قاسم حسين
حين كتبت مقال أمس، «هل يعود زوّار جنيف بخفي حنين»، لم تكن الأخبار الجديدة قد بدأت تتوارد من جنيف.
وأصارح القارئ الكريم بأنني كنت أحلل الموقف الحكومي من ملف حقوق الإنسان، لمعرفتي اللصيقة به، وكنت أحاول أن أكون بمنجاةٍ من التأثر بالجو الدعائي الذي أشاعته الأخبار الرسمية الصادرة عن «وزارة حقوق الانسان»، لتترك انطباعاً عن نجاحاتها الباهرة في إقناع مجلس حقوق الإنسان، وخصوصاً الأصدقاء السويسريين، بشأن ضرورة تصحيح معلوماتهم ومواقفهم من الوضع الحقوقي في البحرين.
بعد أقل من أربع ساعات من كتابة المقال، بدأت الأخبار والتقارير تتوارد من جنيف حتى منتصف الليل، في اتجاهٍ معاكسٍ تماماً لأمنيات وزارة حقوق الإنسان.
كانت الصدمة الكبرى للوفد الحكومي، أن المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي دعت البحرين إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك احترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتشكيل الجمعيات، وقالت إن «أوضاع حقوق الإنسان في البحرين لاتزال تثير قلقنا البالغ»، خصوصاً من جهة تشطير المجتمع، والحملة القاسية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين. كما انتقدت إلغاء زيارة المقرّر الخاص بالتعذيب خوان مانديز، وعدم تنفيذ أهم توصيات لجنة بسيوني.
المفاجأة الثانية أن 47 دولةً وقّعت في جنيف، على بيانٍ مشتركٍ انتقد انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بعد أن كان العدد 44 فقط في مارس/ آذار الماضي. تزايد عدد الدول الناقدة للوضع الحقوقي يؤكد فشل الحكومة في تسويق رؤيتها وإقناع العالم الخارجي.
الصدمة الأكبر أن البيان الأممي المشترك، تلاه نيابةً عن مجموعة من الدول الأوروبية، ممثل سويسرا، التي وصفها الوفد الحكومي قبل يومين بأنها «حاضنة حقوق الانسان»، وعاد أمس ممثل البحرين (السفير يوسف بوجيري)، محاولاً تفنيد البيان واتهمه بالافتقار إلى الموضوعية والحيادية في نقل حقيقة الوضع في البحرين!
ما حدث مجدّداً في جنيف، يثبت وجود مأزق حقوقي عميق تعيشه البحرين، بسبب تعامل الدولة مع ملف حقوق الإنسان بهذه الطريقة البرتوكولية المتعالية. والخطأ الاستراتيجي الذي ترتكبه السلطة، أنها تتعامل مع العالم الخارجي بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع بعض الفئات والمجموعات السكانية المحلية التي يسهل إقناعها وتوجيهها برشّاتٍ سريعةٍ من العمل الإعلامي الموجّه. ولئن آتت تلك السياسة مفعولها لبعض الوقت في الداخل، إلا أنها أثبتت عقمها على مستوى الدول أو الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية. والدليل تكتل مزيد من الدول ضد موقف البحرين، وإصدار «هيومن رايتس ووتش» بياناً ذكرت فيه أنها المرة الثالثة منذ يونيو/ حزيران 2012 تطالب مجموعة من 47 دولة، البحرين صراحةً بإيقاف القمع، واستنكار احتجاز أشخاص لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، وطلبت من مجلس حقوق الإنسان متابعة الوضع الحقوقي عن كثب. وأكدت المنظمة أن مناخ حقوق الإنسان في البحرين آخذ في التدهور، مع استمرار مزاعم التعذيب، وإصدار السلطات سلسلة من القوانين القمعية من بينها الطلب من الجماعات السياسية الحصول على إذن خطي من أجل الالتقاء مع دبلوماسيين أجانب أو المنظمات الدولية خارج البحرين، فضلاً عن حجب الحق في الاحتجاج سلميّاً في العاصمة المنامة.
لقد كان مؤلماً جداً، أن تكون آخر توصيات «هيومن رايتس» للوفد الحكومي العائد من جنيف بخفي حنين: «ينبغي عليكم أن تسمعوا الرسائل الواضحة الصادرة عن تحالف متزايد من الدول ومن أعلى مسئول في الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان». درس قاسٍ آخر، فمتى نستوعب آخر الدروس؟