قاسم حسين
حين يدخل السائح بلداً ويلاحظ من الوهلة الأولى انتشار نقاط تفتيش وأسلاك شائكة على مداخل المدن والقرى، فسيتبادر إلى ذهنه وجود أزمة سياسية أو أمنية كبيرة، من الصعب أن تخفيها صور الإعلانات التجارية.
وحين يتم اللجوء إلى استخدامٍ كثيفٍ للغازات المسيلة للدموع، بمعدل يفوق المعدلات العالمية بكثير، فذلك مؤشر آخر، خصوصاً حين تشاهد شوارع بعض المناطق السكنية مزروعةً بالخراطيش وبقايا العبوات من أحجام وأشكال مختلفة.
فجر الخميس الماضي، وبينما كنت أنتظر مسافراً في المطار، دنا أحد سكّان قرية «الدَيْه»، (كيلومتران غرب العاصمة المنامة)، مطالباً أن نغطّي مشكلة الأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية الجديدة التي وضعت عند مدخل القرية، والتي ستزيد تعقيد حياة الناس والإضرار بمصالحهم وإعاقة حركتهم عند الدخول والخروج، خصوصاً أنها وُضعت عند مدخل رئيسي، يحرمهم حتى من دخول المسجد، ويفصل بين بعض منازل القرية المتلاصقة.
لم تمض ساعات حتى كان الخبر قد شاع، وأخذت تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر بعض المغرّدين صوراً لتلك الأسلاك والحواجز الأسمنتية، مع تعليقات كثيرة يمكن تلخيصها بعبارة «هذه ليست فلسطين، هذه هي البحرين»، وكانت الصور متشابهة إلى حد كبير، وتبين أن الأسلاك والحواجز لم تقتصر على الدَيْه، وإنّما شملت أيضاً مداخل منطقتنا (البلاد القديم).
مساء الخميس، كنت أمازح أحد الزملاء من جزيرة سترة: أنتم أيضاً وضعوا لكم أسلاكاً شائكة؟ فقال بجد وهو منهمكٌ في عمله: الأسلاك الشائكة والحواجز موجودة عندنا منذ 2011.
صباح الجمعة، كان موضوع الأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية موضوع حديث الأهالي في المساجد والبرادات والخبّاز والبقالات، فهذه الإجراءات أخذت تتوسع وتتوسع معها معاناة الناس ويتزايد ما يتعرضون له من مضايقات مسكوت عنها.
في تغطيتها في عدد الجمعة تحت عنوان «الأمن يغلق منافذ في منطقتي الديه والبلاد القديم»، نقلت «الوسط» صورةً تكفي عن الكثير من الكلام، حيث يبدو صبيٌّ على دراجة صغيرة يقف حائراً من وراء الأسلاك الشائكة، فيما بدت المنازل الشعبية في خلفية الصورة. حالة الحصار لا يعيشها الأطفال على دراجاتهم وحدهم، وإنّما تمتد إلى حركة الناس والسيارات، وتعرقل وصولهم إلى أعمالهم وتنقلاتهم، كما تؤثر على وصول الطلاب والطالبات إلى مدارسهم.
في متن الخبر، ذُكر أن «الداخلية قامت منذ فترة طويلة بإغلاق منافذ بعض القرى والمناطق بالأسلاك الشائكة والحواجز الأمنية للحد من استمرار الأعمال الاحتجاجية التي تشهدها باستمرار». وهي حالةٌ سبق أن احتج عليها الأهالي قبل عام، وكتبت عنها الصحافة، ونشرت صور معاناة الطلبة والطالبات الصغار وهم يجتازون الحواجز الأسمنتية، لكن لا يبدو أن الجهات الأمنية تكترث لكل ما يصدر عن الأهالي من شكاوى واحتجاجات.
وما يؤكد ذلك تصريح الأهالي بأن عملية وضع الحواجز الجديدة لاقت احتجاجاً منهم، إلا أن الضابط قام بإبلاغهم أن أمر وضع الحواجز وإغلاق المنافذ ليس من عنده ولا يمكنه التراجع عن تنفيذ تلك الأوامر». وطالبوا وزارة الداخلية بتفهم احتياجات الأهالي وحل المشكلة ورفع هذه المعاناة.
كنا نتحدث في السنوات الأربع الماضية، بأن الأزمة السياسية ولّدت أزمةً حقوقيةً عميقة، بسبب ما رافقها من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان. وما يجري من استمرار للاحتقان والتصعيد الأمني، يوحي بأن الأزمة لا تتجه إلى الحلحلة والتبريد، وإنما تسير باتجاه مزيدٍ من التعقيد، مع دخولنا مرحلة «الأسلاك الشائكة».
انظروا في كل بلاد الدنيا، إقامة الجدران العازلة ونشر الأسلاك الشائكة في أي بلد، لا تزيد البشر إلا معاناةً، والأزمات السياسية إلا تعقيداً. فمتى نوفّر على المواطنين كل هذا العناء؟