي وغير النفطي في عام 2010 إلى 4،4% و9،3% على التوالي.
على صعيد منفصل، ألحق الركود العالمي بعض الضرر بالبلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، حيث يتوقع هبوط النمو من 5% في 2008 إلى 6،3% في 2009؛ حيث تم إلحاق الضرر الأكبر بالصادرات السلعية والاستثمار الأجنبي المباشر اللذين من المتوقع أن ينخفضا في عام 2009 بنسبة 16% و32% على التوالي، وكذلك انخفضت إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، وإن لم تكن بنفس الدرجة.
وعلى كل الأحوال كانت الدول المستوردة للنفط هي الأقل تضررًا من الأزمة المالية العالمية، نظرًا لعدم اندماج اقتصاداتها بشكل كامل مع الأنظمة المالية العالمية، وضيق قاعدة صناعتها التحويلية، فضلاً عن تدخل الحكومات في الإنفاق العام من أجل تنشيط اقتصاداتها، غير أن ارتفاع أسعار النفط في تلك البلدان يمثل عامل قلق لها؛ حيث عملت حكوماتها بشكل نشط بغية إنعاش الاقتصاد ودعم المتضررين وتوفير أكبر قدر من فرص العمل.
ومن جانبه، توقع الصندوق أن يبقى النمو ثابتًا نسبيا في عام 2010، أي بنسبة 8،3% نتيجة التعافي البطيء في اقتصادات الدول الشريكة، واقترانه بضيق المجال المتاح لاتخاذ إجراءات على مستوى السياسات المعاكسة لاتجاه الدورة الاقتصادية.
وبالتركيز في دول مجلس التعاون الخليجي وتأثيرات الأزمة المالية فيها، فقد نوه التقرير بأنها رغم تأثرها الشديد بالأزمة، فإنها ستظل تسهم بنسبة كبيرة في الطلب العالمي في ظل توقع ارتفاع حصتها في الواردات العالمية من 7،2 % في 2008 إلى 2،3% في .2010
كما أن مستوى تعرض أكبر 50 مصرفًا خليجيا للانكشاف على الأصول السامة (العقارات) والمتمثلة في المشتقات المالية وسندات المؤسسات المالية العالمية لم يتخط 1% للبنوك التقليدية، و2% بالنسبة للبنوك الإسلامية في 2008،. مؤكدًا أن الأخيرة شهدت نموا كبيرًا في السنوات الأخيرة بفضل زيادة الطلب على المنتجات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ويقدر صندوق النقد حجم أصول المصارف الإسلامية بحوالي 850 مليار دولار.
وأضاف التقرير أن المصارف الإسلامية تعرضت لنفس المخاطر التي واجهتها نظيرتها التقليدية، فالمخاطر الائتمانية والمصرفية متشابهة للنوعين، لكن المصارف الإسلامية استفادت من عدم تعرضها للانكشاف على الاستثمار في المشتقات المالية التي تأثرت بحدة جراء الأزمة العالمية.
من جهة أخرى، قدر الصندوق مستوى نمو الأصول المصرفية في الإمارات بحوالي 1،38% خلال الفترة من 2001 إلى 2008، وقدر نمو أصول البنوك الإسلامية بحوالي 8،59% في الفترة نفسها.
الجدير بالذكر، أن الإجراءات الإصلاحية الرامية للوقاية من أزمات مقبلة ساعدت على الحفاظ على مستويات الواردات المرتفعة نسبيا أثناء الأزمة، مما أسهم بدوره في التخفيف من حدة الهبوط الاقتصادي العالمي، كما قامت البلدان المصدرة للنفط بالسحب من أرصدتها الاحتياطية بدرجات متفاوتة، مما ترتب عليه انخفاض فائض الحساب الجاري في هذه البلدان بنحو 350 مليار دولار.
