الآن تتكشّف الأسرار وتهتك " ويكليكس" الأستار ويظهر ماتحت الثلج وماخفي في حوزات الحكم ومدارات الحياة السياسية العربية من مهالك وأخطار ، فلا شيء يغطى بعد الآن بالتلفيق والتدليس والتلبيس والافتراء وتزيين الحال ولا أجوبة على مايجري سوى المواجهة مع الذات اولا ومع الوقائع كما هي في واقع الحال ·
وكل من يريد أن يواصل درب التعمية والتلفيق سيجد ذاته يوما أمام مصيره وقدره الأسود وأمام انقلاب الأحوال ضده ذلك أنه لم يدرك في الوقت المناسب ضرورة وأهمية المراجعة والنقد والاستبصار واتاحة الفرصة لتبادل وتلاقح الأفكار وخطورة حجب الأفكار العقلانية الايجابية وابعادها عن التأثير والمجال ·
والاستبداد نهجا وطريقا يفنى ولا يبقى ولا يدوم ، هكذا كان الأمر في الماضي وكذلك هو الآن، ومن استطاع من أهل الحكم والشوكة والسلطة أن يمدّ في أجل الاستبداد وأن يغذيه بالبطش والترهيب والسطوة والقسوة حتى اللحظة فانه سيجد نفسه لامحالة أمام انسداد وأمام انهيار لاحق وماحق ، فالظلم والعصبوية والزبونية لاتبني الدول وهي تخرب العمران كما انها السبيل الى الاندثار مهما صمد الظلم وامتد وتأبد فتاريخ الاستبداد كما تشير الوقائع دائما مضبب ومحبوس ومغلق وأجله ومصيره مبهم معلّق وقريب من التبعثر والانفلاش !
والمستبدّ الطاغية لايترك ارثا يقرأ ويروى ولاذكرا طيبا يحكى ويحمد ويبقى ولا فضائل ترسخ في الأرض والذاكرة والمجال وانما يكون ارثه هباء ذكريات وعهن منفوش ولطخات مبعثرة طائشة وقاتمة في التاريخ ونصا استثنائيا شاذا في الحياة · ولايذكر المستبدون الا ومعهم الخيبات واللعنات والشتائم ، ولا يرسخون في التاريخ ويبقون على هوامشه مثل الطلاسم والشذرات ، فالتاريخ ضدهم في كل حال ومآل وهو عليهم لا لهم في كل مجال ، وهو يطردهم من اطاره ومساره ويبقيهم بعيدا عن مآثره وعلاماته لا بل أنه يحرّم عليهم الاستقرار فيه ويكونون دائما ذيلا وتذييلا لصفحاته ·
والآن تتكشّف الجرائم والخفايا وتظهر الاشياء على حقيقتها وتتبين ماهيتها فاذا الأمريكان وسفاراتهم في كل بلد يكتبون وعلى أهل الاستبداد وفظائعهم يتفرجون ويدونون ، فاذا بالصالح المفترض طالح واذا بالقائد المتعالي هابط في الأسافل واذا بأهل الحكم يفعلون غير مايقولون ويقولون غير مايفعلون ، وماذا يقولون وقد بهتوا مثل الذي كفر واستكبر وأمام ويكيليكس ووثائقه تراجعوا كما في يوم النفير والحشر ؟
وهاهي الأمور الغائبة تتبدّى وهاهو المخبوء يطلع ويتصدّى واذا بالمستبدين وراء كل جريمة لاتغتفر ويدهم في يد أعداء الأمة في العتمة والظهر والعصر يسيرون معهم حذو النعل بالنعل ويزينون لهم طريق البغي والانتهاك واحتلال ذات وضمير وتاريخ العرب ، واذا بهؤلاء الصناديد بالخراب يفرحون وبالكيد يتعاطون ويتعاملون ويتفاعلون ويدفعون بالغرباء والاعاجم والعلوج الى بيضة الامة وحياضها ليكسروا ارادتها ويحطموا فكرها وبأسها ويقضون على ارثها وتراثها ويضعون الناس وأبناء الامة في العراء والمسغبة ويضيّعون هيبة الأمة في هذا الاقتتال البيني المجانيّ المشترك والاستخذاء بالقوة الباطشة والاكتفاء بالمذلة والتخادم والملاينة ·
ولذا فان طريق العرب الآن تتعثر، وبالخراب تتدثر، وبالاستبداد تضمر وتصغر، لا بل ان الطريق تغيب والوعي يخيب والعتمة تحيق والغمة تتعمّق وتكبر فالى أي مصير تقاد الأمة بهذا الاستبداد الطاغي وهذا العماء المستفحل المتواصل وهذا الاستحمار الذي بدأ يصير استجحاشا واستبغالا ؟ ولماذا يقبل أهل الشهامة والرسالة والارادة هذا الطغيان الذي يقارفه الطغاة في السر والعلن وفي القول والعمل ؟ ولماذا ينصتون بذلة واستكانة الى قرارات قتلهم ووثائق تدميرهم ؟ ولماذا يكون العرب الآن موضوعا للتاريخ يقرأه ألأغراب للاختبار والتجاريب وصياغة المكائد والاحابيل ولايكونون ذاتا تصنع التاريخ وتفتح ابوابه على العصر وعلى قضايا الكون ؟
تلك اسئلة ضاغطة مريرة تتفجر، وأفكار محلقة تحط وتتطاير وتتغير وأعاجيب تستقر وتتزايد وتكبر ولا قرار لها ولا مستقر اذ أنها تحتاج الى اعمال البصيرة والبصر والى ارادة حاسمة تحطم ماهو ثابت ومستقر والى جواب شعبي عربي يكون بديلا عما هو سائد ومنتشر ! فالشعب الذي يسكت يموت مدحورا بغمه والأمة التي تنام على الضيم تذوي وتندثر والحرية عندما تغيب تتذرر ويحل مكانها طغيان ضار ومنتشر ·
فالى أين نحن ذاهبون ؟ وفي هذا العماء سادرون وفي كل واد هائمون ؟ لانقدم ولا نؤخر وحتى في حدود الاشارة والتعبير لانعبر وأصبحت المذلة فينا تكبر والقابلية للاستعمار والاستعباد تظهر ، وهانحن نداوم على الصمت المريب والسيل يقتحم ويداهم والمستبدون يأخذوننا كل مأخذ ونحن في غمة واندهاش وغفلة وانفلاش لانفتح أفقا ولانشتق طريقا ولا نفكر ببديل مع أن البدائل قائمة والسبيل اليها معبدة وماعلينا الا أن نتجاوز ونغير ما بذاتنا وأن نعيد بناء ارادتنا بما توفر، وأن نتحدى بكل مانستطيع ونقدر، فذلك هو سبيلنا الى الفوز العظيم ولاسبيل غيره ، والتاريخ لايصنعه الا من هم أهله ومن يعرفون بداهاته وغلائقه ومتطلباته ومن يعزمون على تغيير سطوره وصفحاته وينقشون فيه علاماتهم واشاراتهم وبصماتهم مهما استفحل الطغيان وحلت المعاصي وازداد الانسداد وتطاول الجزر وغاب المدّ، والتاريخ مفتوحة صفحاته دائما للمؤمنين المستبشرين بالحرية والاستنهاض والمستقبل ·
فهل نحن قادرون على أن نكون ؟ في هذا الزمن الذي براد لنا فيه أن نفنى ولانكون؟؟
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.