منصور الجمري
قبل عامين، في 2010، كانت البحرين تمر بمخاضات غريبة لم نعرف طبيعتها آنذاك. بدأنا ذلك العام بتناقضات، فمن جانب كانت الكتل البرلمانية (الوفاق، المنبر الإسلامي، الأصالة، المستقلون) تتوحد (لأول مرة) حول ملف التحقيق في أملاك الدولة، وقد شهدت التجربة البرلمانية (التي بدأت في 2002) أهم إنجاز على الإطلاق عندما عرض تقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة على مجلس النواب في أبريل/ نيسان 2010، إذ صوّت جميع الأعضاء (باستثناء معارضة عضوين، وغياب عضو واحد) على تقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة وطالبوا الحكومة بإرجاع 65 كيلومتراً مربعاً إلى خزينة الدولة ثبت أنه تم التعدي عليها. الحكومة ردت حينها بتشكيل لجنة للرد على النواب، ومن ثم انتهت تلك الفترة البرلمانية (من دون أن يرجع أي شيء إلى خزينة الدولة حتى الآن).
رغم أن هذه الوحدة الفريدة من نوعها تحققت بين أعضاء مجلس النواب لأول مرة، كانت البحرين تمر بمخاضات أخرى في الوقت نفسه، وكانت في إتجاه معاكس. ففي نهاية فبراير/ شباط 2010 اختُلقت ضجة كبيرة جدّاً ضد انعقاد مؤتمر عام لجمعية سياسية معارضة (الوفاق)، ومن دون سابق إنذار اعتُبر ذلك المؤتمر وكأنه خطر داهم على الدولة.
ولم تكد تهدأ تلك الضجة حتى بدأت ضجة كبيرة أخرى ضد السفير البريطاني آنذاك جايمي باودن الذي اتُّهم بكل أصناف التهم، حتى قال بعضهم إن السفير كان يهدف إلى إعادة الاستعمار البريطاني للبحرين، وحدث تحشيد مفاجئ وغير مسبوق ضد السفارة البريطانية. ولم تهدأ تلك الضجة، إلا وقد بدأت ضجة أخرى حول تبييض أموال لصالح «دولة أجنبية» واتُّخذت إجراءات حاسمة لم تعهدها البحرين من قبل، وكل ذلك بشكل مفاجئ.
ثم وصلنا إلى أغسطس/ آب 2010، وبدأ شهر رمضان بحملة اعتقالات واسعة، وقاسية، استُخدمت فيها أساليب نساها الناس منذ التصويت على ميثاق العمل الوطني في 2001، وبعدها استمرت الأوضاع الوجلة حتى موعد الانتخابات النيابية في نهاية العام. وفي سبتمبر/ أيلول 2010، مُنعت الجمعيات السياسية من إصدار نشراتها (ولازالت ممنوعة لحد الآن)، وصدرت قرارات شتى منعت من خلالها كثير مما كان مسموحاً به من قبل.
انتهى العام 2010 والبحرين بالكاد تنتبه لنفسها، فلم تكن هناك فرصة للاستفادة من الإيجابيات التي تحققت من وحدة البرلمانيين، كما أن التموُّجات المتضادة كانت متلاطمة من كل جانب. ومع مطلع العام 2011 دخلت بلادنا على خط الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي، وهي الفترة الأكثر تأثيراً على كل المستويات، والتي مازلنا نعايشها، ومازلنا نراوح في مكاننا.
وأمس الأول عاد الحديث عن إجراءات ستتخذ ضد جمعية «أمل»، وبعدها سيأتي دور الجمعيات السياسية المعارضة الأخرى… وهكذا ندور وندور في مكاننا من دون أفق استراتيجي ينير المستقبل.