منصور الجمري
وسائل الإعلام تطوَّرت وتنوَّعت كثيراً في السنوات الأخيرة، وأصبحت هناك حاليّاً وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستطيع منافسة الفضائيّات في قدرتها على نشر المعلومة… لكنَّ كثيراً مِمَّا يُنشر في منطقتنا لا يتعدَّى التحشيد عبر استخدام خطاب الكراهيّة. وهذا الخطاب تسمعه على منابر صلوات الجمعة، وتقرأه فيما يكتبه دعاة الكراهيَّة، وتشاهده على «اليوتيوب»، ويصل في أوجه الى ما تبثُّه المنظَّمات الإرهابيَّة من التلذُّذ بتعذيب وقتل البشر الذين يختلفون معهم.
وعليه، فإنَّ الإشكاليَّة التي تواجهها المجتمعات في كلّ مكان، تتمثَّل في كيفيَّة التفريق بين حريَّة الرأَي، وخطاب الكراهيَّة. فحريَّة الرأي المنصوص عليها في المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة، لها حدود وضعتها المادة (20) من العهد الدولي، والتي تنصُّ على «تحظر بالقانون أيَّة دعاية للحرب»، و«تحظر بالقانون أيَّة دعوة إلى الكراهيَّة القوميَّة أو العنصريَّة أو الدينيَّة، تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف».
يمكن التعرُّف على «خِطابِ الكراهيَّة» إذا كان ذلك فحوى خطاب يسيء لمجموعة من البشر بسبب انتمائهم إلى مذهب أو دين أو عرق، أو بسبب الهويَّة الثقافيَّة، أو أيَّة محدّدات أخرى. هذا الخطاب قد يكون هدفه تبرير النيل من مجموعة بشريَّة معيّنة بسبب هويَّتها، أو إخراجها من الملَّة السياسيَّة أو الأمَّة الدينيَّة، أو اتهام أفرادها في إخلاصهم لأَوطانهم.
كل ذلك يعتبر محرَّماً في العهد الدولي، ويجب على الدول التي صادقت على العهد (والبحرين إحدى تلك الدول) أنْ تمنع هذا الخطاب وتعاقب عليه. والمنع هنا يجب أن يشمل الجميع، بمعنى أنه لا تتمُّ معاقبة جهة دون أخرى، ولا يفسح المجال لنوع معيَّن من الأشخاص والجماعات فيما يعاقب آخرون إذا ارتكبوا الخطأ ذاته، وكان خطابُهم معاكساً لمن غُضَّ الطرفُ عنهم. الممنوع دوليّاً وإنسانيّاً هو ممنوع على الجميع من دون استثناء.
«خِطابُ الكراهيَّة» أيضاً يتضمَّن التحريض على استخدام القمع ضد مجموعات بشريَّة مستهدفة، وتزداد هذه الوتيرة لدى المنظَّمات الإرهابيَّة التي تدعو إلى أَكثر من القمع، بما في ذلك القتل والاستباحة. هذه الخطابات، سواء التي تدعو إلى استخدام القمع، أو تلك التي تدعو إلى العنف الدموي، جميعها محرَّمة في العهد الدولي، ويجب منعها وعدم إفساح المجال لأية جهة أنْ تمارسها تحت أيّ مبرّر، سواءً كان هذا المبرر حماية الأمن القومي، أو حماية الدين، فهذان عنوانان غير مشروعين، ولا يبرران استخدام خِطابِ الكراهيّة.
«خِطابُ الكراهيّة» يعتمد على لغة «هم»، و«نحن»، وهذا الخطاب لا يفتّت النسيج المجتمعي فحسب، وإنَّما يرى العالم بنظّارة الأسود والأبيض، إمَّا معنا وإمَّا علينا، ويصنّف الحياة العامَّة على أساس تصنيفات تنتهي بكل شيء إلى لا شيء، وتقلب الحقائق رأساً على عقب، وتجيّرها لخدمة أجندات خاصَّة وغير إنسانيّة.
«خِطابُ الكراهيَّة» ليس دقيقاً في نقل ما يجري في العالم، فهو يأخذ أيَّ خبر، ويقلبه رأساً على عقب، ليقول إنَّ في بلدان أخرى تتمُّ تصفية المعارضين، مثلاً، وبالتالي يكرّر كلاماً غير علميّ وغير صحيح، ويسوقه على أساس منطق «البطش».
في اليوم العالمي للصحافة نحتاج إلى وقفة صادقة؛ لمناصرة المادة (19) من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنيَّة والسياسيّة، ولتفعيل المادة (20) من العهد ذاته، بصفته الإلزاميَّة.