وفي الوقت الذي لم تتعرض معظم البنوك بالمنطقة لمخاطر الأصول السامة، إلا أنها تضررت من انهيار أسواق الأصول المحلية وسحب الأرصدة بالنقد الأجنبي، غير أن اتخاذ الإجراءات الفورية والقوية على مستوى السياسات أدى إلى احتواء هذه التداعيات. ومن ثم، سوف تظل التدابير الرامية إلى تقوية التنظيم والرقابة الماليين ــ التي يجرى استحداثها في بعض البلدان بالفعل ــ عنصرًا بالغ الأهمية. وفي الأجل المتوسط، ستظل الأولويات تتضمن تطوير الأسواق المالية بما يشمله من تنويع في النظام يتجاوز حدود النظام المالي القائم على البنوك، وكذلك جهود تحسين مناخ الأعمال بغية دعم التنوع في النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل.
وبإلقاء نظرة على كل دولة بشكل خاص، نجد أنه رغم أن انخفاض أسعار النفط الذي قد يدفع بنمو إجمالي الناتج الداخلي إلى الانخفاض، فإن الانخفاض البسيط في النمو لا يمكن اعتباره مؤشرًا لتباطؤ حقيقي؛ إذ إن النمو يبقى جيدًا، فاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على تحمل الانخفاضات في أسعار النفط، كما أن التوترات الجيوسياسية التي لا تنتهي من شأنها أن تعزز العوائد النفطية لهذه الدول، فالسعودية أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ستسجل نموا حقيقيا أكثر ارتفاعًا بشكل طفيف عن النمو الذي سجلته في 2008؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 8،682 مليار دولار مقابل 5،604 مليارا دولار في عام .2008
أما الاقتصاد الإماراتي فقد سجل ناتجًا قيمته 3،185 مليار دولار، وذلك بانخفاض طفيف عن عام 2008، حيث قدر بنحو 2،186 مليارا، بينما انخفضت قيمة الناتج الإجمالي لقطر من 1،95 مليار دولار عام 2008 إلى نحو 4،84 مليارا العام الحالي، كذلك الحال أيضًا مع الكويت انخفض من 141 مليارًا في عام 2008 إلى 4،137 هذا العام، بينما ارتفع في البحرين من 5،26 مليارا العام الماضي إلى 27 مليارًا هذا العام.
وأخيرًا ارتفع إجمالي الناتج المحلي العماني مع تسجيل ما قيمته 3،68 مليارا دولار في العام الحالي مقابل 7،67 مليارا العام الماضي.
كما أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات النفطية وغير النفطية في الدول المصدرة للنفط انخفض في عام 2009، ومن المرجح أن يعود للصعود مرة أخرى في عام 2010، حيث كان معدل النمو في البحرين 9،6% في عام 2008 ثم انخفض إلى 5،3% عام 2009 ومن المتوقع أن يصعد إلى 2،4% في عام 2010،. وفي الكويت كان يقدر بنحو 9،7% في عام 2008 ثم انخفض إلى 2،1% عام 2009 ثم سيصعد إلى 1،4% في عام 2010، وفي عمان كان 0،8% في عام 2008 ثم انخفض إلى 4،3% عام 2009 ثم سيصعد إلى 2،4% في عام 2010، وقطر كان بنحو 5،14% في عام 2008 ثم انخفض إلى 9% ثم سيصعد إلى 1،9% في عام 2010، والسعودية كان بنحو 3،4% في عام 2008 ثم انخفض إلى 3،3% عام 2009 ثم سيصعد إلى 2،4% في عام 2010، وأخيرًا كان في الإمارات بنسبة 6،8% في عام 2008 ثم انخفض إلى 1،1% عام 2009 ثم سيصعد إلى 5،2% في عام .2010
ولمزيد من توضيح الصورة أشار التقرير إلى بعض المؤشرات الخاصة بالسلامة المالية في دول التعاون، حيث كان معدل كفاية رأس المال في البحرين 1،18%، والكويت والسعودية 16%، وقطر 6،15%، وعمان 7،14%، والإمارات 1،13%، في حين كان معدل القروض المسددة إلى إجمالي القروض منخفضا بنحو 3،2% في البحرين و1،3% في الكويت، و4،1% في السعودية، و2،1% في قطر، و4،2% في عمان، و5،2% في الإمارات، كما كان معدل تقديم القروض إلى إجمالي القروض المسددة مرتفعا، ففي البحرين كان 84%، والكويت 7،84%، والسعودية 3،153%، وقطر 2،83%، وعمان 3،119%، والإمارات 5،101%. فيما كان معدل العائد على الأصول في البحرين 9،16%، والكويت 8،27%، والسعودية 1،35%، وقطر5،21%، وعمان 1،14%، والإمارات 1،21%.
