عبدالنبي العكري
تشهد بلادنا حالة لا سابق لها من حملات التشهير والتسقيط ضد مكون أساسي من هذا الشعب وضد المعارضة الوطنية، وضد كل من يطالب بحقٍّ، أو له رأىٌ مستقل ويرفض التبعية.
وينطلق خطاب الكراهية من أسوأ ما في مخزون التاريخ الإسلامي من فتن، وأسوأ ما في التاريخ العربي من احتراب، وأسوأ ما في قيم مجتمعنا في عهود الانحطاط. وعلى رغم أن من يقوم على حملة الكراهية هذه يعيشون في القرن الحادي والعشرين، إلا أن عقولهم تعيش في القرون الوسطى. وعلى رغم أن بعضهم يدعي أنه صاحب فكر، إلا أنهم مروّجو الأفكار البالية. وبعضهم صحافيون إلا أنهم كتبة تقارير. وبعضهم رجال دين، إلا أن الدين منهم براء. وبعضهم يدّعى حب الوطن إلا أنهم يحبون المال وليس الوطن.
مروّجو خطاب الكراهية ذوو منطلقات متباينة، لكن القاسم المشترك فيما بينهم هو المصلحة الذاتية ولو على حساب الوطن والشعب. والبعض ارتعب وهو يرى الشعب يرتفع بوعيه من خلال إرهاصات حركة التغيير، ويتداول الأفكار الجريئة ويطرح المطالب المشروعة التي طالما غُيّبت أو أُجّلت أو سُوّفت، ولذلك صُدم وهو يرى منظومة السيطرة التي أحكمت على الشعب تتداعى ولو فكرياً.
البعض الذي يعتاش على تمزيق الأوضاع والتنظير لتجارب فاشلة والتمجيد لأرباب النعم، وجد أن كل ما بنى رصيده عليه ذرته الرياح. أما فقهاء السلاطين الذين يلبسون الحق بالباطل، فيقبضون لقاء هذا التلبيس امتيازات وأموالاً طائلة.
وهناك النكرات فاقدو الكفاءة والموهبة والرصيد السياسي والاجتماعي، الذين نالوا الحظوة خلسة ويخافون أن يفقدوها. والعديد من الفئات والشخصيات الطفيلية التي اعتاشت على النفاق والوصولية والنفعية طوال عقود، وجدت في حراك الشعب الطوفان الذي سيبلعها.
وهناك بالطبع صائدو الفرص من حثالات المجتمع، الذي وجدوا في الأزمة التي يعيشها الوطن فرصةً للحصول على مغانم لا يستحقونها، ومناصب لم يكونوا يحلمون بها، وحظوةً لم تخطر على بال. والمهرج أصبح إعلامياً بارزاً، والفاشل أصبح سياسياً مقدّماً، وعديم الكفاءة أصبح مقدّماً. لا يهم أن يكون هذا يسارياً أو يمنياً، إسلامياً أو عديم الدين. المهم أن يروّج لخطاب الكراهية وتخوين المعارضين الوطنيين ونزع الإنسانية عن المناضلين من أجل الإنسانية، لأنه فاقد الحجة ويدافع عن قيم وممارسات بالية، ويروّج للعبودية في مواجهة الحرية.
من المستحيل على هؤلاء مقارعة الحجة بالحجة، «فالحق أبلج والباطل أعوج»، ومن المستحيل على هؤلاء الوقوف مع حركة تطور التاريخ، ولذا يعملون على الانحدار بالوعي العام إلى الغرائزية والقيم البالية والفزعة.
خطاب الكراهية يستثير النزعة الطائفية والقبلية والعنصرية، وهو خطاب يصدر من أناس يشعرون بدونيتهم لأنهم عديمو كفاءة، ومعظمهم فاشلون في حياتهم المهنية أو الأدبية والسياسية. وهم ساقطون أخلاقياً، لأنهم يحرّضون على القتل والظلم والتمييز، ويسيرون بخطابهم التصعيدي إلى هاوية السقوط. إن خطابهم هو كالمخدّر كلما ازدادت جرعته تراجع مفعوله.
في البداية… كانوا يتهمون القيادات السياسية والدينية للمعارضة، ثم أضحوا يهاجمون التنظيمات المعارضة برمتها، والآن يهاجمون جماهير المعارضة، وهي أغلبية المواطنين الذين خبروا خطاب كراهيتهم. وحتى الفئات من المواطنين الذين استهدفوا استنفارهم وزجّهم في أتون الصراع، يكتشفون تدريجياً خطورة دعوتهم، لأنهم بكل بساطة لا يحصلون إلا على الفتات إن حصلوا، ويُراد لهم أن يكونوا عبيداً أو رعية في أحسن الأحوال، ويقاتلوا شركاءهم في الدين والوطن.
لن يصمد خطاب الكراهية على رغم ما توفر له من منابر وإمكانيات، أمام وعي شعب البحرين وحضاريته.