في الأيام القليلة الماضية، شهدنا موقفين لافتين عبر عنهما اثنان من كبار المسئولين البريطانيين فيما يتعلق بغزو واحتلال العراق.
الموقف الأول، عبرت عنه اليزا مانينجهام، المديرة السابقة لجهاز المخابرات الداخلية البريطاني، ام أي .5 قالت انه قبل غزو واحتلال العراق، كان تقدير جهاز المخابرات الذي ترأسه هو ان العراق لم يكن يشكل أي تهديد لبريطانيا. وأضافت انه لم تكن هناك أي أدلة على وجود أي صلة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة ولا على وجود أي علاقة بين العراق وهجمات 11 سبتمبر. وقالت ان احتلال العراق هو الذي فاقم الأخطار الإرهابية التي تتعرض لها بريطانيا.
والموقف الثاني، عبر عنه نيك كليج نائب رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب الديمقراطيين الاحرار. قال ببساطة ان غزو العراق لم يكن قانونيا، وانه واحد من أكثر القرارات كارثية على الاطلاق.
كما نعلم، ليست هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن مثل هذه المواقف عن غزو واحتلال العراق يعبر عنها مسئولون بريطانيون حاليون أو سابقون.
هذه المواقف التي تتحدث عن عدم قانونية غزو واحتلال العراق، وعن انه لم يكن هنالك ما يشير إلى ان العراق يشكل خطرا من أي نوع، هي مواقف لا بد ان تثير تساؤلات كثيرة.
أول تساؤل لابد ان يثار بداهة هو، أين كان هؤلاء المسئولون البريطانيون في ذلك الوقت ؟. نعني لماذا لم نسمع اصواتهم قبل الغزو والاحتلال يعبرون عن رفضهم ويطالبون الحكومة البريطانية بعدم المشاركة في هذه الجريمة؟.
الجواب ان هؤلاء المسئولين طوال سنوات ما قبل وما بعد غزو واحتلال العراق كانوا يعتبرون ان القوات البريطانية في العراق تقوم بمهمة وطنية قومية، وانه لا يجوز التشكيك في مهمتها او النيل من معنوياتها، وانهم يجب ان يدعموها في مهمتها.
بعبارة أخرى، كان كل هؤلاء المسئولين سواء كانوا في الحكومة أو خارجها شركاء مباشرون في جريمة الغزو والاحتلال.
سؤال آخر. ولماذا يقولون هذا الكلام الآن؟.. كيف نفسر مواقفهم هذه اليوم؟
هل يمكن ان تكون هذه المواقف تعبيرا عن صحوة ضمير مفاجئة مثلا؟
الإجابة قطعا ،لا. الذين صمتوا طوال هذه السنين وهم يرون بلدا عريقا كبيرا مثل العراق يتم ذبحه وتدميره على يد قواتهم والقوات الأمريكية، كانت ضمائرهم قد ماتت. والضمائر الميتة لا تعود الى الحياة.
حقيقة الامر ان تباكي هؤلاء المسئولين البريطانيين اليوم ودموعهم التي يتظاهرون انهم يذرفونها بعد ان اكتشفوا ان غزو واحتلال العراق لم يكن قانونيا ولا مبرر له.. هذه الدموع هي بالضبط كما دموع التماسيح المجرمة. دموع التماسيح المجرمة كما هو معروف لا تعبر عن حزن ولا حتى اسف، وانما هي من قبيل الاستمتاع بعد افتراس الضحية.
وهذه التماسيح البريطانية المجرمة التي تذرف هذه الدموع اليوم بعد ان انهت قواتهم مهمة المشاركة في ذبح العراقيين وتدمير العراق تتصور ان بمقدورها استغفال العرب الآن.
هم يريدون ان يقولوا للعرب، لقد اكتشفنا اننا اخطأنا، ونريد المغفرة وطي هذه الصفحة كأنها لم تكن.
وهذا لا يمكن ان يكون. والسبب بسيط.
بحسب شهادات هؤلاء المسئولين أنفسهم بأن غزو العراق لم يكن له أي ظل من الشرعية، فان كل من شارك فيه هم مجرمو حرب وابادة، ويجب ان يحاكموا على هذا الأساس.
وهذه هي الحقيقة الأساسية في القضية برمتها اليوم.
الحقيقة ان المجرم توني بلير واركان حكومته وقواته وكل من شارك في جريمة الغزو والاحتلال، لابد ان يحاكموا كمجرمي حرب وابادة وان يدفعوا ثمن جريمتهم كاملا.
أما دموع التماسيح البريطانية المجرمة هذه، فهي لا تعني لنا شيئا من قريب او بعيد.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.