قاسم حسين
بعد الانتهاء من تشطير المجتمع عموديّاً، وتمزيقه طائفيّاً، وبعد خلق جمعيات حقوقية مدفوعة الأجر لمناهضة الجمعيات الحقوقية الحقيقية، وبعد خلق تجمعات «غونغو» سياسية لمعارضة جمعيات المعارضة… جاء الدور لاستخدام ورقة الجاليات الأجنبية!
منذ ثلاثين عاماً والكتاب الخليجيون يحذّرون من مخاطر زيادة العمالة الأجنبية الوافدة على هوية الخليج العربية، ومنذ عشرين عاماً ووزراء العمل والشئون الاجتماعية يناقشون أثر ذلك على مستقبل شعوب المنطقة، ومنذ عقود ومنظمات المجتمع المدني تحذّر من تحوّل هذه الشعوب إلى أقلياتٍ في بلدانها بسبب سياسة الاستقدام العشوائي دون ضوابط أو حدود.
قبل عشرة أعوام، ناقش البرلمان الهندي مستقبل العمالة الهندية في دول الخليج، ووضع على أجندته المطالبة بحقوقهم الاقتصادية وتمثيلهم السياسي الكامل كمهاجرين. وقريبٌ من ذلك ما حدث من إجراءات تقيد الهجرة في دول أخرى كالفلبين وإندونيسيا، قاومتها دول الخليج لفترة طويلة. وحين نظّم الهنود أنفسهم في دبي مثلاً ودخلوا في إضرابات من أجل الحصول على رواتبهم وتحسين أوضاعهم قبل ثلاثة أعوام، تم تسفير الآلاف منهم، ما أثار زوبعةً دوليةً من الانتقادات.
اليوم، يتم إقحام الجاليات الأجنبية في خلافٍ سياسي داخلي في هذا البلد الصغير الذي باء بأزمته السياسية المستدامة. ففي الوقت الذي قاومت فيه الحكومة إنشاء الاتحادات الأهلية، ووضعت العراقيل أمام عملهم بعد إشهارهم رسميّاً، فإنها تهيئ السبل في ظرف أيامٍ لإشهار ما يسمى بـ «اتحاد الجاليات الأجنبية»، وتهب الراية لقيادته إلى سيدة مغمورة تدعى «باتسي ماثيسون».
«باتسي» التي لم يسمع بتاريخها النضالي البروليتاري أحدٌ من قبل في أي بقعة من بقاع العالم، أخذت تتكلّم في البحرين باسم الديمقراطية نيابةً عن 600 ألف وافد أجنبي، يتوزعون على أكثر من خمسين جالية، لم يلتقوها في حياتهم، أو ينتخبوها في أية جمعيةٍ عموميةٍ لاتحاد الجاليات! والأسوأ من ذلك أن يظهر تصريحها بالخط العريض وهي تتفاخر وتتحدى قائلة: «نحن الكتلة الكبرى»! وتنذر شعب البحرين بأنها تمثل 52 في المئة من سكان البحرين، ويربو عددهم على 600 ألف نسمة.
اليوم، السلطة في البحرين تذهب إلى الفخ برجليها، بإقحام الجاليات الأجنبية في شأن سياسي محلي بينها وبين المعارضة، لتزيد من الأزمة تعقيداً، بإقحام مزيد أكثر من 50 دولة في شأننا المحلي، شئنا أم أبينا، علماً أن إدخال المهاجرين الأجانب في الشأن السياسي سيأتي بنتائج من المحتمل جداً أن تكون مضادة لأهداف السلطة، بل وسيقوض جميع خططها الحالية والمستقبلية ويقلبها رأساً على عقب. ولذا ينظر المراقبون لهذه الخطوة بأنها خطأ استراتيجي آخر، أشبه بالجلوس الطوعي على الخازوق. فمن أجل تحقيق هدفٍ صغيرٍ تقوم بإقحام كتلة بشرية أجنبية ضخمة وتوحّدها مرحليّاً من أجل تسجيل بعض النقاط على المعارضة، بينما يمكن أن تتحرك هذه الكتلة ضدك في قفزتها التالية، للمطالبة بحقوق اقتصادية وسياسية واجتماعية، مازلت تتمنع من إعطاء الكثير منها لمواطنيك، كالحق في الإضراب والتظاهر السلمي والتمثيل المتساوي في البرلمان!
أنا لا أفهم! ولا يمكنني أن أفهم! ما هذا الذي يجري؟ وما هو الثمن؟