إن القيم «الأصيلة« لشعب هذه الأرض الطيبة وهذه الأخلاق الراقية والتسامح العالي هي التي يجب أن نشجعها ونؤكدها، وذلك بألا نعير بالنا للشتامين والسبابين الذين يحاولون ارهاب كل صوت معارض لهم، وان تلك الأصوات التي لا تعير حرمة للناس لمجرد الاختلاف هي اصوات دخيلة على ثقافة اهل البحرين وأصولهم العربية وثقافتهم الاسلامية الراقية، فقد برزت في الآونة الأخيرة كتابات فيها من الاسفاف والسطحية والتهجم على الناس برخيص الكلام ونابي الحديث، مما لا يحمل احتراما لأمانة القلم ولا يتجمل حتى بأبسط معاني الأخلاق، مليء بالسباب والشتائم لمن يبدي رأيا مخالفا لرأيه، تشم منه رائحة طائفية بغيضة وتهجما على قيم اهل هذا البلد العربي حيث يتهجم على معاني العروبة والقومية ويحاول جاهدا ان يخلق انفصاما بين هذه المعاني وقيم الاسلام العظيم.
نحن ننظر الى ما قاله الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «جئت لأتمم مكارم الأخلاق« ذلك الحديث النبوي الكريم الذي خاطب به محمد صلى الله عليه وسلم العرب الأقحاح من أهل الجزيرة العربية من مكة والمدينة المنورة، ليدلل على ان الله سبحانه عندما اختار امة العرب لحمل هذه الرسالة للعالمين فانما اختار امة تحمل من القيم والأخلاق ما يؤهلها لتحمل أمانة حمل الرسالة. وكما أن في الاسلام آدابا وقيما ومنهجا اخلاقيا فإنه أرسى منهجا في الحوار يحترم الانسان وحريته في الاختيار، كما يحترم حقه في الاختلاف وفي المجادلة. ان للحوار قواعده وآدابه، ولعل من ابرز هذه القواعد والآداب ما ورد في سورة سبأ، ففي اسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره حتى لو كان على خطأ كان الرسول محمد يحاور غير المؤمنين شارحا ومبينا ومبلغا، ولكنهم كانوا يصرون على ان الحق الى جانبهم، فحسم الحوار معهم كما ورد في الآية الكريمة: «إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين« (سورة سبأ، الآية 24). لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور تاركا الحكم لله، وذهب الى ابعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم في الآية التالية مباشرة: «قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون« فكان من قمة آداب الحوار ان وصف اختياره، وهو الصادق الأمين، للحق وهو على حق بأنه اجرام (في نظرهم)، ووصف اختيارهم للباطل وهم على باطل بأنه مجرد عمل. ما أروع تلك الصور التي يرسمها لنا القرآن الكريم لذلك الخلق الرفيع والسامي الذي كان عليه الرسول الأكرم والذي خاطبه رب العزة: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك«، ان احترام حرية الاختيار هذا ليس احتراما للخطأ. فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة اسقاطها ليسا الهدف الذي لا يكون الحوار مجديا إلا اذا تحقق، ان من اهداف الحوار تعريف الآخر إلى وجهة نظر قد يكون لا يعرفها، ومحاولة اقناعه بالتي هي احسن بموقف ينكره أو يتنكر له. وهو امر يشكل في حد ذاته اهم عناصر الاحتكاك الفكري والتكامل الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس.. ومن دون ذلك يتبلد الذهن ويتجمد التعطش الى المعرفة، وتتحول ساحات الفكر الى بحيرات آسنة. لقد انعكس هذا الخلق الرفيع على اهل بيت الرسول عليهم السلام حين قال علي عليه السلام: اني أكره لكم أن تكونوا سبابين. فمن يعتقد ان الحق معه فليجادل ويعرض حججه فان ذلك انفذ للقلوب،وأقرب للعقول، فان مجرد اللفظ البذيء ممنوع، اذ فيه اثم الفحش، كما قال رسول الله «وهل تكب الناس على مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم؟« ولو اردنا تعداد المواقف الكثيرة التي مرت على اهل بيت النبوة لتبيان الخلق الرفيع لهم في التعامل مع الآخرين لملئت بها المجلدات من خطابهم الأخلاقي الراقي ومناظراتهم العلمية الرفيعة في مقارعة الحجة بالحجة وقد استلهم علماء البحرين الماضون تلك الخصال الرفيعة في احاديثهم وخطابهم وتعاملاتهم، نذكر منها موقف العلامة الشيخ يوسف صاحب الحدائق حين ورد على كربلاء المقدسة وعاش فيها فقد جاءه بعض الرجال وأخبروه ان المرجع الفلاني قد افتى بعدم صحة الصلاة بإمامتك، وسألوه عن رأيه في صلاة ذلك المرجع فقال ااتموا به فصلاته صحيحة عندي، فكان مثالا للتسامح والموقف الأخلاقي الذي لا ينزلق مزالق الهوى. فماذا دهى البعض من الكتبة في هذه الأيام؟ فرغم ان الرسول الأكرم يقول: «تعمموا تزدادوا حلما« و«العمائم تيجان العرب« نجدهم غارقين في السباب والشتائم. حقا ان هؤلاء لا ينظرون الى حياة الرسول الا من الخارج، ولكنهم بعيدون عن روحها ومعانيها السامية، فمتى نستطيع ان نحيا حياة الرسول العربي، ولو بنسبة الحصاة الى الجبل والقطرة الى البحر؟ حقا لقد كان محمد كل العرب، فمتى يصبح كل العرب اليوم محمدا؟!