استغربت لوهلة حين قرأت عنوان الخبر. العنوان يقول "بايدن نادم على اجتياح العراق عام 2003". وبايدن المقصود هو بالطبع جو بايدن نائب الرئيس الامريكي.
سبب الاستغراب هو ببساطة ان هذا الرجل بايدن كان قبل الغزو من غلاة الساسة الامريكيين المؤيدين لشن عدوان على العراق والمطالبين به. وكان في مقدمة من صوتوا في الكونجرس الامريكي لصالح شن العدوان.
كان بايدن بعبارة أخرى، احد المجرمين من الساسة الامريكيين الذين دفعوا بقوة في اتجاه غزو واحتلال العراق.
ليس هذا فحسب، بل ان بايدن هذا، الذي قال عن نفسه مرة "انا صهيوني"، ويعتز ويفخر دائما بصهيونيته، هو الذي قدم في الكونجرس الامريكي، بعد الاحتلال، مشروعا بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات على اسس طائفية وعرقية.
كيف يمكن اذن ان يكون بايدن هذا نادما على غزو واحتلال العراق؟
سرعان ما نكتشف الاجابة.
بايدن نادم فقط على القتلى والجرحي من الجنود الامريكيين الذين سقطوا في العراق، ويتساءل، هل كان الامر يستحق سقوط هؤلاء؟
قبل ان يتحدث بايدن على هذا النحو بيوم واحد، كان مجرم الحرب توني بلير يتحدث أمام لجنة التحقيق البريطانية في غزو العراق، ويعبر ايضا عن الاسف ويعتذر.
وايضا، كان بلير يعتذر فقط لعائلات الجنود البريطانيين الذين سقطوا في العراق، ويعبر عن الاسف لسقوط هؤلاء الجنود.
كما نرى المجرمين بلير وبايدن لا يريان في غزو واحتلال العراق الا شيئا واحدا سلبيا يندمان عليه هو جنودهم الذين سقطوا قتلى.
يتحدثان كما لو كان هؤلاء الجنود قاموا بعمل انساني نبيل ولا يستحقون ما حل بهم. هذا مع العلم بأن هؤلاء الجنود هم محتلون غاصبون. هم، مثلهم مثل قادتهم وساستهم الامريكيين والبريطانيين، مجرمو حرب بحسب القانون الدولي.
وكما نرى، فإن المجرمين بايدن وبلير، لا يجدان في كل ما حل بالعراق وبالشعب العراقي أي شيء خطأ يستدعي الندم عليه أو الاعتذار عنه.
أكثر من مليون ونصف المليون عراقي فقدوا ارواحهم على يد الاحتلال وبسببه.. اكثر من خمسة ملايين عراقي تشردوا من بيوتهم ووطنهم واصبحوا لاجئين.. كل الخراب والدمار الذي حل بالعراق ونهب ثرواته، وتمزيقه.. جرائم حرب وابادة لا حصر لها ارتكبها الاحتلال وموثقة.. كل هذه الجرائم المروعة بحق العراق وبحق الشعب العراقي، لا تعني أي شيء على الاطلاق بالنسبة الى هؤلاء المجرمين، ولا تستحق حتى مجرد الاشارة اليها ولو بكلمة واحدة. يذرفون الدموع فقط ويندمون على بضعة آلاف من جنودهم مجرمي الحرب الذين سقطوا.
الذين يتحدثون بهذا الشكل، وبهذه الروح، ومن دون ان يشعروا بذرة واحدة من خجل، هم بالضرورة همج متوحشون.
وليس هذا بالأمر الغريب . هؤلاء المجرمون في أمريكا وفي بريطانيا حين غزوا العراق واحتلوه، ومن قبله أفغانستان، كانت قناعتهم الأصيلة ان أرواح عشرات الملايين من ابناء البلدين لا تساوي شيئا ولا تعني شيئا. كان في صلب قناعتهم ان جرائم الحرب والابادة هي " ضرورات" لتحقيق اهدافهم الشيطانية.
ليس من الغريب ان يتجاهل هذان المجرمان، وغيرهما من المجرمين الامريكيين والبريطانيين، كل ما حل بالعراق والعراقيين، ولا يرون فيه أي شيء يدعو الى الاسف أو الندم. فهذا بالضبط هو ما أرادوه وخططوا له منذ البداية من وراء الغزو والاحتلال. أرادوا تدمير العراق والقضاء عليه كدولة عربية موحدة، والتنكيل بالشعب العراقي بأسره!
قلنا عشرات المرات من قبل، ولن نمل من تكرار ذلك، لن تهدأ أرواح شهداء شعب العراق، ولن يكون بمقدور العالم كله ان يحلم بالأمن، ما لم يقدم كل المجرمين في امريكا وفي بريطانيا الذين شنوا هذا الغزو والاحتلال امام القضاء الدولي كي يحاكموا كمجرمي حرب وابادة.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.