سبق لي ان كتبت عدة مقالات مطولة فتحت فيها بالتفصيل ملف جرائم الحرب والابادة التي ارتكبها الاحتلال الامريكي وحلفاؤه في العراق، وعرضت فيها للحملات العالمية التي يتبناها نشطاء وعشرات من المنظمات العالمية لمحاكمة مجرمي الحرب في العراق.
وقد انتقدت في هذه المقالات غياب العرب عن هذه الحملات، وقلت ان الحملة العالمية لمحاكمة مجرمي الحرب هؤلاء يجب ان تكون عربية وان تنطلق من العالم العربي.
وقد تأخر التحرك العربي في هذا الاتجاه كثيرا، لكن المهم انه أتى اخيرا.
ففي الاول من الشهر الحالي، انطلقت في بيروت الحملة العالمية لملاحقة جرائم الحرب في العراق بمشاركة 190 شخصية عربية وعالمية من 23 بلدا. واختار الاجتماع التحضيري وزير العدل الامريكي الاسبق رامزي كلارك رئيسا للجنة التحضيرية.
وهذه الحملة التي انطلقت، لابد ان تكون لها ثلاثة اهداف اساسية كبرى، وهي واردة بالفعل في الاوراق التي قدمت والكلمات التي القيت في اجتماع بيروت:
الهدف الاول: التوثيق التفصيلي الكامل لكل جرائم الحرب والابادة في العراق. وكما سبق وشرحت تفصيلا في المقالات التي كتبتها عن القضية، فإن الاحتلال الامريكي وحلفاءه وعملاءه لم يتركوا جريمة واحدة من جرائم الحرب والابادة المنصوص عليها في المواثيق والقوانين الدولية الا وارتكبوها.
وتوثيق هذه الجرائم تفصيليا غير انه القاعدة التي على اساسها يجب ان يحاكم هؤلاء المجرمون، فإنها ضرورة قصوى كي لا تغيب هذه الجرائم عن الذاكرة العربية، وتظل الاجيال القادمة على وعي بها.
والهدف الثاني: شن حملة اعلامية واسعة متصلة لا تتوقف على الصعيدين العربي والعالمي للتعريف بجرائم الحرب والابادة في العراق، ولحشد أكبر تأييد ممكن على الاصعدة الشعبية والرسمية لمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم.
والهدف الثالث: اتخاذ الخطوات العملية الواجبة للعمل على تقديم مجرمي الحرب في العراق الى المحاكمة، وعبر كل الطرق والسبل المتاحة. والخيارات القانونية هنا كثيرة ومعروفة.
بطبيعة الحال، فإن الطريق الى تحقيق هذه الأهداف، وبالأخص هدف تقديم مجرمي الحرب الى المحاكمة فعلا، ليس بالسهل. هو طريق طويل جدا وتحول دونه الكثير من العقبات والعراقيل.
وانطلاق هذه الحملة ليس سوى مجرد خطوة واحدة على هذا الطريق الطويل. ولهذا من الاهمية بمكان ان تتواصل هذه الحملة وتستمر بلا فتور ولا كلل، والا تتحول بعد فترة الى مجرد اجتماعات دورية روتينية تلقى فيها الكلمات.
كما اننا ندعو اجهزة الاعلام العربية والمنظمات المدنية العربية الى دعم هذه الحملة التي انطلقت، والمشاركة الفاعلة في انشطتها، والعمل على انجاحها حتى تحقق الأهداف المنشودة.
ينبغي ان ندرك جميعا في الوطن العربي ان هذه القضية ليست بالقضية التي يجوز التهاون فيها.
فكما قلنا مرارا وتكرارا في مقالاتنا عن القضية، فان محاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين والبريطانيين وكل من شارك في الغزو والاحتلال، ليس حقا ولا ضرورة حالية فقط، وانما هو ضرورة للمستقبل ايضا.
لقد دمر هؤلاء المجرمون بلدا عربيا بالكامل.. دمروا مؤسساته، وقتلوا اكثر من مليونين من ابنائه الابرياء، وشردوا اكثر من خمسة ملايين عراقي، وارتكبوا افظع جرائم التعذيب، ونهبوا آثار العراق وثرواته.
لا يمكن ان يبقى الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم طلقاء.
لابد أن يأتي يوم يمثل فيه هؤلاء المجرمون امام القضاء ليدفعوا ثمن جرائمهم.
هذا حق قانوني وابسط ثمن يجب ان يدفعوه للعراق وشعبه وكل العرب.
وغير هذا، محاكمة هؤلاء المجرمين هو عامل ردع لكل القوى المجرمة في العالم التي مازالت تتمسك بمخططاتها وتستهدف دولنا العربية.