منصور الجمري
هناك فروقٌ واضحة بين خطاب يتسق مع التطور الحضاري الإنساني، وآخر مازال يعيش في الماضي وينظر إلى الأمور من زوايا تشكك في نوايا كل البشر. الخطاب الذي طرحته الصحوة العربية الحالية مستمد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا الخطاب يقول إن «لكل إنسان حقوق» بغضّ النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي أو اللون أو أيّة فروقات أخرى بين بني البشر. وهذا الخطاب يختلف عن نوعية التفكير الذي حرم العالم العربي من اللحاق بالأمم، ذلك الخطاب التحشيدي الذي انتشر في حقب سابقة واعتمد على الكراهية واحتقار الآخرين وعدم الاعتراف بالآخر.
خطاب الربيع العربي خطاب حقوقي بامتياز، وعلى الرغم من محاولات حرف هذا الخطاب عن مساره، إلا أنه حرّك ضمير المجتمعات لكي تسترشد بالقيم السامية التي تفسح المجال للتعايش في بيئة يسودها العدل والمساواة في المشاركة الفعلية في عملية صنع القرار والمساهمة في عملية اقتصادية مستدامة تصب في الصالح العام.
الخطاب الحقوقي الذي استلهمته المجتمعات العربية جعلهم يتقدمون سريعاً في الركب الإنساني، وأصبح الجميع يفقهون التعريف الأساسي للمفاهيم السياسية. فسيادة القانون مثلاً تعني وجود قانون يلتزم بحقوق الإنسان، وأن هذا القانون يُطبَّق من قبل جهة تمثل المجتمع من دون تفريق، ويُطبَّق على جميع أفراد المجتمع من دون تفريق. الخطاب الحقوقي يطرح مبدأ الحوار لتسيير الشأن العام، بينما الخطاب القديم يطرح مبدأ القوة المجردة والمنحازة كوسيلة لتسيير الشأن العام.
خطاب حقوق الإنسان يتجاوز الماضي ويدفع الناس نحو العيش المشترك ضمن ثقافات متنوعة، وهو خطاب يقوم أساساً على الثقة المتبادلة واحترام الآخر في كل معالمه الإنسانية، تاريخاً وتراثاً وحاضراً ومستقبلاً. إنه خطاب يغطي جميع الجوانب الحياتية، سواء كانت سياسية أو مدنية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية؛ لأنها جميعها غير قابلة للتجزئة، وهي مترابطة ومتشابكة، تنشد مجتمعاً يعيش بكرامة وينتمي لبعضه البعض ويوالي بعضه البعض.