وبحسب التقرير فإن من العوامل التي ساهمت في تراجع معدل نمو الائتمان في القطاع الخاص خلال الأزمة، حدوث تباطؤ ملحوظ في الودائع في كل من البحرين وقطر والسعودية، وكذلك انخفاض في التمويل الأجنبي بالكويت والسعودية، بالإضافة إلى انخفاض الاحتياطيات في بنوك جميع دول التعاون.. وفي إطار تراجع معدل الائتمان اتخذت دول المجلس بعض التدابير لمواجهة الأزمة، وكان الاتجاه الجماعي لها هو دعم السيولة في القطاع المالي، إلى جانب بعض التدابير الفردية، فعلى سبيل المثال لجأت البحرين إلى تخفيف القيود النقدية على مستوى الاقتصاد الكلي، بينما قامت الكويت ــ التي شهدت حالات إفلاس بنكية ــ باتباع نظام ضمانات الودائع وضخ رؤوس الأموال وشراء الأسهم الهاوية وذلك في إطار تدابير النهوض بالقطاع المالي، فيما قامت بتخفيف القيود النقدية على مستوى الاقتصاد الكلي. أما السعودية فقد حرصت على ضمان الودائع بجانب تخفيف القيود النقدية وتقديم الحوافز الضريبية، وسارت الإمارات على نفس درب السعودية بجانب القيام بضخ رؤوس الأموال. في حين قامت عمان بشراء الأسهم المنهارة وتخفيف القيود النقدية. أما قطر فقد كانت أكثر حرصًا على دعم القطاع المالي من دون الاقتصاد الكلي، حيث قامت بضخ رؤوس الأموال وشراء الأسهم المنهارة، إلى جانب دعمها السيولة كباقي دول التعاون.
من ناحية أخرى، أوضح التقرير أن تعامل البنوك الإسلامية في قطاعات العقارات والإنشاءات المحفوفة بالمخاطر منخفض في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، إلا أنه أعلى بكثير من المتوسط في دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر.. وبوجه عام، دعا الصندوق دول المنطقة إلى مواصلة الطلب المحلي لتخفيف أثر الأزمة في مواطنيها مع مراقبة الديون لتبقى عند مستويات يمكن الاستمرار في تحملها، أما بالنسبة إلى الدول ذات الدخل المنخفض، فقد أشار إلى أن زيادة الدعم من الجهات المانحة سيكون مطلبا ضروريا للحفاظ على التنمية الاقتصادية اللازمة، وتجنب ارتفاع معدلات الفقر عن مستوياتها الحالية، وشدد على ضرورة أن تعمل الحكومات في مختلف دول المنطقة على إحراز تقدم أكبر في تعزيز نظمها المالية، وأن تحرص على عدم فقدان الفاعلية الحالية للإصلاحات الهيكلية التي تستهدف تنويع الأنشطة الاقتصادية، وتوفير الفرص الوظيفية، وإتاحة الفرصة أمام تلك الدول للإفادة من تعافي الاقتصاد العالمي.كما أكد التقرير أن الأزمة العالمية كشفت أوجه القصور في النظم المالية في تلك البلدان سواء كان ذلك في الإدارة أو اتخاذ التدابير الاحتياطية، لذا بات الإصلاح المالي أمرًا ذا أهمية بالغة في المرحلة المقبلة
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.