سوسن دهنيم
لطالما كانت البحرين كياناً اجتماعياً خاصاً بالنسبة لدول الخليج العربي، بنسيجها الاجتماعي المترابط على مر العصور. نسيجٌ لم ينجح يوماً أحدٌ في تمزيقه بفعل ثقافة أهله وطيبتهم وإنسانيتهم، ورغبتهم في صيانة العيش المشترك. نسيجٌ اعتاد أن يكون مشتركاً في الدفاع عن حقه، وفي المطالبة بمزيد من الحقوق التي لم تتوافر له، عن طريق الانتفاضات التي قادها الوطنيون لأكثر من تسعة عقود أو عشرة، منذ عشرينات القرن المنصرم، حيث بدايات النضال الوطني.
لم يلتفت يوماً المناضلون لألوانهم أو طوائفهم أو إيديولوجياتهم، فكانوا صفاً واحداً رغم محاولات السلطات، على اختلاف الزمن، في هدم بناء تعاضدهم وتمزيق لحمتهم الوطنية، وما حدث في الخمسينات من القرن الماضي كان خير شاهدٍ على فشل هذه المحاولات، والتي تتجلى في أحاديث من عاصرها، وفي كتب المذكرات والتاريخ.
أحداثٌ تكررت بأسلوبٍ مختلفٍ نسبياً في أحداث الرابع عشر من فبراير/شباط من العام الماضي؛ لتحاول أصواتٌ بعينها إعادة التمزّق والتشقّق، نجحت هذه الأصوات في مسعاها لدى بعض المتعصبين لطائفتهم أو قبيلتهم أو أسماء عوائلهم، وبعض البسطاء من عامة الناس ممن يقودهم قادة الرأي في جماعاتهم المختلفة، ومن يصدقون كل ما يُذكَر في وسائل الإعلام، حتى أصبحوا بوقاً آخراً لهذه الأصوات، يتحدثون بصوتهم ويتقمصون أدوارهم، بعضهم يفعلها على غير قناعة، وبعضهم الآخر لمحاولة التقليد فقط، حتى كاد الناس يصدقون ما يروّج في وسائل الإعلام عن المكون الآخر للمجتمع.
وبفضل هؤلاء، صار لدينا اليوم من يرى أن هنا شعبين لا شعباً واحداً، وبعضهم يريدون للبحرين أن تبقى كذلك، بعد أن شعروا بأن العيش المشترك محال، خصوصاً مع وجود رجال دين، وقادة رأي يروجون لهذه الكراهية بشكل علانيّ، ويطلبون ممن يتبعهم محاربة ومخاصمة الآخر المختلف عنهم في الطائفة، وكأنه جاء من كوكب آخر لم يكن يوماً جاراً، وزميل دراسةٍ، وفرداً من عائلة، وشريكاً في كل الأوقات والأحداث.
السؤال الذي يلح على الوطنيين اليوم هو ما الذي سيحدث بعد هذه الكارثة الاجتماعية التي يعاني منها أبناء الوطن؟ وكيف سيعاود هؤلاء الثقة بشركائهم بعد أن نجح الساعون في مساعيهم لبث سموم الطائفية في عقولهم وقلوبهم؟ حتى بدت غريبة على البحريني الحقيقي ابن هذه الأرض الطيبة التي لا تنجب إلا المتسامح والمتعاون. كيف سيثق هؤلاء في الإعلام المحلي وصانعيه، وهم يرون أن ما كان يبثه هذا الجهاز الإعلامي كل يومٍ خلال فترةٍ ما، عانى منها وطننا أكثر مما عانينا، هو مجرد فبركاتٍ وأكاذيبٍ صدقوها بحسن نية وبسذاجة لم تتوقع يوماً أن تتضح خلالها حقيقة بعكس ما كان يروج له؟
بل السؤال الأهم هو: كيف ستعود ثقة المواطنين بكل من روَّج الإعلام ضده الأكاذيب والقصص من أطباء ومعلمين وطلابٍ وقادةِ رأيٍ وكتَّابٍ ومثقفين ورياضيين، رغم تبرئة القضاء لهم، خصوصاً مع عدم وجود اعتذارٍ رسميٍّ وردّ اعتبار لهم؟ رغم أن كثيراً من المواطنين قد عادوا إلى أطبائهم ومدربيهم بعد أن فهموا لعبة السلطة السياسية والإعلامية. وكيف سيسامح هؤلاء من كان سبباً في كوارث مادية واجتماعية ونفسية عاشها طوال عام ونصف أو يزيد؟ وإن سامحوا، فكيف سينسون كل هذا الألم؟